طارق احمد السلطاني
بغداد
ثقافة الحب
الحب معاناة يسببها النظر إلى جمال الجنس الأخر فحين يبصر الرجل المرآة اللائقة يحبه والمصورة كما يتطلب ذوقه يشتهيها قلبه في الحال .
وكل منا يتعرض للإصابة بسهم الحب ألا من كان شيخاً كبيراً او أعمى او كان ذا شهوة عمياء .
ويرسم اندرياس الحدود التي يجب ان يلتزم بها المحبون , فيتمتعوا ضمنها بحبهم . تلك الحدود تسمح بالقبلة والعناق وتحرم ماعداهما . فان اتبع المحب تلك الشروط كان حبه شريفاً ومشرفاً له في أن واحد وان تعداها الى المعصية فان حبه لا يعدو ان يكون شهوة حيوانية .
أنه الحب الطاهر الذي يوثق قلوب المحبين ويملؤها غبطة . هذا الحب قوامه التأمل الفكري والميل القلبي , يسمح بالقبلة والعناق ويستغني عما هو ابعد , اذ لا يسمح له لمن يحب حباً طاهراً عفيفاً هذا هو الحب الذي يجب أن يصبو أليه الجميع بكل قلوبهم لأنه حب يزيد على الأيام بلا نهاية ولا يندم أهلوه , هذا الحب متميز بكونه فضيلة وداعية الى اكتمال الشخصية .
أما اثر الحب في تهذيب العاشق واكتمال خلقه وشخصيته فقد خصه اندرياس بأكثر من حديث في كتابة فهو يخبرنا أن الحب هو الينبوع والمصدر لكل الأشياء الخيرة ولولاه ما عرف الإنسان معنى اللطف والمجاملة والتظرف Courtesy يقول اندرياس : ان الحب يحول الرجل الفظ الغليظ الى ظريف لين العريكة , ويزود الرجل الوضيع المنشأ بالخلق النبيل , ويحمل المتكبر الصلف بالتواضع وان المحب لقادر على البذل مستعد لإسداء المعروف لأي كان من الناس , ومن كان صحيح الحب فلا يمكن ان يكون طماعاً شرهاً .
ومن الواضح أن الكاتب في وصفه الحب وذكر قواعده وحدوده أنما يتحدث عن الحب خارج نطاق الزواج , وهو يقولها صراحة (( نحن أعلنا ونتمسك بما أعلناه مراراً , أن الحب لا يمكن أن يمارس سلطانه بين زوجين )) .
ثم يثبت إعلانه هذا كقاعدة أولى بين القواعد التي سطرها من اجل الحب .
* * *
فرسالة ابن سينا تتكون من سبعة فصول تتحدث عن وجود العشق وسريانه في جميع الموجودات . فالموجودات كما يقول الشيخ الرئيس (( أما أن يكون وجودها بسبب عشق فيها , وأما أن يكون وجودها هو العشق بعينه )) .
ويخصص ابن سينا الفصل الخامس من رسالته للحديث عن (( عشق الظرفاء والفتيان للأوجه الحسان )) . ويؤخذ من هذا الموضوع ومن الشرح الذي يتلوه ان الحب الذي يتحدث عنه ابن سينا في هذا الفصل هو حسي بدلالة انطلاقه من النظر الى الحسن في الناس .
وهو في الوقت ذاته روحي بدلاله كونه يعد تظرفاً وفتوة . يقول ابن سينا :
ان من شان العاقل الولوع بالمنظر الحسن من الناس وقد يعد ذلك منه – في بعض الاحيان – تظرفاً وفتوة .
أما الأحيان التي يعد فيها العشق تظرفاً ومروءة فتحدد بنظر ابن سينا باكتفاء العاشق بما هو مستحب ومستساغ في دنيا الحب كالعناق والتقبيل , وبتحريم ما سواهما , وبذلك يكون الحب عشقاً لا فسقاً , ويسمو على الشهوة الحيوانية واللذة المحرمة ويعتبر تظرفاً وداعية للمروءة والفتوة , ويقول ابن سينا في هذا الباب :
وعشق الصورة الحسنة قد تتبعه امور ثلاثة , أحدهما معانقتها , والثاني حب تقبيلها , والثالث حب مباضعتها , فاما حب المباضعة فمما يتعين عنده هذا العشق الا خاصاً بالنفس الحيوانية .
وحب المباضعة – كما يسميها ابن سينا – (( لا ينساغ ألا لرجل من امرأته او في مملوكته )) وذلك بقصد((توليد المثل )) . وأما المعانقة والتقبيل , فإذا كان الغرض منها هو التقارب والاتحاد , وذلك لان النفس تود أن تنال معشوقها بحسها أللمسي كنيلها له بحسها البصري – فليسا بمنكرين في ذاتهما , ولكن استتباعهما أمورا شهوانية فاحشة . توجب التوقي منهما , ألا إذا تيقن من متوليهما خمود الشهوة والبراءة من التهمة ... لا الهم بالفحش والفساد . فمن عشق هذا الضرب من العشق فهو فتى ظريف , وهذا العشق تظرف ومروءة . وواضح هنا أيضا ان الحب الذي يتحدث عنه ابن سينا في رسالته والذي تستساغ به القبلة والعناق ويحرم فيه الاتصال الجنسي , أنما هو حب خارج نطاق الزواج وليس بقصد توليد المثل كما يقول الكاتب .
ونحن نعلم جيداً ان مشاهير شعرائنا العشاق إنما شببوا بنساء منعن عنهم لسبب او أخر , وأصبحن زوجات لرجال آخرين فليلى وبثينة وعزة وليلى الاخيلية وعفراء واسماء وريا وغيرهن كلهن زوجات طمرت أسماء أزواجهن وشهرت أسماء عشاقهن وهم قيس وجميل وكثير وتويه وعروة والمرقش والصمه . ولو حدث أن تزوج العاشق من معشوقته كما تروى حكاية قيس بن ذريح ولبنى فلا تلبث ان تقوم اسباب قاهرة على طلاقها فيعود عاشقاً باكيا متغزلاً بالحبيبة الممنوعة , ويقضي محروماً من وصالها .
وذكر السراج في كتابه (( مصارع العشاق )) قول أحد الحكماء ينصح تلامذته بما يلي :
اعشقوا فان العشق يطلق لسان العيي , ويفتح حيلة البليد ويبعث على التنظيف وتحسن اللباس وتطييب المطعم , ويدعو الى الحركة والذكاء وتشرف الهمة , وإياكم والحرام .
ان الحب عرفه كل من العرب والاوربين والذي يتحدث عن اللذة الحسية التي تسمو بالعاشق عن مظان السوء , هذا الحب كان موضع شك وريبة بنظر بعض الناس , مما دعا الشعراء أنفسهم , عرباً وأوربيين , الى الدفاع عن حبهم محاولين تكذيب من يريد الإساءة إلى ذلك الحب .
اما التروبادورز فقد أكدوا سلامة علاقاتهم مع حبيباتهم وكذبوا أقاويل الجهلاء والمغرضين اذ يخبرنا ماركابرو ان هناك نوعين من الحب , احدهما طاهر صحيح والأخر زائف سقيم , وان حبه كان ولا زال من النوع الأول يقول ماركابرو في أحدى قصائده :
أقولها , وقد قلتها مراراً , وسوف أقولها , ان الحب الصادق العفيف والحب الزائف لن يلتقيا , وان أحدهما ليصرخ ضد الأخر .
ان كان يرضيها فسوف اكون قريباً منها وسوف يكون بيننا الحديث المعسول الذي يعتبره العاشق أعظم متعة يتمناها ينتقد الجهلاء الحب ويعيبونه جهلاً به ولا ضرر من الحب الذي سيبقى خالداً عفيفاً . حين رايتك لأول مرة او حين سمحت لي ان أراك يا سيدتي , نسيت ما كان من امري , اذ علقت رغباتي كلها فيك , وتمكن الشوق من قلبي بابتسامة حلوة ونظرة فجعلني انسى ما هو كائن سواه .
لقد غمرني السرور وأنا انظر إليها لأول مرة , وما كان باستطاعتي ان استعيد القلب الذي سلبته فقد كان معها منذ ذلك الحين , وما زال شريران قد تآمرا ضدي وهما يعملان ليل نهار للقضاء عليّ , هما قلبي وطرفي ( أي قلبي وعيني ) فقد جعلاني اشتهي من هي ليست لي .
والتمعت عيناها بنعومة ودفء
فأثيرت شجونه
ومن العين الى القلب
مر سهم
فأصاب حبته
ورسم صورة كر سيدا في صميمه
ذراعاها الناعمان وقدها الأهيف السمح
عطفاها الهضيمان وجيدها الناصع
وصدرها الناهد البض
لقد اخذ بجمالها
وانتشى برحيق السماء
* * *
ستحاكمين حسب قانون الحب , وستحاسبين وتلامين , انت التي حملتني ظلماً
واورثتيني سقماً .
* * *
أيها المحبون السعداء اذكروا أهات الذين أشقاهم الحب
بشيء من الرحمة والرثاء ,
واذكروا الآهات التي أمضتكم يوماً
انه الحب
لا يعرف هناه , الا من عرف أساه .
* * *
ولقد قلت والهموم ركود
ودموعي على الرداء تجود
يا بني ادم تعالوا ننادي
إنما نحن للنــساء عبيــد
1373 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع