أحمد العبدالله
محطات في قطار العمر؛ تحت سلطة داعش(١-٥)
في الثامن من حزيران 2014, توالت الأنباء العاجلة من مدينة الموصل بأن تنظيم(داعش) قد حقق خرقا عميقا في جانب المدينة الغربي وإن المعارك تدور في معسكر الغزلاني والمطار ومحيط مبنى المحافظة, وأن القوات الحكومية التي يزيد عددها على الستين ألفا من مختلف الصنوف, تواجه صعوبات بالغة في التصدي لهجوم المسلحين الكاسح, رغم الفارق الشاسع بين الطرفين في العدة والعدد لصالح الجانب الحكومي, ولكن لأن القوات التي تشكلت ما بعد 2003, هي لملوم من الميليشيات الطائفية بالدرجة الأساس وتفتقر لعقيدة عسكرية وطنية, بجانب ممارساتها القبيحة والشائنة مع سكان المناطق الغربية بشكل عام, وتعاملها معهم كأعداء, والإمعان في إهانتهم والتضييق عليهم, أفقد تلك القوات التعاطف الشعبي.
لم تمر سوى ساعات قليلة, وإذا بجانب المدينة الغربي يقع كله تقريبا تحت السيطرة الكاملة لداعش, وهو ما مثل بداية لإنهيار سريع للقوات الحكومية وهروبها وتقهقرها عمّا تبقى من المدينة في غضون 48 ساعة, وكان منظر الرتب والملابس العسكرية المهانة وهي مرمية على الأرض, مثيرا للاشمئزاز والشماتة من جانب معظم أهالي الموصل, لأن أفراد القوات المذكورة تجبرت وأمعنت في إذلالهم. فلا يمكن نسيان ذلك المشهد البائس عندما يقود (الفريق) مهدي الغراوي؛(العزاوي, سابقاً)!!, رتلا عسكريا طويلا لإلقاء القبض على امرأة مكسورة الجناح وطفلها الصغير الذي يصرخ رعبا في حضنها, كرهينة عن زوجها المطلوب بتهمة الإرهاب, والتي صارت تطال الجميع بلا استثناء. وقبل ذلك, ما بين 2004-2006, وما فعله (لواء الذئب) سيّء الصيت وآمره المجرم الطائفي محمد القريشي, من جرائم وانتهاكات يشيب من هولها الولدان. ويتذكر الجميع ذلك المقطع المصور والذي بثته القنوات الفضائية والذي يظهر فيه أحد العسكريين وهو يقف في شارع من شوارع الموصل مع زمرة من قطعانه, وهو يقوم بركل مواطنين مدنيين من مختلف الأعمار وهم يصطفون في رتل طويل يمرون من أمامه, ويبدو متلذذا بعمله!!. وهذه أمثلة بسيطة لآلاف من الانتهاكات والجرائم والتي لم تجرأ حتى قوات الاحتلال الامريكي على فعلها, وما خفي كان أدهى وأمر.
فهذا هو سر الإنهيار المريع والسريع لذلك الجيش (العرمرم) والذي نخره الفساد والطائفية كما تنخر حشرة الأرضة قطعة الخشب, وصاروا يحسبون كل صيحة عليهم, وهذا الإنهيار لم يقف عند حدود مدينة الموصل فقط بل استمر كإعصار عاتٍ ليصل الى محافظة صلاح الدين ويتجاوزها حتى حدود العاصمة بغداد ومناطق واسعة من محافظتي كركوك وديالى, إضافة الى مدن كثيرة في محافظة الأنبار والتي كانت قد سقطت أصلا بيد التنظيم منذ بداية 2014. وبذلك صار ثلث العراق تقريبا خارج سلطة بغداد, ومعها ترسانة ضخمة من أحدث المعدات العسكرية والأموال, والتي وقعت غنيمة باردة بيد داعش, التنظيم الأرهابي الذي تأسس على أنقاض القاعدة التي سبقته بالظهور قبل ذلك التاريخ بعقد من الزمان تقريبا.
كنتُ في ذلك الحين أسكن منطقة تدخل ضمن نطاق حزام بغداد التاريخي, عندما وصلتها طلائع داعش في منتصف حزيران 2014, بعربات حمل صغيرة تحمل على ظهرها رشاشات متوسطة, وفرّت القوات الحكومية مذعورة لا تلوي على شيء, تاركة معسكراتها الحصينة المتخمة بأحدث الأسلحة والعتاد في منظر قلّما يتكرر. فأين تلك القيادات التي تزدحم الرتب على أكتافها, وكروش أصحابها المتدلية والمنتفخة بالسحت الحرام, في منظرمشمئز لم تألفه العسكرية العراقية عبر تاريخها, وهي تغرف المليارات من أموال الشعب, الشعب الذي كان من المفترض أن يكون الدفاع وصيانة الأرض والعرض, أولى مهامها وأقدسها, فإذا بها تتلاشى كفص ملح في ماء عذب أمام عدة آلاف من المسلحين الذين لا يحملون سوى البنادق والأسلحة المتوسطة, وكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يذلّهم ويشعرهم بحقارتهم وتفاهتهم وضآلتهم, لتكبرهم الفارغ على عباده. فالجزاء من جنس العمل.
تسنّى لي في الأيام والأسابيع التالية متابعة المشهد عن قرب, ومحاولة فهم؛ ماذا جرى؟ ولماذا؟, فكيف لفرق عسكرية مسلحة بأحدث الاسلحة تنهار بهذا الشكل, وافتقارها الكلي لإرادة القتال والصمود؟ بينما عشرات من أفراد تلك القوات نفسها تصمد لأشهر طويلة في مصفى بيجي مثلا, وهي محاصرة؟!!. مشهدان متناقضان تماما. فهل تلك القوات العسكرية قد نفّذت أمراً من نوري المالكي بإخلاء المحافظات الغربية وتسليمها بكل مقدراتها لتنظيم إرهابي تحوم الشبهات حول تأسيسه لاستخدامه كذريعة لاستباحة وتدمير المحافظات الغربية وتقتيل وتهجير أهلها, كجزء أساس من المخطط الفارسي بإنشاء (الهلال الشيعي) والذي لا يمكن أن يتحقق بدون تأمين الممر الأرضي الواصل بين ايران ولبنان مرورا بالعراق وسورية, وكان حجر الزاوية في هذا المشروع الشيطاني الشرير, هو إحداث تغيير سكاني واسع في المحافظات الغربية من العراق, والمحافظات الشرقية من سوريا, والتي هي محافظات سُنيّة خالصة؟
إن الأحداث اللاحقة لسنة 2014, تعطي هذا الاحتمال المصداقية الكاملة, فإيران في سبيل تحقيق أهدافها العدوانية التوسعية العنصرية المغلفة بلبوس الطائفية, لا يهمها التضحية بملايين الشيعة العرب تحديدا, في سبيل ذلك, فهم بالنسبة لها, ليسوا أكثر من وقود رخيص لتحقيق تلك الأهداف الخبيثة, ولا يتطلب منها بذل أي جهد سوى الإيعاز لأحد معمّميها الذين يحملون جنسيتها, ويأتمرون بأوامرها, حتى لو زعم ذلك المعمّم غير ذلك من باب(التقية), فيقوم المعمّم بإصدار(فتوى) لحشد القطعان المتخلفة والمعبأة بكل أحقاد التاريخ وعقد الماضي.
وهذا ما سنعرج عليه في المحطات اللاحقة عمّا فعله الحشد الشيعي من إجرام في المناطق الغربية, ورحلة التهجير لملايين من سكان تلك المناطق, إضافة لتدمير الحواضر التاريخية الشامخة وتغييب الألوف من أهلها, وكيف تم استغلال (مجزرة سبايكر) أبشع استغلال لتنفيذ ذلك المخطط الشيطاني الخبيث. وبالله نستعين.
4659 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع