ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
مؤسسة الذاكرة العراقية ....البدايات والاهداف
ومنذ سنوات ، وانا مهتم بتوثيق دور المدونات التاريخية والنصب التذكارية في احياء الذاكرة للأقوام والشعوب والدول ، ولي بحث منشور في هذا المجال القيته في احد المؤتمرات العلمية .كما انني - كمؤرخ - مهتم بتوثيق ما يمر ببلدنا وما تنشأ فيه من مؤسسات لها صلة بجوانب التوثيق وتدوين التاريخ وضمن فتراته المختلفة وخاصة تاريخ العراق الحديث والمعاصر وهو مجال تخصصي الاول ولي فيه كتب ودراسات وبحوث .
ومنذ وقوع العراق بلدنا العزيز تحت الاحتلال الاميركي - البريطاني في التاسع من نيسان -ابريل سنة 2003 وانا اتابع جهود الاستاذ الدكتور كنعان مكية صاحب كتاب (القسوة والصمت) المعروف واحد معارضي النظام الحاكم السابق في العراق 1968-2003 في مجال تأسيس ما سمي فيما بعد (مؤسسة الذاكرة العراقية) .وقد وجدت ان المؤسس الحقيقي لها هو الدكتور كنعان مكية و، معه الاستاذ مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق الحالي (منذ 6 ايار -مايو سنة 2020) .
ومن المصادفات الجميلة انني احتفظ ببعض المدونات التي تناولت هذه المؤسسة وبخاصة حوار مع الدكتور كنعان مكية في العدد الاول من مجلة ( شناشيل) البغدادية والعدد الثاني من المجلة ذاتها وفيه وقائع حوار مع الاستاذ مصطفى الكاظمي مدير مؤسسة الذاكرة العراقية .كما وجدت مقالة للأستاذ جورج منصور المدير العام لقناة شبكة الاعلام العراقي التلفزيونية (العراقية) وفي الموقع ذو الرابط التالي : https://shafaq.com/
وفيها يقول ان زميله مصطفى الكاظمي كان مديرا لقسم البرامج في شبكة الاعلام العراقي لفترة وجيزة وانه في سنة 2003 قد بدأ (يقصد مصطفى الكاظمي ) ، للتو عمله مع الدكتور كنعان مكية في مؤسسة الذاكرة العراقية المختصة بتوثيق الفترة من 1968 الى 2003 .
وكان المسؤول والمشرف الامريكي على شبكة الاعلام العراقي (جان ساندروك ) قد طلب ان يكون جورج منصور عضوا في وفد يسافر مع الفريق الامريكي الى دبي لغرض شراء مجموعة من الافلام الوثائقية والتلفزيونية لعرضها في تلفزيون الشبكة العراقية للإعلام وقد انطلق بثها في 13 ايار - مايو 2003 وانه اراد ان يكون مصطفى الكاظمي مدير قسم البرامج في الشبكة ضمن الوفد ، وسافر الوفد وانجز مهمته وكان الفريق الامريكي مصرا على التعاقد لشراء افلام قديمة اسود وابيض وبأسعار باهضة ومنها افلام اسماعيل ياسين في البوليس السري وفي الأسطول، وطريق الأمل لفاتن حمامة، والدخيل، وكازابلانكا، وغيرها.
ما يهمني أن أقوله ، وانا اوثق للبدايات الاولى ل(مؤسسة الذاكرة العراقية ) واهدافها والتي تأسست في بغداد مع بدء الاحتلال الامريكي للعراق في 9 نيسان -ابريل 2003، وكان مقرها في غرفة في الطابق الثالث من قصر المؤتمرات والذي اصبح لاحقا مبنى لمجلس النواب العراقي ما قاله الدكتور كنعان مكية من ان مؤسسة الذاكرة العراقية تعمل من اجل تشكيل هوية جديدة للعراقيين بعيدا عن الهوية التي ارادها من حكم بين 1968-2003 وهي التي تستند الى ما اسماه هو " البطولات الوطنية والقومية العربية والتي تعود الى البطولات العربية ايام الفتوحات الاسلامية وهي طريقة البعثيين والقوميين في تشكيل الهوية العربية ".واضاف انه يريد "رؤية بناء الديموقراطية بعيدا عن البطولات والشعارات التي ترسخ لعبادة الفرد " .
ويقول الدكتور كنعان مكية ان "مؤسسة الذاكرة العراقية تريد ان يعاود الانسان ممارسة النقد الذاتي لضمان عدم تكرار مآسي الماضي " ذلك ان التركيز على "الانتهاكات والقسوة يساعد على بناء مانع كبير يحد من تكرارها في المستقبل" .وقال لهذا المؤسسة حصلت على كل الوثائق التي خرجت من تحت بناية القيادة القومية لحزب البعث " و"إن اهتمامنا تركز على جمع المادة الخام والتي نستطيع كتابة التاريخ على اساسها في الغد القريب "واضاف :"نحن لا نستطيع كتابة التاريخ الان (يقصد 2003) ، لأننا مازلنا قريبين مما حدث ، والمؤسسة اي مؤسسة الذاكرة العراقية اعتمدت في أرشيفها على وثائق النظام السابق ومنها وثائق دوائر الامن والمخابرات ووثائق حزب البعث والوزارات والدوائر الحكومية ووثائق ديوان رئاسة الجمهورية والخطب والبيانات والتصريحات وكتابات افراد النظام السابق فهو قد حرص على توثيق وتدوين كل شيء ابتداء بالأوامر وانتهاء بتنفيذها والمؤسسة توثق ايضا شهادات عيان من الرجال والنساء ومن مختلف الاعمار والقوميات والاثنيات من ضحايا النظام و"تقع مسؤولية ذلك على الاخ مصطفى الكاظمي حيث سيتم تصوير افلام وثائقية بزمن يمتد من 4-6 ساعات لكل فيلم وسنبدأ بذلك المشروع حالما نحصل على التمويل الكافي وهذه الافلام ستكون مصادر للتاريخ كي يستطيع الباحث في المستقبل الذي يريد دراسة ما حدث العودة اليها ومعرفة ما جرى وهذان العنصران من الوثائق سوف يضاف اليهما العنصر الثالث وهو النتاج الثقافي العراقي بجميع اشكاله ليس فقط نتاجات المثقفين الذين عارضوا النظام وكتبوا بسرية من الداخل او اعلنوا ذلك صراحة في الخارج ، ولكن ايضا نتاجات المثقفين الذين عملوا مع النظام ونتاجات الفنانين الذين بنوا النصب والتماثيل طبعا والشعراء والكتاب والادباء الذين كتبوا في الصحف والمجلات وهذا شيء طبيعي فهم يعيشون في الداخل وتعاملوا مع النظام لأسباب مختلفة .
مصطفى الكاظمي كما جاء في وقائع الحوار معه سنة 2003 صحفي شاب غادر بغداد في مطلع شبابه لأسباب سياسية وكتب في مدن المنفى في اكثر من صحيفة في حقول الثقافة والفكر وتخصص فيما بعد في كتابة العمود السياسي والمقالات التي كان معظمها يدور حول فكرة محاربة الدكتاتورية وكل تلك السنوات لم تأخذ من حماسه وقد تولى بعد 2003 مسؤولية التاريخ الشفوي في مؤسسة الذاكرة العراقية وقال ان المؤسسة تعمل من اجل تأسيس ارشيف عراقي يوثق لما حدث في العراق بين 1968-2003 عن طريق الشهادات تسجيل شهادات ضحايا النظام السابق يقول مصطفى الكاظمي :
"نحن في مؤسسة الذاكرة العراقية سنقف على تخوم المشهد الثقافي العراقي كما هو ...لا نستطيع ان نلغي ثقافة الامس بتهمة التواطؤ ..ونحن في المؤسسة "نحاول المساعدة لاستعادة الثقافة العراقية عافيتها من دروس الماضي ،فمؤسسة الذاكرة لا تتمسك بالماضي انما في استيعاب دروس الماضي وهو دور الثقافة العراقية الجديدة من اجل نظرة مستقبلية " .واضاف "كل المؤسسات العراقية عليها ان تدعم ادباء ومثقفي الداخل لانهم عانوا اكثر من زملائهم في الخارج" ومؤسسة الذاكرة العراقية معنية بتوثيق وجمع الابداع العراقي من الكتب واللوحات والافلام السينمائية فضلا عن دعم النتاج الجديد .
السؤال الان ومنذ 2003 ونحن اليوم في سنة 2022 ما الذي حققته مؤسسة الذاكرة العراقية ؟ الجواب سيكون ان شاء الله في مقال لاحق
1241 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع