يوم الأيام؛ يوم النصر العظيم على الفرس المجوس

                                                      

                            أحمد العبدالله

يوم الأيام؛ يوم النصر العظيم على الفرس المجوس

عندما تضيق على الإنسان نوائب الدهر, وتشتدُّ عليه الخطوب والرزايا, سيرنو ببصره إلى أيام ماضيات خالدات, ليس هروباً من واقع مرير فحسب, بل لكي يستمدّ العزم على مواصلة الطريق, وعدم الرضوخ للباطل وأهله. وليس في ذلك من عيب أبداً, فقد كان القادة العرب المسلمون في معارك صدر الإسلام مع الفرس والروم, يطلبون من قادتهم الميدانيين, قائلين: ذكّروا مقاتليكم بأيام العرب. أي بتاريخهم ووقائعهم قبل الإسلام وبعده.

لقد كان يوم 8-8-1988,هو الصفحة الأكثر بهاءاً في تاريخ العراق, يوم تمكن العراقيون بعد تضحيات جسام, من قبر أطماع الفرس المجوس؛ مغول العصر وقرامطته, ودفنها عند البوابة الشرقية, وجعل دجالهم الأكبر يهلك كمداً, على ضياع أحلامه ومشاريعه العدوانية, والتي هي امتداد لأسلافه عبر خمسة آلاف سنة من الصراع الطويل والممتد, مع عدو حقود وغاشم ومجرم, لا يرقب في مسلم إِلًّاً ولا ذِمَّة.
تختلف التسميات ؛(عيلاميون, إخمينيون, ساسانيون, بويهيون, صفويون, بهلويون), وصولا للخمينيين, ولكن الهدف واحد؛ القتل والتدمير والتوسّع. فكان قدر هذا الجيل من صناديد العراق النشامى الغيارى, أن يواجهوا هذا العدوان في واحدة من أخطر مراحله, لأنه هذه المرة جاء متلفعاً بعمامة الدين, والدين الإسلامي منه براء, فانطلت هذه الحيلة الشيطانية الخبيثة, على عدد غير قليل من أبناء الأمة لردح طويل من الزمن.
وبعد ملحمة بطولية استمرت لثماني سنوات متواصلة, تحقق النصر العظيم, نصر لم تذقه الأمّة منذ قرون عددا. وبذلك منع العراق؛قيادة وجيشاً وشعباً, (مغول فارس) من الوصول لأرض العرب, ودفع هذا الشرّ لربع قرن, حتى تمكّنوا في 2003, وما بعدها, نتيجة تآمر القريب والبعيد على بلادنا, وتفكيك جيشه, الذي كان عنوانا للفخر والبطولة والشرف على مدى 82 عاما. وهاهم العرب, يعضّون أصابع الندم على تلك الجريمة الشنيعة, ولسان حالهم يقول: (أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض), فقد فرّطوا بـ(الثور الأبيض), بقصر نظرهم. (أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا ليومِ كريهةٍ وسِدادِ ثغر).
وأنا هنا لا أبرّئ القيادة العراقية السابقة من أخطاء عديدة ارتكبتها نتيجة سوء تقديرها, وكان أسوأها القرار الكارثي باجتياح الكويت, دون حساب للنتائج المتوقعة أو ردود الأفعال المحتملة, فأعطت الذريعة للأعداء بتدمير العراق واحتلاله وتفكيكه لاحقا, فأضاعت النصر العظيم, ولم تستثمره سياسياً ولا حتى إعلامياً, فكانت الخسارة مضاعفة. مع يقيني الكامل إن المؤامرة على العراق, ليست بنت اليوم أو الأمس القريب, بل هي مُعدّة مسبقاً منذ زمن بعيد. وأذكر هنا قولاً للأستاذ الدكتور خليل العزاوي, عندما كنت أدرس الدكتوراه في الجامعة المستنصرية عام 2001, فقد روى لنا إنه يوم كان يدرس في لندن, ظهر العنوان الرئيسي(المانشيت) لجريدة (الغارديان) البريطانية في اليوم التالي لتأميم النفط في 1حزيران 1972هو؛(العراق يخطو خطوة نحو القبر)!!. فـ(القبر), كان محفوراً, ولكنه فقط ينتظر الفرصة والظرف المناسبين.
في بيوتنا وعوائلنا, علّمونا إن عدوّنا الأول هو (يهود), بينما (غيرنا) كان يعلّم أطفاله غير ذلك. في المدارس تعلّمنا الشيء ذاته أيضاً. فيما بعد اكتشفنا إن تلك كانت (كذبة كبرى), فعدوّنا الأول والأخطر والألعن هو إيران وحثالاتها, وليس غيرها. بالطبع أنا لا أقلّل من خطر أعداء آخرين, ولكن أن تواجه ثعلباً ماكراً, ليس كمن تواجه ذئباً شرساً غدّاراً خبيثاً. إيران قتلت من العرب والمسلمين أكثر بألف مرة مما قتلته منهم إسرائيل, وتحتلُّ أرضاً عربية أكثر بعشرة أضعاف ممّا تحتله إسرائيل, وتمارس من الدجل الطائفي ما لا تفعله إسرائيل . فأيّهما؛ بنظرة متجردة وموضوعية, أشدّ خطراً ؟!!.
الحكومات العراقية منذ 1921, وبعد 1958 خصوصاً, وبعد 1968 بشكل أخصّ, لم تولي هذه القضية الاهتمام الذي تستحق, رغم إنه كان لملك العراق فيصل الأول تصوّر دقيق ونظرة ثاقبة لذلك, ولكن غيابه المبكر, حرَم العراق من إمكانياته الكبيرة. فانغمست تلك الحكومات بقضية فلسطين إلى آذانها, وأهملت الخطر الإيراني الأكبر وامتداده الطائفي داخل العراق, كالمزارات الدينية التي غدت بمثابة (مساجد ضرار), وما يرتبط بها من مراجع فرس ومن يقلِّدهم, هم بمثابة (طابور خامس) لإيران تحرّكه متى وكيف شاءت. حتى تمكنت أخيراً من إيصال أتباعها لحكم العراق للمرة الأولى منذ قرون. لقد كان حال حكومات العراق ما قبل 2003, كحال ذلك الشخص, الذي يترك الأفاعي والعقارب ترتع في بيته, ويخفّ سِراعاً لنجدة جاره من البعوض !!. أو كحال شخص آخر؛ يترك أهله جوعى, ويهبُّ لمساعدة جاره بخبز عياله!!.
وكانت النتيجة؛ تدمير العراق واحتلاله, وقتل أكثر من مليون من أبنائه المخلصين, وتشريد ملايين أخرى في أصقاع الارض. وغدت (نكبة العراق), مضرباً للمثل أكثر بكثير من (نكبة فلسطين)!!. وبعد أن كان العربي يدخل العراق بلا تأشيرة, ومعززا مكرما, نكاد لا نجد دولة عربية تفتح أبوابها للعراقيين الفارّين بجلودهم من بطش الميليشيات الإيرانية من أحفاد القرامطة, فكان جزاء تضحياتنا للعرب والعروبة؛كـ(جزاء سنمار)!!.
إن هذا الذي ذكرته هو الواقع المرّ بلا تزويق, والذي يحاول بعض العراقيين؛(السُنّة منهم بشكل خاص), التغافل عنه وتجاهله, رغم إنه بعد 2003, صار بلا (تقيّة). ولكن لازال البعض حالماً ومتمسكاً بشعارات مستهلكة غادرها الزمن, وكذّبها الواقع.
لقد كنتُ شاهداً ميدانياً على الاحتلال الأمريكي وجرائمه لبلدي, وكنتُ أيضاً, شاهداً قريباً على جرائم القرامطة الجدد بعد 2014. فقد كان أحفاد القرامطة أشدُّ إجراماً من الامريكان(الكفار)!! بألف مرة, وبلا أيّ مبالغة!!. وإن ما وقع بعد 2003, وبعد 2014 بشكل خاص في العراق, يستدعي منّا إعادة النظر بكثير من (الثوابت)!!, وتصحيح كثير من المفاهيم التي عفا عليها الزمن, وتجاوزتها الأحداث.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4881 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع