كتبت: رنا خالد
الدكتور محمود الرجبي وروايتيه "اسمعك بعيوني" و"الانثى قبل الأخيرة"
بين الحين والحين نلتقي بأناس يأخذوننا الى معالم وجوانب أخرى من الحياة، فنعيش عوالمهم الخاصة وعالمهم الداخلي الذي يظهر الى القارئ عبر سطورهم المليئة بالحزن والالم وربما بالعثرات والتجارب عبر الزمن والتي لا تخلو من بعض السعادة بكل تأكيد، وغالبا لا يمكن كتابة رواية او حتى قصة دون خوض تجربة معينة حدثت لنا او لمقربين منا وتأثرنا بها.
وعن روايتي الكاتب د. محمود الرجبي - التي اهداها لي عندما كنت طالبة لشهادة الماجستير في الاعلام من جامعة الشرق الأوسط، حيث كان الدكتور الرجبي استاذي في مادة الاعلام الرقمي - كنا نتحاور أحيانًا انا وبعض الطلبة ممن لديهم اهتمام بالأدب الروائي، فكان لي وقتًا طيبًا أمضيته مع الروايتين وقد أنهيتهما منذ فترة واحببت نقل ملخصين عنهما اليكم، لكن ليس قبل هذه السطور التي أعرفكم من خلالها بالمؤلف الرجبي.
الدكتور محمود أبو فروة الرجبي أستاذ أكاديمي وإعلامي أردني الى جانب كونه روائي وكاتب محترف متخصص بأدب الأطفال، وقد عمل مديراً لبرامج إذاعة الحياة (F M) الأردنية وكاتباً في مجلات عديدة للأطفال منها مجلة ماجد، له أكثر من (68) كتاباً مطبوعا يكتب باللغتين العربية والإنجليزية، ونشر أعدادًا كثيرةً من قصص الأطفال، وله عدد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية. متخصص في التدريب على فن القصة، والتشجيع على القراءة، وتعليم التفكير من خلال القصة. محكم في بَعْض المسابقات من ضمنها مسابقة عبد الحميد شومان لبرامج الأطفال. حاصل عَلى عِدَّة جوائز وأكثر من تكريم في الإعلام وأدب الأطفال.
اسمعك بعيوني
تنحاز رواية الرجبي هذه إلى الواقع المعاصر دون تنميق، مواكبة المتغيرات التي تعصف بالعالم العربي، حيث جاءت الرواية "اسمعك بعيوني" في 359 صفحة وهي لم تكن الأولى له، بل للكاتب العديد من الروايات قبلها ربما تجاوز العدد العشر ، واللافت للنظر في هذه الرواية أنها تتبع أسلوبا ممتهنًا في سردها للأحداث بشكل تتوالى فيه القصة بعد الأخرى بعنوان وتاريخ معنون فيكتشف القارئ ان القصة التي بعدها ربما تفسر ما قبلها، حتى يدخل بأحداث أخرى ومتاهات تحتاج الى تفسير, فهناك ترابط وتشابك في نفس الوقت حتى تصل إلى النهاية السعيدة -كما وجدتها انا- حيث دفئ وحنان الاب والشعور بالأمان لا يعوضه شخص اخر او مال.
وسوف اخبركم عن ملخص للرواية تدور احداثها (كان يا مكان في قديم الزمان) هناك رجل اسمه (عبد الصمد) وقد تجاوز عمره الثمانين، وهو انسان عصامي ولد لعائلة فقيرة وكان يعمل اجيرا بسيطا الى قبل ان يصبح مليارديرا له ثروة كبيرة جدًا، ومن خلال عبد الصمد تدور احداث الرواية برصد حالات وتغيرات مرت بها المجتمعات العربية.
ففي يوم من الأيام استلم رسالة تخبره بانه وبعد هذا العمر الطويل لديه ابنة، وهو الذي كان يعتقد طوال عمره انه عقيم، والسبب المؤكد انه قد تزوج مرات عديدة ولم يحدث حمل لزوجاته، وكان له قصص في كل مرحله من حياته الطويلة, والرسالة تقول ان الابنة أصبح عمرها الان (40) سنة وهنا دخلت الى عالمه المزدحم بالأحداث التي نوعا ما لم يكترث اليها يوما بسبب انشغاله بأمور كثيره غيرها، ودخوله فِي صراع من أجل الوصول إلى حقيقة هذَا الأمر والبحث من أي زوجة كانت، وخلال السرد تنتقل الرواية من عمان إلى عدة مدن عربية وعالمية باحثا عن الحقيقة في كل بلد تزوج فيه .
وأثناء ذلك كله نعرف كيف يمكن للإنسان أن يسمع من يحب بعينيه أولًا قبل أذنيه. حيث في بداية القصة كانت الأبنة ترفض اللقاء بابيها لكن بعد البحث عنها وتوضيح الأسباب تم اللقاء الأول بينهما دخلت عليه فجأةً وكان مريضا قالت له: انا احبك
قال لها (عبد الصمد) دون ان يعرف انها ابنته: وانا احبك يا ابنتي
اغمضت عينيها وقالت له: جميلة من فمك
اجابها: عندما أجد ابنتي سأطلب منها ان تكون صديقتك الى الابد
قالت: انا هي
قال عبد الصمد: لم افهم
قالت: انا ابنتك
وبعد حديث طويل بينهما أخبرها: ان فرحي الان بك أكبر من الماضي كله، وضعت راسها على صدره وشعرت بانها اسعد مخلوق في الارض.
قالت له: لن اغادر صدرك فـسيكون مهبطي ومستقري وحياتي فهنا سأدفن احزاني، لكن عبد الصمد لم يفهم ما تقول لان صوتها كان منخفضا انتبهت فقالت وقد قربت فمها كثيرا من اذنيه: الم تسمعني يا ابي؟
اجابها: تحدثي، ولا تقلقي فانا اسمعك بعيوني
الانثى قبل الأخيرة
نحن اليوم نعيش ضمن قيود معينة في الحياة فرضتها علينا التقنية الحديثة، وأصبح القارئ يبحث عما هو قصير وسريع لم يعد هناك الوقت الكافي لمجالسة الكتاب لقراءة المجلدات والمطويات مهما بلغت موضوعاتها وما تحويه من أهمية، واقع حال سواء وافقتموني الرأي لم لا، ولعل هذا ما أسس ودفع إلى ظهور الروايات أو القصص القصيرة حيث الان الصفحات محددة العمل الروائي منها لا يتجاوز 200 صفحة. وكما قرات الرواية وجدتها تعالج موضوع الطبقية (الفقير والغني) في عالمنا الحالي، حيث يحتكر الغني سلطة الأمر والنهي والمال والتحكم في البلاد والعباد.
هذه الرواية بطلها شاب يدعى (عباس) وكان قد عانى من طفولته السيئة والقمعية التي عاشها مع اب متسلط وام ضعيفة سبب له صفة الخجل والعزلة عن البشر، تلك العزلة التي يمكن ان يصفها البعض بحالة من الاكتاب تؤدي الى الجنون، انها صراعات وتناقضات داخل النفس البشرية نعيشها نحن أحيانا لكن نتصرف بالعكس مع الاخرين وهذا مرهق.
وأيضا شخصية (زهدي) صديق عباس المقرب، وهو شاب متحمس للحياة وذكي جدا ولم يحالفه الحظ في عمل ينقذه من فقره الذي كان سببًا مهمًا في سرقة أحلامه وطموحاته، ولأنه فقير فيأخذ غيره المقتدر مكانه وبكل سهولة!
هذه الحالة المعلقة بين الواقع والحلم المستحيل يختصرها الروائي بمشهد غرق فتاة وشاب في البحر هرباً من واقع مؤلم لم يستطيعا مجاراته، فيغدو البحر وسيلة للخلاص ورمي الطموحات في أعماقه.
شاهد عباس سارة وخطيبها وهما يتحدثان فيخبرها بانه سوف يسافر كي يعمل وتتحسن حياتهما وكيف هي ترفض تلك الفكرة، وتوجهت نحو البحر مهرولة، وهي تبكي بصمت ورمت نفسها داخل الأمواج العالية، ثم تلاشت مع زبد البحر، أدرك خطيبها أنها تنوي الانتحار، ماتت سارة وبعدها خطيبها.
لكن عباس أحب سارة الميتة وعاش احداث محزنة وجد تحليها داخل نفسه، فسارة تمثل فقده لـ (هند) حبيبة الطفولة الذي ضاعت منه، وان ما عاش المرء في طفولته ينعكس عليه بشكل من الاشكال في كبره، وصديقه زهدي الذي كلما تكلم معه شعر كم من الظلم عاش دون ان يغير حاله، بل عكس ذلك حيث أصبح انسانُا مهزوزًا وضعيفًا، وهذا ما توصل اليه عباس في اخر الرواية.
وملخص أقول ان أخطاء الماضي تحصد نتائجها في المستقبل
584 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع