مباحث في اللغة والأدب/١٤

                                                          

                             ضحى عبد الرحمن
                               كاتبة عراقية

  

                   مباحث في اللغة والأدب/14

قصائد خالدة

تعتبر هذه القصيدة من أبرز القصائد العربية في تمجيد الرجال، وقد إستعارها الكثير من الإدباء وإستشهدوا بها لتبيان شجاعة ونضال بعض الرجال الأفذاذ كدلالة على صمودهم وشجاعتهم، سيما عندما يُرهن مصيرهم بيد من لا يستحق ان يكون مداسا لقدمهم . كما حدث في العراق بعد عام 2003 حيث سلمت الولايات المتحدة الامريكية العراق الى ايران، ونصبت أسفل السافلين من العملاء والجواسيس لتسلم قيادة البلد ، وإيصاله الى عمق الهاوية. اليوم عرقتة العراق ولبننة لبنان، صارت وصفا للتعبير عن سوء أحوال البلدان، بسبب الفساد الحكومي وسوء إدارة الدولة، وسكوت الشعوب عن الظلم الذي يلحق بهم بسبب عقدة الخوف التي ما زالت تسيطر على عقولهم، مما يشجع الحكام على التمادي في غيهم وظلمهم.
اليوم رأيت أبي يتابع الأخبار في العراق ويعلق عليها، ولفت نظري قوله عن خبر يتعلق بوزارة الصحى العراقية (في كل دول العالم يذهب المرضى الى المستشفيات ليعالجوا، اما في العراق فيذهب المرضى الى المستشفيات ليموتوا حرقا او خنقا او اهمالا او تحت الأنقاض). فقلت مع نفسي هذا هو حال العراق اليوم، فإتعضوا يا عرب مما يحدث في العراق.

علوا في الحياة وفي الممات
قال ابو البقاء" ذكر لي أنه صلب ابن بقية وزير بغداد وكان الخليفة قد وكل به من يحرسه ليلا ونهارا ولم يتجاسر أحد على أن يرثه، وقف الكاتب ابن الأنباري عليه والناس حوله قائمين صفوفا فرثاه بقوله:
علوا في الحياة وفي الممات … لحق أنت إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا … وفود نداك أيام الصلات
كأنك قائم فيهم خطيبا … وكلهم قيام في الصلاة
مددت يديك نحوهم اكتفاء … كمدهما إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن … يضم علاك من بعد الممات
أصاروا الجو قبرك واستنابوا … هم الأكفان ثوب السافيات
ولم أر قبل جذعك قط جذعا … تمكن من عناق المرمات
لعظمك في النفوس تبيت ترعى … بحراس وحفاظ ثقات
وتشعل حولك النيران ليلا … كذلك كنت أيام الحياة
ركبت مطية من قبل زيد … علاها في السنين الماضيات
وتلك فضيلة فيها تأس … تعاند عند تعيير العدات
أسأت إلى نوائب فاستثارت … فأنت قتيل ثأر النائبات
وكنت تقيل من صرف الليالي … فصار مطالبا لك بالثارات
غليلي باطن لك في فؤادي … يخفف بالدموع الجاريات
ولو أني قدرت على قيام … بفرضك والحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي … ونحت بها خلاف النائحات
ولكني أصبر عنك نفسي … مخافة أن أعد من الجنات
ومالك تربة فأقول تسقي … لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمان تترى … برحمات غواد رائحات
قال فأعطاه ابنه عليها ثلاثين ألف دينار كبار، وقال الحافظ رحمه الله وأخبرنا أبو بكر يحيى بن إبراهيم السلماسي قال: قرأت على القاضي أبي قاسم ناصر الدين بن أحمد بن بكران الحوفي، ووجدت بخط والدي الشيخ أبي الطاهر بن أحمد إبراهيم بن أحمد بن محمد السلماسي، قال لما أمر عضد الدولة بقتل الوزير أبي محمد بن بقية وصلبه بمدينة السلام في سنة سبع وستين وثلاثمائة كان له صديق يعرف بأبي الحسن الأنباري فرثاه بهذه الأبيات وكتبها ورمى بها في شراع بغداد فتناولتها الأدباء إلى أن وصل الخبر عضد الدولة، فلما أنشدت بين يديه تمنى أن يكون هو المصلوب دونه فقال على بهذا الرجل فطلب سنة كاملة وأتصل الخبر بالصاحب إسماعيل بن عباد بالري وكتب له بالأمان، فلما سمع بذكر الأمان قصد حضرته فقال له أنت القائل لهذه الأبيات قام نعم قال: أنشديها من فيك قلما أنشده:
ولم أر قبل جذعك قط جذعا تمكن من عناق المركمات
قام الصاحب فعانقه وقبل فاه وأنفذه إلى حضرة عضد الدولة فلما مثل بين يديه قال له: ما الذي حملك على مرثية عدوى فقال له: حقوق سلفت، وأياد مضت فجاش الحزن في قلبي فرثيت فقال: هل يحضرك شيء في الشموع والشموع تزهر بين يديه فأنشأ يقول:
كأن الشموع وقد أظهرت من النار في كل رأس سنانا
أصابع أعدائك الخائفين تضرع تطلب منك الأمانا
فلما أنشده هذين البيتين خلع عليه وحمله على فرس وأعطاه بدرة". (تاج المفرق/111).
وقال ابو الفداء" سار بختيار سنة 367هـ إلى نحو الشام، ودخل عضد الدولة بغداد واستقر فيها، وقتل ابن بقية وزير بختيار وصلبه، ورثاه أبر الحسن الأنباري بقصيدته المشهورة التي منها:
علو في الحياة وفي الممات لحق أنت إِحدى المعجزات
(المختصر في أخبار البشر2/119).

لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم
القصة بشأن الشعر (حادي العيس)، ليست هكذا ولا علاقة لها بعكد النصارى أو الجندي المصري، فقد ذكرها ابن عبد ربه " قال المبرد محمد بن يزيد النحوي: خرجنا من بغداد نريد واسطا، فملنا إلى دير هزقل ننظر إلى المجانين، فإذا المجانين كلهم قد رأونا، ونظرنا إلى فتى منهم قد غسل ثوبه ونظفه وجلس ناحية عنهم؛ فقلنا: إن كان فهذا فوقفنا به، فسلمنا عليه فلم يردّ السلام؛ فقلنا له: ما تجد؟ فقال:
الله يعلم أنني كمد … لا أستطيع أبثّ ما أجد
نفسان لي نفس تضمّنها … بلد وأخرى حازها بلد
وأرى المقيمة ليس ينفعها … صبر وليس بفوقها جلد
وأظنّ غائبتي كشاهدتي … فكأنّها تجد الذي أجد
فقلت له: أحسنت والله! فأومأ إلى شيء ليرمينا به، وقال: أمثلي يقال له أحسنت! قال: فولينا عنه هاربين، فقال: أسألكم بالله ألا ما رجعتم حتى أنشدكم فإن أحسنت قلتم لي أحسنت، وإن أسأت قلتم لي أسأت. قال: فرجعنا ووقفنا، وقلنا له: قل. فأنشأ يقول:
لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم … ورحّلوها وسارت بالدّمى الإبل
وقلّبت من خلال السّجف ناظرها … ترنو إليّ ودمع العين منهمل
وودّعت ببنان عقده عنم … ناديت: لا حملت رجلاك يا جمل»
ويلي من البين! ماذا حلّ بي وبها … من نازل البين؟ حلّ البين وارتحلوا
يا راحل العيس عرج كي أودّعهم … يا راحل العيس في ترحالك الأجل
إني على العهد لم أنقض مودّتهم … يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا
قال: فقلنا له: ماتوا! فصاح وقال: وأنا والله أموت: وتربع وتمدد فمات، فما برحنا حتى دفناه". (العقد الفريد7/187).

قل للمليحة في الخمار الأسود
قال أَبُو عبد الله الحامدي:
قل للمليحة فِي الْخمار المشمشي كم ذَا الدَّلال عدمت كل محرش
يَا من غَدا قلبِي كنرجس طرفها فِي الْحبّ لَا صَاح وَلَا هُوَ منتشي
هَذَا الرّبيع بِصَحْنِ خدك قد بدا لمقبل ومعضض ومخمش
فَمَتَى ابيت معانقا لبهاره ولورده المستأنس المستوحش
(يتيمة الدهر2/438).
وذكر ابو الفرج" عن ابن أبي الزناد
قُلْ للمليحةِ في الخِمَارِ الأسودِ ماذا صَنَعتِ براهبٍ متعبِّدِ
قد كان شَمِّر للصــــــلاة ثيابَه حتى وقَفتِ له ببابِ المسجدِ
وغنى فيه وغنى فيه أيضا سنان الكاتب وشاع في الناس وقالوا قد فتك الدارمي ورجع عن نسكه فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خمارا أسود حتى نفد ما كان مع العراقي منها فلما علم بذلك الدارمي رجع إلى نسكه ولزم المسجد. فأما نسبة هذا الصوت فإن الشعر فيه للدارمي والغناء أيضا (الاغاني3/47).
وقال النمري:
قُلْ للمليحةِ مَوضعِ العِقْدِ … ولَطيفةِ الأحشاءِ والقدِّ
هلاَّ وقفتِ على مَدامعِهِ … فنظرتِ ما يَصْنَعْنَ بالخدِّ
لولا التَّنَطُّقُ والسِوارُ معاً … والحِجْلُ والدُمْلُوجُ في العَضْدِ
لتزايَلَتْ في كلِّ ناحِيةٍ … لكنْ جُعِلْنَ لها على عَمْدِ
(المحب والمحبوب/21). لاحظ على وزن قل للمليحة في الخمار الاسود.
وقال ابن خلكان" من شعر القاضي أبي علي التنوخي:
قل للمليحة في الخمار المذهب … أفسدت نسك أخي التقي المترهب
نور الخمار ونور خدك تحته … عجبا لوجهك كيف لم يتلهب
وجمعت بين المذهبين فلم يكن … للحسن عن ذهبيهما من مذهب
وإذا أتت عني لتسرق نظرة … قال الشعاع لها اذهبي لا تذهبي
(وفيات الأعيان 4/16).
وذكر النواجي" قال عبد الله بن سلمة بن جندب:
قل للمليحةِ في الخمارِ الأسودِ ... ماذا فعلتِ بزاهدِ متعبدِ
قد كان شمَّرَ للصلاةِ ثِيابَه ... حتى وقفت له بباب المسجدِ
ولهذه الأبيات حكاية أظرف من التي قبلها، وهي أن عبد الله بن سلمة بن جندب ذكر يوماً عند المهدي فاستظرفه فقيل له ما يعجبك من ظرفه قال: قدم تاجر عراقي إلى المدينة ببز كان معه، فباعه كله إلا خمراً سوداً فلم يبع منها شيء لكسادها، وعزم على ردها لبلده فقال له جندب: ماذا عليك أن نفقتها لك؟ قال: جميع الربح. قال: لا ولكن أقنع بنصفه. قال: نعم. فذهب ابن جندب إلى بيته ونظم هذين البيتين:(قل للمليحة في الخمار) إلى آخرها وصاغ لهما لحناً وغناه حكم الوادي فلم يبق في المدينة حرة ولا غيرها اشترت خماراً أسوداً حتى طلب خمار بزنته ذهب فلم يوجد فربح التاجر أضعافاً فأوفى له بالشرط". (الشفاء في بديع الاكتفاء/51).

ضحى عبد الرحمن
كاتبة عراقية
تشرين أول 2022

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

356 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع