غريب دوحي الناصر
المؤسسة الدينية في العراق القديم
لكل شعب دين يعتقد به ومبادئ يؤمن بها رغم التباين في نوعية هذه الأديان؛ الا ان هناك قواسم مشتركة فكل الديانات تقول بأن الكون والإنسان خلق من قبل آلهة غير منظورة يختص كل منها بظاهرة من ظواهر الطبيعة فهناك آلهة للسماء وهو يمثل أباً لجميع الإلهة وهناك آلهة للماء وللهواء والخصوبة وآلهة للفيضان كما أن هناك آلهة تمثل الظواهرالانسانية كآلهة الحرب والحب والمرض وهناك آلهة قومية مثل الإله مردوخ اله بابل وآشور اله الآشوريين القومي . وقد جسد قدماء العراقيين والمصريين هذه الآلهة وقالوا ان للالهة بيتا في السماء ثم انزلوا هذه البيوت من السماء الى الأرض وسموها معابد واخذوا يقدمون للآلهة القرابين المصحوبة بالصلاة والادعية وحرق البخور وتلاوة التراتيل الدينية .
تتكون المؤسسة الدينية في العراق القديم من المكونات الأساسية التالية :- الالهـة : أمتاز الدين العراقي القديم بخصائص معينة فقد أعتقد بأن للالهة صفات مماثلة للبشر عدا الموت والقدرات الخارقة فهم يأكلون ويشربون ويتناسلون . كما أعتقد بأن الإله سميع بصير فصوروه بعينين واسعتين واذنين كبيرتين ! هذا ما جاء في كتاب ( المعتقدات الدينية في العراق القديم ) ، سامي عيد الاحمد ،ص9-10 .ولقد آمن القدماء بأن للآلهة مجلسا في السماء اطلقوا عليه اسم ( مجمع الالهة ) وان رئيس المجلس هو الاله ( آنو ) يساعده الاله ( انليل ) وان القرارات يتم الموافقة عليها بالتصويت واذا كانت هناك معارضة فأن الاله ( آنو ) يلجأ الى ان يقدم للمعارضة الخمر
كي يوافقوا وهم في حالة سكر وان هذا المجمع مهمته تقرير مصير البشر وفرض العقوبات على المخالفين والمكافآت على من يطيع اوامر الإله .
تماثيل الآلهة : تصنع تماثيل الالهة من الخشب أو من الحجارة وتكسى عادة بالذهب وتوضع عند قدميه أوعية من الزهور والبخور ويوضع تمثال الإله على منصة خاصة اثناء الاعياد والمناسبات الدينية وعادة يوضع التمثال في محراب عال يرقى اليه بعتبات ويحمل تمثال الاله خلال ساحة المعبد في احتفال مهيب للدلالة على وجود علاقة مقدسة بين الاله والشعب والمدينة .وبطقوس خاصة يتم تقديم وجبات من الطعام لتمثال الاله الاولى عند الصباح والثانية عند المساء حيث توضع أمامه منضدة وعليها عدد من الأواني التي تحتوي على شرائح من اللحم المشوي والفاكهة وشراب البيرة وبعد ان يشعل البخور لتلطيف الجو يأخذ الموسيقيون دورهم في عزف الالحان داخل المعبد ويصف المؤرخون الطعام المقدم الى الاله بقولهم ان العادة المتبعة هي ان المائدة التي يوضع عليها الطعام تحاط بستائر
بأعتبار ان الإله لا يريد أن يراه احد اثناء تناول الطعام .
مسكين ذلك الاله! لقد اكلوا حتى الشبع بأسمه وشربوا حتى الثمالة بأسمه مع انه لم يأكل قطعة من اللحم ولم يشرب قطرة من البيرة فقد التهم الكهنة الطعام واحتسوا البيرة ، أما فضالة الطعام فتوزع عادة على خدم المعبد !
المعبـد : يعد ركنا أساسيا من أركان المؤسسة الدينية ويعد وضع أول حجارة لبنائه حدثا مهما يحضره الملك بمراسيم خاصة وتسمى الغرفة التي يقام بها الاحتفال بـ ( قدس الاقداس ) وهي بمثابة تجسيد للكون فسقفها يمثل السماء وارضيتها ترمز الى الارض بوصفها الام الولود التي انبثقت من رحمها كل الموجودات لهذا كان المعبد يمثل نموذجا مصغرا للكون .
لقد اعتاد ابناء الحضارات القديمة في روما واثينا ومصر وبلاد الرافدين تقديم القرابين ( الضحايا ) الى الالهة في المعبد وكانت هذه الضحايا في بداية الامر من البشر حيث يقدم الناس اولادهم ضحية لتمثال الالهة تقربا منه غير انه في مرحلة لاحقة اصبحت القرابين من الحيوانات وخاصة في مواسم الاعياد كما هو الحال في وقتنا الحاضروكانت ترسل الى المعبد احسن منتجات الحقول الزراعية وقطعان الماشية .
الكهنـة : وهم الطائفة الذين يعيشون لخدمة الدين في المعبد كما يقومون بتقديم القرابين الى تمثال الاله في المذبح ،وقد جرت العادة في ذلك الزمن على ان يقدم الفقراء ابناءهم وبناتهم كنذور الى المعبد تحت إشراف هؤلاء الكهنة . وينقسم الكهنة الى عدة طبقات : الكاهن الاعظم ( الحبر الاعظم ) وهو رئيس المعبد ويتم اختياره بطقوس خاصة ثم الكاهنة العليا وهي العنصر الانثوي في ( الزواج المقدس ) و لا يحق لها الاتصال بأي رجل آخر غير الكاهن الأعظم كما لا يسمح لها بإنجاب الأطفال وهناك كهنة يطلق عليهم اسم ( كهنة الاحتفالات الدينية ) وهم الذين يقومون بفتح
بوابة المعبد والى جانبهم كهنة آخرون مهمتهم قراءة التراتيل الدينية لطرد الأرواح الشريرة من المعبد ثم الكهنة الذين يقومون بمعالجة المرضى أي ( وعاظ السلاطين ) كما يسميهم الدكتور الراحل علي الوردي .
وهناك ما يسمى بـ ( العاهرات المقدسات ) في المعبد وهن ممن ينذرن أنفسهن للمعبد كبغايا لإرضاء للملك والإله . وهكذا نجد ان المعبد في الحضارات القديمة جميعا قد فرض هيمنته بشكل تام على نواحي الحياة الدينية والاقتصادية والاجتماعية مثلما فرضت الكنيسة سيطرتها على الحياة في أوربا إبان العصور الوسطى .
1074 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع