د. يسر الغريسي حجازي
05.08.2023
التفويض الديني والاجتماعي
"للدين دور اجتماعي في النهوض بالحياة الاجتماعية، وتسهيل تماسك الشعوب. كما يجب أن يكون الدين، مثل الشجرة التي تنتج ثمارًا لكل انسان يعيش علي كوكب الارض. لكن الدين بدون علم، ما هو إلا شجرة بدون جذور، وعديمة الفائدة. يمكن أن يكون التلاعب بالدين قاتلاً لهؤلاء المستغِلين".
لماذا يحتاج الانسان الي ان يتسم إلى درجة اجتماعية عالية؟ كيف تتولد الدوافع لإيجاد مسار الحياة؟ هل يساعدنا الدين والانتماء الاجتماعي في تحقيق الاستقرار؟ ان العيش في انسجام أساسي لبقاء الشعوب موحدة، وذلك جزءا من القانون الانساني والتقدمي. لكن هل الإلزام الاجتماعي يعتبر جزءا من المبادئ الأخلاقية، ام انه يخفي في الواقع حقائق اجتماعية اخري مبطنة؟ لفهم الحقيقة، علينا ببساطة أن ننظر إلى حدود هذه المشاكل الأخلاقية والاجتماعية. ونبحث في ايجاد تفسير علمي وانساني لما نشاهده من فقر، وسخط وحزن يقابله ثراء فاحش في دول منهارة سياسيا واقتصاديا. لا يمكن لوحدة المجتمع أن تكون فعالة، إلا عندما تصبح الرابطة الاجتماعية قوة روحية، أو سلطة أخلاقية تتمحور حول التضامن الإنساني، وروح الفريق. ستكون فلسفة الإنسانية في هذه الحالة، ذكاء منهجيًا لتنظيم المجتمع، ويعمل هذا النظام نفسه كعضوية اجتماعية وسياسية لتكامل الشعوب.
ومع ذلك، لا تزال الاضطرابات الاجتماعية التي لوحظت في العديد من الدول الفقيرة، تخفي معلومات مضللة وفراغ سياسي لا يمثل اي دستور فيه قوة روحية.
وتجسد هذه المنظومة العنف الممنهج، والظلم المفروض والثابتً، وهو غير قابل للتغيير الا بتغيير النظام بطريقة صناديق الاقتراع، إذا ما تم التلاعب بها او تزويرها. وذلك ما يفسر ارتفاع معدلات العنف والجرائم، والسرقات، والكره، والعدوانية بين افراد المجتمع في هذه الدول.
في الحقيقة، يحتاج كل إنسان إلى ارتباطات عاطفية، ورغبة في التواصل، وتبادل الصداقة والنصيحة مع البيئة المحيطة به. وخاصة أولئك الذين سيكونون جزءًا من حياتنا.
لدينا أيضًا نفس هذه الاحتياجات في العمل، حتى نتمكن من التعاون والمساهمة في تطوير وزيادة الإنتاج. ذلك ينطبق أيضا في الأزواج، وفي الاسرة، ومع الأبناء. هذا الشعور يتقارب مع جميع مستويات الحياة، ويدفعنا إلى النجاح والإيجابية. كما ان هذا الاندفاع يساعد على إدراك إمكاناتنا، والشعور بالفائدة في المجتمع.
نحن غير سعداء عندما لا نستطيع تحقيق احلامنا، وأيضًا عندما يمارس علينا الضغط الاجتماعي والسياسي، وعند اجبارنا على الخضوع غير المشروط. رغم ان في مصادر الاخلاق، لا يجوز الفروق بين الناس، انما الخيرات للجميع وبدون تصنيف. ويرفض الفيلسوف الفرنسي هنري لويس بيرجسون (1859-1941) النظريات التي تقلل من استقلالية الادراك، والعقل. وهو يتصور الحياة على أنها دافع إبداعي، ووسيلة للمعرفة. وبالتالي، فإن الحياة الاجتماعية هي آلية ذات قواعد محددة، لتلبية احتياجات المجتمع. وتلزم المجتمعات الي الامتثال للتفويض الاجتماعي. وإذا احتجت الفئات المتضررة على ما هو غير عادل في نظرها، سوف تحرم من مزيد من حقوقها الأساسية: مثل الخدمات الانتفاعية في الصحة، والسلع، والسكن، والتوظيف.
حتى لو ابتعدنا عن هذا النظام الاجتماعي، فإننا سنجد أنفسنا دائمًا منجذبين إليه، لأننا ببساطة اعتمدناه بدافع العادة. بالضبط مثل القبول بوجود حكام في حياتنا، وهم يتصرفون بالتفويض عنا، ونحن ببساطة علينا طاعاتهم بدون نقاش. وتلك الفتاوي أصبحت متداولة، وحتى انهم نسبوها للشؤون الدينية ووضعوا ايمة ورجال دين، لتأكيد تلك البراهين والدلائل المزورة. إذا أردنا مراجعة تفسير الفقرات الدينية، نكتشف ان هناك لا يقل عن 68 روابط منتقدة لبعضها البعض، وبدون مراجع رسمية. وتسري الفتاوي بسرعة غريبة في المجتمعات المسلمة، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ليصبح لدينا الكثير من الأشخاص المنتحلين هوية رجال الدين. وهم يقومون بتخويف الناس، وسرد قصص خيالية لتخويفهم. والكارثة الكبرى، ان الكثير منهم لديهم ملايين المتابعين. والاغرب من ذلك، تلك الوصفات للسحر والشعوذة، التي أصبحت كلها أبواب رزق ومنفعة للدجالين والكسال. وأصبح ذلك امر واقع، وعادة اجتماعية ادمنت عقول الناس، ولا يمكن التخلي عنها. وهذه منهجية تجسد مقولة "منطق القوي هو الأفضل دائما". علي سبيل المثال، في المجتمعات العقائدية تعتبر المرأة تحت سلطة الزوج، ويحق للزوج ان يتزوج مرات عديدة وان يجبر زوجته على "بيت الطاعة" أي على البقاء بشكل مهين. وإذا ارادت الزوجة الطلاق، فيجب عليها ان تدفع التعويض للزوج او ان تبقي معه بالإجبار. وإذا تمكنت من الطلاق، فليس لها الحق في حضانة أبنائها حتى لو كانوا دون سن 5.
استنادًا إلى التمييز الأساسي بين المنغلق والمفتوح، يميز برجسون الأخلاق المغلقة التي تتميز بالالتزام، بالضغط الاجتماعي، عن الأخلاق المنفتحة والمطلقة بالأحرى والتي تتميز بتطلع الضمير الفردي الذي يكون اتجاهه له الأسبقية على الرغبة. نوعان من الأخلاق والدين: النوع الساكن من الدين: وهو قوة حياة الإنسان الذكي، ولكنه لا يتجاوز الله. علينا ان نعرف انه للأسف، تستخدم الأديان للتأثير على المجتمعات وخنوعها. وستكون المجتمعات قاعدة للمخالفات، وشريكة في للسيطرة على إرادة الإنسان والتلاعب به.
اما النوع الديناميكي في الدين وفقًا لبرجسون، هو تطوير المقارنات التي تولد القيم الأخلاقية والدينية. وذلك من خلال طاقة حيوية وإبداعية، والتي تكثف التفكير الحر على طول خط التطور البشري والوصول الي الحكمة. يؤكد برجسون أيضًا، أن هذه الطاقة الإيجابية تساهم في إطلاق العنان لما أفضل ما بداخل الانسان.
ولكن إذا تم تصريفنا، فستكون أفعالنا مثل الآلية التي تدور حول نفس الدائرة المفرغة، وسوف ينطفئ الادراك لدينا (بيرجسون ،1932 مصدرا الأخلاق والدين).
ان الانتماء الاجتماعي حاجة عاطفية ونفسية. كما ان التعلق العاطفي عامل أساسيًا في التنمية البشرية، لأنه يساهم في خلق الشعور بالأمان والإيجابية الداخلية للفرد.
يسمح الانتماء الاجتماعي بالتنمية البشرية، والوعي بالحقائق الحية، والتفكير في فهم عواطف المرء وتنظيمها بشكل أفضل. والانتماء إلى مجموعة من الناس يسمح بالتضامن وتقوية العلاقات العاطفية، والاجتماعية، والمهنية. وبالتالي يتم تعزيز القدرات البشرية لتمكين الاستدامة. كذلك الدين مهم في الحياة، وله دور اجتماعي وتاريخي في تعليم الممارسات والطقوس الأخلاقية التي تميز أهم الأحداث في الحياة، مثل الولادة، والزواج، والموت. بهذه الطريقة، نتعلم أن يكون لدينا سلوك أخلاقي، وأن نتعاطف ونحترم بيئتنا بأخلاق أصيلة ومخلصة. لا يمكننا العيش بمعزل عن الناس، ولا يمكن الاندماج في المجتمع بدون اخلاق واحترام. يتطلب الاندماج في المجتمع أن نسعى جاهدين لنكون مواطنين صالحين، عمال صادقين، وآباء مخلصين لعائلاتنا.
1362 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع