هدى رؤوف
طهران وواشنطن... صفقة محدودة أم تفاهمات شاملة؟
منذ أيام أعلن توصل إيران والولايات المتحدة إلى صفقة يتم بموجبها إطلاق سراح مسجونين أميركيين في مقابل الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة لدى بنوك كوريا الجنوبية بعد تحويلها إلى يورو وتسليمها إلى بنوك في قطر، إذ يوجد بها حسابات مقيدة بالشروط الأميركية، أي صرف هذه الأموال لإيران في إطار استخدامها لأغراض إنسانية.
وعلى رغم أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تبادل مسجونين من مزدوجي الجنسية في مقابل تقديم بعض التنازلات لإيران، إلا أن أهمية هذه الصفقة الأخيرة أنها جاءت بعد محادثات استمرت لعام ونصف عام من أجل إحياء الاتفاق النووي، كما جاءت بعد إعلان إدارة بايدن أنها ليست مهتمة في الوقت الحالي بإتمام المفاوضات مع إيران لإحياء الاتفاق النووي.
لكن كثيراً من التسريبات الإعلامية الغربية تحدثت عن محادثات غير مباشرة سرية تمت بين إيران وواشنطن خلال الفترة الماضية، وفي ظل النفي الأميركي لأي تفاهمات مع إيران أو الحديث عن اتفاق نووي موقت، ظهر للعلن تفاصيل صفقة الإفراج عن المسجونين الأميركيين، إذ وافقت واشنطن على الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، وتأتي تلك الخطوة بعد سماح الولايات المتحدة للعراق بالإفراج عن الأصول المجمدة والمستحقة لإيران في مقابل شراء العراق الغاز الإيراني، ومن ثم سيكون هناك ما يقرب من 10 مليارات دولار، التي تدعي واشنطن أنها ستستخدم للأغراض الإنسانية هي الأخرى، أي مزيد من الإفراجات المالية لإيران.
لم تتضمن صفقة تبادل المسجونين أي تفاصيل أخرى، لكن يتوقع أنها جزء من تفاهمات أميركية إيرانية تشمل الملف النووي الإيراني والمسيرات الإيرانية، فبعض المعلومات المسربة تشير إلى احتمال وجود تفاهمات من شأنها أن تشمل التزاماً إيرانياً بعدم تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 60 في المئة، وربما الامتناع عن تكديس أية كميات أخرى من اليورانيوم المخصب إلى هذا المستوى، وإن كان ذلك من دون التخلي عما اكتسبته إلى الآن، ومن جهة أخرى أشارت التقارير إلى طلب واشنطن من إيران الامتناع عن إمداد روسيا بالمسيرات الإيرانية التي تستخدمها في الحرب الأوكرانية.
ما دفع واشنطن إلى تلك الصيغة من التفاهمات غير المكتوبة وغير المعلنة سواء في ما يخص مسألة تخصيب اليورانيوم أو المسيرات الإيرانية، عوامل عدة ترتبط بعضها بالصيغة النهائية لما توصل إليه بين إيران والغرب في محادثات فيينا والشروط الإيرانية لإنجاحها، ومن ثم تدرك إدارة بايدن صعوبة التوصل إلى اتفاق نووي جديد الآن مع إيران.
العامل الآخر يرتبط باللعبة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، ومعارضة الجمهوريين لصفقة الإفراج عن أرصدة إيران المجمدة في مقابل الإفراج عن المسجونين الأميركيين، بحجة أن الصفقة نوع من الاستجابة للابتزاز الإيراني وتشجيع استخدام ورقة مزدوجي الجنسية للحصول على ما تريده، وتأكيدهم أن إيران ستستخدم الأموال في أنشطة مزعزعة للاستقرار، لذا فالجمهوريون لطالما عارضو عودة واشنطن للاتفاق النووي، أو عقد اتفاق جديد معها. ومن ثم تحاشياً لخطوة عرض أي اتفاق جديد على الكونغرس الأميركي، توصلت الإدارة إلى صيغة التفاهمات غير المكتوبة والموقتة.
في الوقت ذاته ترغب إدارة بايدن في إحراز مكسب داخلي تسوقه للمواطنين الأميركيين قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2024، لذا كانت صفقة الإفراج عن المسجونين الأميركيين، لا سيما أنه من غير المتوقع أن يحدث تقدم في المفاوضات النووية مع الغرب وواشنطن للتوصل إلى اتفاق نووي جديد قبيل الانتخابات.
أيضاً ترغب الإدارة الأميركية في وقف هجمات الميليشيات الإيرانية ضد القوات الأميركية في سوريا، إذ اشتدت تلك الهجمات التي تستهدف إخراج الولايات المتحدة من سوريا، ومن ثم فالصفقة بين واشنطن وإيران تضمنت وقف الهجمات على القوات الأميركية بسوريا.
في النهاية نستنتج أن صفقة الإفراج عن المسجونين الأميركيين تؤكد ما هو حقيقة، وهو قدرة واشنطن وإيران على السير في مسارين متناقضين لكن متوازيين في ما يخص علاقتهما، حيث مسار التوترات والتصعيدات العسكرية، ومسار القدرة على التفاوض وتحقيق تفاهمات في شأن ملفات مصالح كل منهما.
استخدمت إيران ورقة مزدوجي الجنسية والهجمات ضد القوات الأميركية في سوريا وإمداد روسيا بالمسيرات، للتفاهم مع واشنطن في ما يخص المصالح الأميركية سواء على مستوى إنجاز يسوق للداخل الأميركي أم الحرب الروسية - الأوكرانية وتأثيرها في الأمن الأوروبي ورغبة واشنطن في إلحاق خسائر لروسيا.
لكن الأمر المؤكد هنا أنه حينما يعلو مسار التفاهمات الموقتة وغير الملعنة بين واشنطن وإيران، فإنه يتجاهل إرساء أسس ثابتة ومستقرة للاستقرار والأمن الإقليمي.
1546 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع