من ذاكرة حرب فلسطين عام ١٩٤٨

نعمان ماهر الكنعانيّ

من ذاكرة حرب فلسطين عام ١٩٤٨

صفحات من مذكِّرات العقيد نعمان ماهر الكنعانيّ- رحمه الله- الذي شغل موقع ضابط ركن خط المواصلات وضابط ركن استخبارات القيادة العراقية في حرب فلسطين عام 1948.

أقرَّت هيئة الأمم المتَّحدة في 29 تشرين الثاني عام 1947 تقسيم فلسطين إلى دولتين؛ يهودية وعربية فخالف العرب هذا القرار وهدَّدوا بالحرب. وأعلنت بريطانيا بعد ذلك أنَّها ستتخلَّى عن الانتداب على فلسطين فصدرت أوامر وزارة الدفاع العراقية إلى كل من القوة الآلية ولواء المشاة الأول بإكمال نواقصهما والتهيُّؤ للحركة عند صدور الأمر. وفي الأسبوع الرابع من نيسان والأسبوع الأول من مايس صدرت أوامر وزارة الدفاع العراقية إلى هذه القطعات بالحركة، يضاف إليها كتيبة مدفعية عيار (3,7) وبطارية ضد الجو الخفيفة الثالثة وسرب الطائرات السابع، ووصلت هذه القطعات إلى شرقي الأردن وعسكرت في المفرق.
التحقتُ بالقطعات العاملة في فلسطين مع ابتداء المعارك ولم أعد إلى العراق حتَّى تموز 1949 مع آخر قافلة من قوافل الجيش العراقي.
لقد بدا جليَّاً للمراقب أنَّ موضوع الحرب كان تغطية يراد بها امتصاص نقمة الشعب العربي، فخلال عملي في القيادة العراقية العامة مدَّة الحرب والهدنة ظهر لي أكثر من دليل على أنَّ القادة العسكريين أو كبارهم يعرفون أنَّ الحكَّام العرب ضالعون مع الدول الغربية الاستعمارية في قيام دولة يهودية في فلسطين على حساب أهلها العرب.
لقد وضعت القيادة التي أُطلق عليها (القيادة العامة) خطَّة هجومية للجيوش العربية، وكان ذلك في الاجتماع الذي تمَّ في دمشق، وقد تضمَّنت هذه الخطَّة قطع منطقة طبريا-صفد-بيسان- العفولة، والاستيلاء عليها كصفحة أولى من سِفر الحركات. لقد كان هذا الهدف خطيراً ومهمَّاً وفي تحقيقه تكون الجيوش العربية قد حقَّقت صفحة كبرى من الحرب.
مقارنة بين القوَّات العربيَّة والقوَّات اليهوديَّة
القوَّات العربيَّة
أوَّلاً. الجيش العراقيّ:
كانت القوات العراقية التي أرسلت إلى معركة فلسطين خلال شهور مايس وحزيران وآب، أي منذ بدأت الحركات حتى الهدنة الثانية، مؤلَّفة من:
1. القوة الآلية: وهي مؤلَّفة من فوج مشاة وكتيبة مدفعية وكتيبة مدرَّعات، وما تحتاجه هذه القطعات من هندسة ومخابرة وخدمات صحية وغيرها من الصنوف المعاونة.
2. جحفل اللواء الأوَّل وهو يتألَّف من ثلاثة أفواج مشاة وكتيبة مدفعيَّة وبعض الصنوف المعاونة.
3. جحفل اللواء الثالث.
4. جحفل اللواء الرابع.
5. جحفل اللواء الخامس.
وهذه الجحافل الثالث والرابع والخامس كالجحفل الأول المذكور.
6. سرب الطائرات السابع، وهو مؤلَّف من عشر طائرات من نوع (أنسن).
7. رفّ من الطائرات (كلاديتر) أي ثلاث طائرات.
8. بطريَّتي مدفعيَّة ضدَّ الجو.
9. فوجين من القوَّة السَّيَّارة للشرطة.
وقد بلغت هذه القوات أكثر من واحد وعشرين ألف مقاتل، وكان لها من المزايا الحربية شدَّة الضبط وحسن التدريب والحماس للقتال، ومن العيوب ضعف التنظيم وضعف القيادة وقلَّة العتاد وعدم تطوُّر السلاح بما يوازي المعارك الحديثة خصوصاً فيما يتعلَّق بمدافع ضد الجو ومدافع ضد الدبابات.
ثانياً. الجيش الأردنيّ:
يتألَّف الجيش الأردني من ست كتائب مشاة، تعادل الكتيبة جحفلَ فوج عراقي (جحفل الفوج هو ثلاث سرايا مشاة وسريَّة رشَّاشات ثقيلة وسريَّة مدرَّعات وبطريَّة مدفعية، أي فوج مشاة مع أسلحته السائدة)، ومن كتيبة كانت في دور التشكيل. وإنَّ هذه الكتائب جميعها تُنقَل بالسيارات فهي (مشاة آلي) ولها مدفعية ضد الدبابات عيار 6 رطل و25 رطل، وسريَّة مدرَّعات، ومدافع هاون عيار 3 عقدة و(4,2) عقدة، وقاذفة آليات ضد الدبابات. وقد أعطتها القوَّات العراقية ثمانية مدافع عيار 18 رطل وأربعة آلاف قنبلة. وليس لها قوَّة جوية.
من مزايا هذه القوة حسن التدريب والشجاعة والتنظيم، ومن عيوبها قلَّة العدد وعدم تنوُّع السلاح الذي تتطلَّبه المعارك الحديثة وسيطرة الضُّبَّاط البريطانيين عليها سيطرة تامَّة.
ثالثاً. الجيش السُّوريّ:
يتألَّف الجيش السوري من لوائي مشاة حسب التنظيم الفرنسي القديم، في اللواء الواحد ثلاثة أفواج مشاة ومع كل لواء بطريَّتا مدفعية عيار 75 ملم (أي ثمانية مدافع). وتملك هذه القوات بطرية مدفعية عيار 105 ملم (أي أربعة مدافع) ولديها قرابة ثلاثين مدرَّعة وطائرات من نوع (هارفرد) منها مسلَّحة ومنها غير مسلَّحة، وتتجاوز المسلَّحة منها العشر.
من مزايا هذا الجيش الشجاعة وحب التضحية والوطنية العالية، ومن عيوبه ضعف القيادة وضعف التدريب وقلَّة العتاد وضعف الأسلحة فإنَّها جميعها أسلحة فرنسية قديمة.
رابعاً. الجيش المصريّ:
لم يذكر القادة المصريون شيئاً عن عدد قوات جيشهم للقيادة العامة وظلُّوا متمسِّكين بذلك، لكنَّ الاستخبارات العسكرية العربية استنبطت بأنَّ القوات المصرية تتألَّف من لوائي مشاة نظاميين ولوائين من المتطوِّعين الفلسطينيين ومن المناضلين الذين يحملون أسماء شتَّى مثل (جماعة الجهاد المقدَّس) و(جيش الإخوان المسلمين) وما إلى غير هذه التسميات، وثبت أيضاً أنَّ لدى الجيش المصري أنواعاً من الطائرات الحديثة جدَّاً لا تقلُّ عن أربعين طائرة قامت بغارات عدَّة على تل أبيب وحيفا وغيرها، ولديهم أيضاً من المدفعية الشيء الجيد.
من مزايا هذا الجيش قوة السلاح بما في ذلك المدفعية والطيران وحسن تدريبهما، ومن عيوبه ضعف القيادة وعدم تيسُّر الخبرة السابقة في القتال والخوف من القتال والخوف من الحرب وقلَّة العدد وضعف الضبط وحب الرفاهية.
خامساً. الجيش اللبنانيّ:
يتألَّف الجيش اللبناني من فوجَي مشاة فقط، ومن مزاياه أنَّ في جنوده أناساً يحسنون إصابة أهداف البندقية، ومن عيوبه قلَّة العدد بشكل فاضح وضعف السلاح والتدريب. ولم يقم هذا الجيش بعمليات حربية تذكر.
سادساً. جيش الإنقاذ:
وقد أطلق عليه الناس فيما بعد (جيش الأنقاض) وهي تسمية غير ظالمة. يتألَّف هذا الجيش من عدَّة آلاف مجهَّزين بمختلف الأسلحة ويصرف له من الجامعة العربية مقدار جسيم من النقود.
من مزايا هذا الجيش كثرة العدد وأنَّه ظلَّ يدعى جيشاً، ومن عيوبه ضعف فاضح في التدريب والمعنويات وضعف في السلاح وخوف من الحرب. عملياته الحربية كانت تسليم المواقع التي كان مرابطاً فيها عند بداية الحركات.
القوَّات اليهوديَّة
قدَّرت دائرةُ الاستخبارات العربية القواتِ اليهودية في بداية معركة فلسطين بسبعين ألف مقاتل من المشاة وفرقة كاملة من المدرَّعات وعدد هائل من مدفعية الهاون وعدد قليل جدَّاً من مدفعية الميدان وبضع طائرات غير حربية.
من ميزات هذا الجيش ضخامة العدد وجسامته وحسن قيادته وضبطه وتوافر المدرَّعات فيه، ومن عيوبه اختلاف في قوَّة التدريب، فاليهود الغربيون أحسن تدريباً من غيرهم، وقلَّة الضُّبَّاط وضعف في الأسلحة الثقيلة كالمدفعية وضعف القوة الجوية.
أمَّا بعد الهدنة فقدَّرت الاستخبارات العربية أنَّ مشاة اليهود ازدادوا أكثر من عشرة آلاف مقاتل مدرَّب تدريباً جيداً وتكوَّنت لديهم مدفعية ثقيلة وتجاوز سلاحهم الجوي المائة والخمسين طائرة من نفَّاثة وقاصفة وتكوَّنت لديهم قوة آلية قوية مؤلَّفة من مدرَّعات ودبَّابات (كرمول).
وقبل أن نعقد مقارنة بين قوَّات الطرفين يجب أن ندرس طبيعة الأرض الفلسطينية لأنَّها ذات أثر بعيد في مجرى الحركات.

يتبع..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

854 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع