ضحى عبد الرحمن
مباحث في اللغة والأدب/٦٨
الغوغاء في التراث
ذكر مرتضى الزبيدي" في حَدِيثِ عُمَرَ: قال لَهُ ابْنُ عَوْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَحْضُرُكَ غَوْغَاءُ النّاسِ . أَرادَ بِهِم السَّفِلَةَ مِنَ النّاسِ وَالمُتَسَرِّعِينَ إِلَى الشَّرِّ، ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الغَوْغَاء". (تاج العروس12/48). وقال « في حَدِيث عُمَرَ :إِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النّاس. أَي غَوْغاءَهُم وسُقّاطَهُم وَأَخلاطَهُم، الوَاحِدَةُ: رَعَاعَة، وفي حَدِيث عليٍّ : وسائِرُ الناسِ هَمَجٌ رَعَاعٌ . قالَ الأَزْهَرِيُّ: قَرَأْتُ بخطِّ شَمِرٍ: والرُّعَاع من النّاسِ: وهُمُ الرُّذالُ الضُّعَفاءُ، وهُمُ الَّذِينَ إِذا فُزِّعُوا طارُوا وقالَ أَبو عَمْرٍو: الرَّعَاعَةُ و الهَجَاجَةُ: مَنْ لا فؤادَ لَهُ و لا عَقْلَ". (تاج العروس11/168). وأضاف " الغَثَرَةُ، محرَّكَةً، والغَثْرَاءُ ، بالمَدِّ، والغُثْرُ، بالضّمِّ، والغَيْثَرَةُ ، كحَيْدَرَةَ: سَفِلَةُ الناسِ ورعَاعُهم، الوَاحِدُ أَغْثَر ، مثل أَحْمَرَ و حُمْرٍ. و أَسْوَدَ و سُودٍ في حديث عُثْمَانَ، رِضي اللَّه عَنْه حِينَ دَخَلُوا عليهِ ليَقْتُلُوه، فقال: إِنَّ هَؤلاءِ رَعَاعٌ غَثَرَةٌ. وفي حديث عُثْمَانَ، رِضي اللَّه عَنْه، حِينَ دَخَلُوا عليهِ ليَقْتُلُوه، فقال: إِنَّ هَؤلاءِ رَعَاعٌ غَثَرَةٌ. وقال أَبو زَيْد: الغَيْثَرَةُ: الجَماعةُ من الناسِ المُخْتَلِطُون من الغَوْغَاءِ". (تاج العروس7/292). وذكر نشوان الحميري" الغَوْغاء : صغار الجراد ، واحدته : غوغاة ، بالهاء ، وبه سمي سفلة الناس. قال الأصمعي : الغوغاء: صغار الجراد إذا بدت أجنحته وصار أحمر إلى الغبرة وذلك حين يستقل فيموج بعضه في بعض فلا يتوجه جهةً. الغَوْغاء: شبيه بالبعوض ، ويقال : الغوغاء : ضرب من البعوض لا يؤذي". (شمس العلوم8/164) وقال" غثراء : السفلة الغوغاء من الناس". (شمس العلوم8/46). وقال ابن قتيبة الدينوري" الغثراء: الغوغاء الكثير المختلطون". (الجراثيم1/224).
قال رزق الله " قال بعضهم: دخلت على سفيان الثوري بمكة فوجدته مريضاً وقد شرب دواءً. فقلت له: إني أريد أن أسألك عن أشياء. فقال لي: قل ما بدا لك! فقلت له: أخبرني من الناس. قال: الفقهاء. قلت له: فمن الملوك. قال: الزهاد. قلت له: فمن الأشراف. قال: الأتقياء. قلت: فمن الغوغاء. قال: من يكتب الحديث ويأكل به أموال الناس. قلت فمن السفلة. قال: الظلمة أولئك هم أصحاب النار". (مجاني الأدب2/47). قال ابن دريد" الغوغاء من النَّاس: الَّذين لَا نظام لَهُم مَعْرُوف وَأخذ من غوغاء الدبى وَهُوَ إِذا ماج بعضه فِي بعض قبل أَن يطير واحدته غوغاءة". (جمهرة اللغة1/244). كما ذكر السيوطي" قال رجل لأصبغ بن الفرج، قالت لي امرأتي: يا غوغاء، فحلفت بطلاقها، إني لست غوغاء، فافتني، فقال أصبع: اخبرني عنك، إذا سمعت صيحة في موضع تبادر إليها حتى تقيم فيما هم فيه؟ قال: لا، قال: فاذا مررت في طريق فرأيت هذه الحلق على الطرقات، تقف عليها؟ قال: لا، قال: لست من الغوغاء". (المحاضرات والمحاورات/158). قال الفراهيدي" البَوْغاءُ: التُرابُ الهابي في الهواء. وطاشةُ الناس، وحَمْقاهم وسَفِلَتُهم هم البَوْغاء والغَوْغاء". (العين4/454). وقال الفراهيدي" غوغ: الغَوْغاء: الجراد، وبه سميت سَفِلةُ النّاسِ: غوغاء". (العين4/457).
ـ قال ابن عبد ربه" الغوغاء: الدّبا. وهي صغار الجراد، وشبّه بها سواد الناس. وذكر الغوغاء عند عبد الله بن عباس، فقال: ما اجتمعوا قط إلا ضرّوا، ولا افترقوا إلا نفعوا.
قيل له: قد علمنا ما ضرّ اجتماعهم، فما نفع افتراقهم؟
قال: يذهب الحجّام إلى دكانه، والحدّاد إلى أكياره، وكل صانع إلى صناعته". (العقد الفريد2/152).
ـ قَالَ ابن منظور" أَبو عُبَيْدٍ: الجَرادُ أَوّل مَا يكونُ سَرْوَةٌ، فَإِذَا تَحَرَّكَ فَهُوَ دَبًى قَبْلَ أَن تَنْبُتَ أَجنِحَتُه، ثُمَّ يكونُ غَوْغاء، وَبِهِ سُمِّي الغَوْغاءُ. والغاغَةُ مِنَ النَّاسِ: وَهُمُ الْكَثِيرُ الْمُخْتَلِطُونَ، وَقِيلَ: هُوَ الْجَرَادُ إِذَا صَارَتْ لَهُ أَجنحة وكادَ يَطيرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِلَّ فيَطِيرَ، يُذَكَّر ويُؤَنَّث ويُصْرَفُ وَلَا يُصْرف، واحِدتُه غَوْغَاءَةٌ وغَوْغَاةٌ، وَبِهِ سُمِّي الناسُ. والغَوْغَاء: سَفِلَة الناسِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. والغَوْغَاء: شيءٌ يُشبهُ البَعُوضَ وَلَا يَعَضُّ وَلَا يُؤذي وَهُوَ ضَعِيفٌ، فمَن صَرَفه وذَكَّرَهُ جَعَله بِمَنْزِلَةِ قَمْقام، والهمزةُ بدلٌ مِنْ وَاوٍ، وَمَنْ لَمْ يَصْرِفْه جَعَله بِمَنْزِلَةِ عَوْراء. والغَوْغَاء: الصَّوتُ والجَلَبة؛ قَالَ الْحَرِثُ بنُ حِلِّزة الْيَشْكُرِيُّ:
أَجْمَعُوا أَمْرَهم بلَيْلٍ، فلمَّا أَصْبَحُوا أَصْبَحَت لَهُمْ غَوْغاءُ
وَيُرْوَى: ضَوْضاءُ. وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ عَنِ قُطْرُب فِي نوادِرَ لَهُ: أَنّ مُذَكَّرَ الغَوْغاء أَغْوَغُ، وَهَذَا نادرٌ غيرُ مَعْرُوفٍ. وَحُكِيَ أَيضاً: تَغَاغَى عَلَيْهِ الغَوْغَاء إِذَا رَكِبُوه بالشَّرِّ. أَبو الْعَبَّاسِ: إِذَا سَمَّيْتَ رَجُلًا بغَوْغَاء فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إِنْ نَوَيْتَ بِهِ ميزانَ حَمراءَ لَمْ تَصْرِفْهُ، وَإِنْ نَوَيتَ بِهِ ميزانَ قعْقاع صَرَفْتَه ". (لسان العرب15/142). قَالَ الأَزهري" الجِمُّ الشيطانُ. والجِمُّ: الغَوْغاء والسِّفَل". ( لسان العرب12/109). وقال ابن سيده" الغَوْغَاءُ يذكر وَيُؤَنث فَمن أنث لم يصرف بِمَنْزِلَة حَمْرَاء وصَفْرَاء وَمن ذكر قَالَ هم غَوْغَاءُ بِمَنْزِلَة رَضْرَاضٍ وقَضْقَاضٍ". (المخصص5/149).
قال حسان بن ثابت شعر النبي في نعي عثمان بن عفان
جيرانه الأدنون حول بيوته غدروا ورب البيت ذي الأستار
ني رأيت أمين الله مضطهدا تنتابه الغوغاء في الأمصار
فمن يا ترى جيرانه الأدنون؟
قال البلاذري "سئل علي بن أبي طالب عن الغوغاء فقال: هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم يعرفوا".(راجع أنساب الأشراف/ 104).قال أبو بكرٍ الرازي" عَوامُّ الخَلْقِ هم الذين سَلِمَتْ صدورهم، وحَسُنَت أعمالُهم، وطَهُرَتْ أَلْسِنتهم. فاذا خَلَوا من هذا فهم الغَوْغاء لا العَوامُّ ". (طبقات الصوفية/72). قال الخطابي" أَخْبَرَنِي أَبُو رَجَاءٍ الْغَنَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: " الْغَوْغَاءُ الْجَرَادُ إِذَا مَاجَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ قَالَ: وَبِهِ سُمِّيَ الْغَوْغَاءُ مِنَ النَّاسِ". (العزلة/78). كما قال الخطابي" عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُوَارِزْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، " أَنَّ رَجُلًا، أَتَاهُ فَقَالَ: " إِنَّ امْرَأَتِي قَالَتْ لِي يَا غَوْغَاءُ قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: إِنْ كُنْتُ غَوْغَاءَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. فَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: هَلْ أَنْتَ مِمَّنْ يَحْضُرُ الْمُنَاطَحَةَ بِالْكِبَاشِ وَالْمُنَاقَرَةَ بِالدُّيُوكِ؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ الرَّجُلُ يَحْضُرُ يَوْمَ يَعْرِضُ السُّلْطَانُ أَهْلَ". (العزلة/79). ونقل الخطابي" قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الْغَوْغَاءُ أَهْلُ الْبِدَعِ". (العزلة/79). قال ابن قتيبة الدينوري " الغَوْغاء هي صغار الجراد، ومنه قيل لعامة الناس: غَوْغاء". (أدب الكاتب/193). وقال ابن عبد ربه" الغوغاء: الدّبا. وهي صغار الجراد، وشبّه بها سواد الناس. وذكر الغوغاء عند عبد الله بن عباس، فقال: ما اجتمعوا قط إلا ضرّوا، ولا افترقوا إلا نفعوا. قيل له: قد علمنا ما ضرّ اجتماعهم، فما نفع افتراقهم". (العقد الفريد2/152).
أشعار في الغوغاء
ـ ذكر محمد الهاشمي المثل"
وَإِذا مَا أضعت نَفسك أْلفِيتَ صَغِيرا فِي زُمرة الغوغاءِ"
(السحر الحلال في الحكم والأمثال/6).
ـ قال الشاعر:
وتجنب الأوغاد والغوغا وذا القدر الحقير
إن الخطير هو الذي ... قد قام بالأمر الخطير (فاكهة الخلفاء/367)
أشرفتْ جليس جارية جعفر بن يحيى على صبيان البرامكة وهم يلعبون فقلت
كأنهمْ معْ بني الغوغاء في عددٍ ... درٌّ ومخشلبٌ في الأرضِ منثورُ (التشبيهات/89)
ـ قال عباس العزاوي" يتجول البدوي بين خمائل الأزهار، ويتحول من نفح وطيب، الى تضوع وروائح ... ويتمنى أن لو دام، وبقي هو وعشيره يرعيان البهم يردد معنى ما يقوله الشاعر:
فيا ليت كل اثنين بينهما هوى ... من الناس والأنعام يلتقيان
فيقضي حبيب من حبيب لبانة ... ويرعاهما ربي فلا يريان
ربيع جميل، وخير متدفق، زائد عن الحاجة، ورخاء ونعيم، لا يعوزه الا الدوام، والغنى الوافر، والأمن الدائب، والقوة المنيعة ... وهناك الحياة الطيبة، والعيشة الراضية، والأمل الكبير، والعمر الطويل. وكذا الحضري لو رآها تمنى أن يبعد عن غوغاء الحضارة؛ وضوضاء المدن، وعفونة الهواء، وضيق العطن، والانهماك في ملاذ لا حد وراءها، نغص في العيش، وسهر دائم، وعلل متوالية، وأمراض فتاكة، وإذا أضيف إليها قسوة المجتمع وظلمه، فهناك الويل والثبور ... ورغب في هذه الحياة الهادئة المطمئنة". (عشائر العراق1/91).
ـ قال الشاعر:
والملك يحمي ملكه عن لفظــــــة تسري فتجلي عن دواةٍ تعظمُ
فضلاً عن الكلم الذي قد أصبحت غوغاؤنا جهراً به تتكلمُ (قلائد العقيان/14).
ـ قال الثعالبي" ذكر محمد بن جعفر رضي الله تعالى عنهما الغوغاء فقال: إنهم ليطفئون الحريق، ويستنقذون الغريق، ويسدون البثوق" ( اللطائف والظرائف/279)
كان سعيد بن سالم يقول: ينبغي للرئيس أن يأخذ في ارتباط السفهاء من الغوغاء وفيه يقول الشاعر:
وإني لأستبقي أمرأ السوء عدّة ... لعدوة عريض من القوم جانب
أخاف كلاب الأبعدين وهرشها ... إذا لم تجاوبها كلاب الأقارب ( اللطائف والظرائف/279)
ـ أشرفتْ جليس جارية جعفر بن يحيى على صبيان البرامكة وهم يلعبون فقالت:
كأنهمْ معْ بني الغوغاء في عددٍ درٌّ ومخشلبٌ في الأرضِ منثورُ (التشبيهات لابن أبي عون/89).
ـ قال الشاعر:
إن تأدَّبت يا بنيّ صغيـــراً ... كنـــت يوماً تعدّ في الكبراء
وإذا ما أضعت نفسك ألفي ... ت كبيراً في زمرة الغوغاء (بهجة المجالس/19).
قال الجاحظ" قد علم أهل العقل أنّ النّسناس إنما وقع على السّفلة والأوغاد والغوغاء، كما سمّوا الغوغاء الجراد إذا ألقى البيض وسخف وخفّ وطار". (كتاب الحيوان7/108)
ـ ذكر اليوسي في الغوغاء :
والناس كالغوغاء هائمة ... لو كان يبلو الناس ذو خبر
والمرء كل المرء بينهم ... ذو الملبس الزاهي وذو الوفر
(زهر الأكم في الأمثال والحكم3/130)
الغوغاء في التراث العربي
ـ قال ابن حمدون" جعل ابن حزم يركض خلف النعش ويصيح بالناس من السّفلة والغوغاء، فلم يسمعوا". (التذكرة الحمدونية3/282).
ـ قال ابن المبارك: سألت سفيان الثوريّ من الناس؟ قال:العلماء. قلت: من الأشراف؟ قال: المتقون. قلت: من الملوك؟ قال: الزهاد، قلت: من الغوغاء؟ قال: القصّاص الذين يستأكلون أموال الناس بالكلام. قلت: من السفلة؟ قال: الظلمة". (التذكرة الحمدونية2/95).
ذكر عثمان بن سند البصري" في عام 1200 هجرية وقع قحط شديد أكلت فيه الناس الكلاب والموتى والجلود، وأكلوا الدم، وظنوا ان هذا القحط من شؤم الوزير، مع إنه من عند الله لعدم الأمطار، ورفعوا علم الشيخ عبد القادر الجيلاني، وساحوا في الأسواق، وحركوا العامة والأوباش والغوغاء لخلع الباشا ". (مطالع السعود/271).
قال ابن طباطبا العلوي" قال مروان بن الحكم- وهو ابن عمّ عثمان- للناس: إنّ الغوغاء من أهل الأمصار وعبيد أهل المدينة، اجتمعوا على هذا الرجل المسكين- يعني عثمان - فقتلوه ظلما وعدوانا، فسفكوا الدّم الحرام في البلد الحرام في الشّهر الحرام. ثمّ استمالوا أناسا وعزموا على قصد البصرة واستمالة أهلها والتقوا بها على قتال عليّ- عليه السّلام- فلمّا انتهى ذلك إلى أمير المؤمنين قام فخطب النّاس وأعلمهم الحال، وقال: إنّها فتنة وسأمسك الأمر ما استمسك بيدي". (الفخري في الآداب السلطانية/91).
قال أبو بكر الدينوري" حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيّ؛ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، فَقِيلَ لَهُ: مَنِ النَّاسُ؟ قَالَ: الْعُلَمَاءُ. قِيلَ لَهُ: فَمَنِ الْمُلُوكُ؟ قَالَ: الزُّهَّادُ. قِيلَ لَهُ: فَمَنِ السِّفَلَةُ؟ قَالَ: الَّذِي يَأْكُلُ بِدَيْنِهِ. قِيلَ لَهُ: فَمَنِ الْغَوْغَاءُ. قَالَ: خُزَيْمَةُ بْنُ خَازِمٍ وَأَصْحَابُهُ. قِيلَ لَهُ: فَمَنِ الدَّنِيءُ؟ قَالَ: الَّذِي يَذْكُرُ غَلَاءَ السِّعْرِ عِنْدَ الضَّيْفِ". (المجالسة وجواهر العلم2/181).
روى الخطابي عن أبي عاصم النبيل" أنَّ رجلاً أتاه فقال: إنَّ امرأتي قالت لي: يا غوغاء! فقلت لها: إنْ كنتُ غوغاء فأنت طالق ثلاثاً. فقال له أبو عاصم: هل أنت ممن يحضر المناطحة بالكباش، والمناقرة بالديوك؟ فقال: لا. فقال له: هل أنت الرجل يحضر يوم يعرض السلطان أهل السجون، فيقولون: فلان أَجْلد من فلان؟ فقال: لا. فقال: هل أنت الرجل الذي إذا خرج الأمير يوم الجمعة جلست له على ظهر الطريق حتى يمر، ثم تقيم مكانك حتى يُصلي وينصرف؟ فقال: لا. فقال له أبو عاصم: فلست بغوغاء، إنما الغوغاء من فعل هذا". (العزلة/79)
ذكر نجم الدين الغزي" بلغني أن بعض الغوغاء جاء إليه في ذلك فقال له: إنه طلق زوجته ثلاثًا. فقال: هات ثلاث قروش وأردها إليك. قال: لا إلا قرشًا واحدًا. قال: اذهب عنا، فما بقي ردها إليك جائزًا. فقال له العامي: قد استخرت الله في ترك مراجعتها، وأوفر علي مالي وديني، فلو كان ردها إليَّ جائزاً لم ينحصر هذا الحكم فيك حتى تطلب عليه المال" (حسن التنبيه8/202).
روى أبو نعيم عن الشعبي رحمه الله تعالى أنه قال: نعم الشيء الغوغاء؛ يسدون السيل، ويطفئون الحريق، ويشغبون على ولاة السوء". (حلية الأولياء4/324). قال نجم الدين الغزي" ومعنى قول الشعبي: نعم الشيء الغوغاء: عوام الناس. إنما مدحهم الشعبي لما يحصل بهم من الرفق بهم فيما ذكر، فيؤيد الله بهم الدين مع أنهم في أنفسهم غير ممدوحين لغلبة الجهل عليهم، والغفلة عن الله تعالى، وعن أمور دينهم. فقوله: نعم الشيء الغوغاء؛ أي: لغيرهم، لا لأنفسهم، ولا في أنفسهم، وهذا من باب تأييد الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خَلاق لهم". (حسن التنبيه11/224). وروى الخطابي عن الأصمعي أنه قال: الغوغاء الجراد إذا ماج بعضه في بعض، وبه سمي الغوغاء من الناس". (العزلة/70).
ذكر ابن منظور" فِي حَدِيثِ عُمَرَ: قَالَ لَهُ ابْنُ عَوْفٍ: يَحْضُرُكَ غَوْغاءُ الناسِ، أَصل الغَوْغاءِ الجَرادُ حِينَ يَخِفُّ للطَّيرانِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ للسَّفِلةِ مِنَ الناسِ والمُتَسَرِّعين إِلَى الشرِّ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الغَوْغاءِ الصوتِ والجَلَبةِ لكثرة لَغَطِهم وصِياحِهِم. ". (لسان العرب6/444).
قال السيوطي" أخرج بسنده عن محمد بن عيسى التميمي قال: قال رجل لأصبغ بن الفرج ، قالت لي امرأتي: يا غوغاء، فحلفت بطلاقها، إني لست غوغاء، فافتني، فقال أصبع: اخبرني عنك، إذا سمعت صيحة في موضع تبادر إليها حتى تقيم فيما هم فيه؟ قال: لا، قال: فاذا مررت في طريق فرأيت هذه الحلق على الطرقات، تقف عليها؟ قال: لا، قال: لست من الغوغاء".(كتاب المحاضرات والمحاورات/158)
قال اسحق بن الحسين المنجم" اما مدينة سرّ من رأى، فبناها المعتصم بن هارون الرشيد، وكانت قبل ذلك صحراء، لا عمارة فيها. وكان بها في القديم دير للنصارى.وكان سبب بنيانها، أن المعتصم كان كثيرا ما يتخذ الأتراك، فلما افضت اليه الخلافة ألحّ في طلبهم. وكان أولئك الأتراك إذا ركبوا الدواب ركضوا، فيصدمون الناس، فيثب عليهم الغوغاء فيقتلون بعضا، ويضربون بعضا، فثقل ذلك على المعتصم، وخرج من بغداد وطلب موضعا يحفر فيه نهرا، حتى وصل إلى القاطول. فابتدأ البناء واقطع القواد والكتاب والناس، فبنوا على القاطول ودجلة". (آكام المرجان/ 37)
قالت عائشة بعد سماعها مقتل عثمان" جاءها الناس فقالت: إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما ونقّموا عليه استعمال من حدثت سنّه وقد استعمل أمثالهم من كان قبله ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها فلمّا لم يجدوا حجة ولا عذرا بادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام واستحلّوا البلد الحرام والشهر الحرام وأخذوا المال الحرام. والله لأصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم ولو أنّ الّذي اعتدّوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه". (تأريخ ابن خلدون2/607).
895 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع