عائشة سلطان
ما الذي يربطنا بالأمكنة؟
أجرى صحفي تحقيقاً بحث فيه موضوع تأثير الأمكنة والمدن والبلدان الجديدة على الأشخاص الذين يسافرون ويتنقلون بين بلدانهم الأصلية وهذه الأمكنة الطارئة التي يتعلقون بها وكأنهم يعرفونها منذ الأزل.
كان يحاول الوصول إلى حقيقة الرابط أو الصلة غير المرئية وغير المفهومة التي تربطنا بأمكنة ليست لنا أو لا تمت إلينا بصلة مادية مباشرة، فإذا لم تكن ابن هذا الحي، أو أن هذه المدينة لم تشهد طفولتك وليس لك فيها شيء من ذاكرة وذكريات، فلماذا ترتبط بها وتحبها إذن؟ ما الذي يشدنا لأمكنة بعينها، حتى إننا نعود إليها كلما زاد بنا الشوق وسمحت لنا أحوال الحياة؟
الذين شاركوا في التحقيق كانت إجاباتهم عاطفية جداً بقدر ما كانت حقيقية، فقال معظمهم إنهم يحبون أمكنة بعينها ويسعون إليها، ويكررون زيارتها لاحقاً كأن حبلاً سرياً ممدوداً بينهم وبينها، لأنها تذكرهم بأمكنة عاشوا فيها ويحبونها، وقد فقدوها للأبد لأسباب كثيرة، ما يعني أن الظروف باعدت بينهم وبينها، فينظرون إلى هذه الأمكنة أو المدن باعتبارها مدناً تعويضية عن كل ما فقدوه في مدنهم الحقيقية.
بينما قال آخرون إنهم يحبون بعض المدن دون غيرها لعلاقة عاطفية قديمة نمت واستقرت في وجدانهم منذ قرأوا عنها وحلموا بزيارتها في طفولتهم ومراهقتهم. فظلت تلوح في بالهم إلى أن تحقق الحلم بزيارتها فغدت مدنهم المفضلة، وتحولت أمكنة فيها إلى فضاءات عزيزة جداً لها في قلوبهم وذاكرتهم ما لها من محبة ومكانة يرتاحون فيها ويحنون إليها كلما ابتعدوا عنها!
وبينما نظر البعض لبعض المدن نظرة منفعة، كأن تكون مدن استقرار ومعيشة، قال آخرون إنهم وجدوا في هذه المدن ما يظنون أنهم يفتقدونه في بلدانهم كالحرية والانعتاق من القيود، فالإنسان كائن لا يتوقف في مسعاه نحو الكمال والاكتمال، يريد وطناً مكتملاً وجسداً مثالياً وعملاً وعائلة وحياة لا خلل فيها، لكنه يكتشف في نهاية المطاف أن كل سعي يقوم به في الخارج يقوده إلى ذاته وأصله وأهله ووطنه، وأنها قسوة الظروف أحياناً هي التي تغلبه وقد تلقيه على شواطئ لم تخطر بباله يوماً!
819 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع