المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
الزنا واعظمه الزنا بالمحارم – الجزء الثالث
أمثلة على وقائع الزنا بالمحارم
الأمثلة على وقائع زنا المحارم تقودني للحديث عن واقعة عايشت تفاصيل الإجراءات القانونية المتخذة فيها وهي بالشكل التالي:
في نهاية عام (1989) وعندما كنت اشغل منصب نائب مدير شرطة محافظة أربيل راجعني الرائد (مصطفى ياسين) مدير شرطة مكافحة الإجرام في أربيل ولاحظت عليه علامات عدم الارتياح والضجر وعندما استفسرت منه عن أسباب ما يبدوا عليه وما يشغل باله، أخبرني بأنه لتوه كان في لقاء مع مدير شرطة المحافظة ليخبره بأنه حصل على معلومات تفيد بممارسة شاب يبلغ من العمر (21 عاماً ) الرذيلة مع شقيقته البالغة من العمر (18 عاماً) في دارهما في احد الأحياء الشعبية في مدينة أربيل وإنه بناء على هذه المعلومات طلب الإذن من مدير الشرطة ليباشر اتخاذ الإجراءات القانونية الأصولية بحقهما وأضاف بأن رد مدير الشرطة كان مخيبا للآمال إذ طلب منه حرفياً (مصطفى جوز من هاي الشغلة ... استر الناس)، بناءً على هذا الموقف لمدير الشرطة استفسرت من الرائد (مصطفى) فيما إذا كانت لديه أدلة دامغة ومؤكدة على ممارسة المذكورين لهذه الفعلة الشنعاء حيث أن بقاء الوضع على حاله أولىٰ من إثارة الموضوع دون أدلة كافية للإدانة والحكم عليهما وبالتالي التشهير بهما، أجابني الرائد (مصطفى) بأنه يعتمد على ما أفاد به أحد الأشخاص عندما راجعه واكد له وجود هكذا علاقة شائنة بين الأخ وشقيقته لكونه يسكن في دار ملاصقة لدار المذكورين وما كونه من انطباع يعود الى سلوكهما وتصرفاتهما التي تجلب الشك والريبة لا غير، عندها طلبت من الرائد (مصطفى) التروي وعدم الاستعجال لكون كلام هذا المخبر غير كاف ويحتمل الصدق أو الكذب وسيواجه بأنكار من الشاب وشقيقته عند مواجهتهما بهذه التهمة الصعبة وطلبت منه المتابعة والتحري لحين الحصول على أدلة أكثر مصداقية وإقناعاً وفعلاً راجعني بعد ما يقارب السبعة أيام ليخبرني بأنه وجد الدليل المادي المقنع للجريمة واخرج من جيبه ظرفاً وافرغ ما فيه من صور على منضدتي والبالغ عددها خمسة صور للشاب مع شقيقته وهما عراة وبأوضاع مختلفة،
الرائد مصطفى ياسين احمد
بعد مشاهدتي للصور أصبحت مقتنعاً تماماً من ممارسة المذكورين للفحشاء (زنا المحارم) وطلبت من الرائد (مصطفى) أن يبادر فوراً لتحريك قضية جنائية ضدهما ومن دون أن يخبر مدير الشرطة بذلك.
كاتب المقال مع الرائد مصطفى
استفسرت منه عن كيفية حصوله على الصور، أجابني بأنه نتيجة المتابعة تبين له بأن الشاب وشقيقته الشابة يسكنان في دار بسيطة ومستقلة ومعهما شقيقهما الصغير البالغ من العمر اثنا عشر عاماً بسبب وفات والديهما وانتهازه لفرصة خلو الدار من الشقيقين بعد المراقبة فأرسل أحد أعوانه لجلب الأخ الصغير للدائرة وعند استجوابه للدلالة اعترف بوجود علاقة غير شرعية بين شقيقه وشقيقته وهما ينامان في فراش واحد كما أضاف بوجود صور خلاعية لهما موضوعة تحت وسادة شقيقه وطلب منه جلبها وفعلا نفذ ما طلب منه باشر الرائد (مصطفى) بالإجراءات الأصولية عن طريق القضاء وصدور أمر بالقبض على الشقيق وشقيقته ولدىٰ تدوين إفادتهما بعد مشاهدتهما صورهما العارية بحوزة المذكور اصبحا مجبرين على الاعتراف بكل صراحة بممارسة الجنس ومنذ فترة ولدىٰ الاستفسار منهما عن بدايات ممارستهما لهذا الفعل الشنيع، أفاد الشاب بأنه وشقيقته وشقيقه الصغير في أحد أيام الصيف قاما بسفرة الى منطقة (گلي علي بك) وقد احضرا معهما كافة لوازم هذه السفرة وأثناء وجودهما على طرف النهر الصغير استهوته السباحة فنزل في الماء وهو فرحاً ويسبح ويمازح شقيقته وشقيقه برش الماء عليهما مما حدا بشقيقته مشاركته في السباحة والنزول الى الماء والسباحة سوية والمزاح، حصل أثناء ذلك احتكاك عفوي وبريء والتصاق بين جسديهما تكرر لعدة مرات ومن ثم تحول الى التلامس والاحتكاك العمدي المقصود بنية الشر والإثم حيث لعب الشيطان في نفسيهما وتورطا في بداية ممارسة الجنس منذ ذلك اليوم المشؤوم، أيدت شقيقته أقواله وأبديا ندمهما على ما اقترفاه من إثم وفساد وفحشاء وبهذه المناسبة أود الإشارة الى الحديث النبوي الشريف (مُرُوا أولادَكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع) وبانتهاء التحقيق في القضية أحيلا الى محكمة الجنايات والتي قضت بالحكم عليهما بالسجن المؤبد إسناداً للفقرة الثانية من قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) (488 لسنة 1978) على اعتبار أن فعل الزنا قد تم برضاهما وكانا قد أتما الثامنة عشرة من عمرهما، وبهذا نكون قد أنهينا الحديث عن هذه الجريمة ونرىٰ من الضروري أن نتحدث عن الرائد (مصطفى ياسين) الذي تولىٰ التحقيق فيها تحت إشراف القاضي المختص حيث كان من خريجي دورات الضباط العالية في كلية الشرطة وكان ضابطاً كفوءً ومقتدراً في عمله وصرخة مدوية منه كانت كافية لتجعل المتهم أو الشاهد يبوح بما عنده من معلومات ونستطيع القول بأنه كان الرجل المناسب في المكان المناسب حيث كان ممتلئ الجسم وضخماً يهابه المجرمون ويتجنبون غضبه وجديته في الإجراءات وتطبيق القانون على كل من يتجاوز ويخالف ضوابطه وصداقتي امتدت معه لأكثر من عقد في الثمانينات من القرن الماضي ومن الضروري أن أشير الى هذه الحكاية الطريفة فعندما حضر وزير الداخلية (سمير عبدالوهاب الشيخلي) الى مدينة أربيل عام (1990) لتفقد أعمال مديريات قوىٰ الأمن الداخلي فيها، اجتمع مع الضباط وتداول معهم سير العمل والمعوقات التي تعترض عملهم وأثناء المناقشات تقدم الرائد (مصطفى) وفاجأ الوزير بطلب غير متوقع وهو إعفائه من ضوابط تخفيف الوزن الذي كان معمولاً به في ذلك الوقت وبأمر مباشر من الرئيس العراقي السابق (صدام حسين)، استغرب الوزير من طلبه هذا ومستفسرا منه عن مبررات ذلك، فأجابه...(سيدي إذا ضعفت نفسي فالمجرمين ماراح يخافون مني) فبادره الوزير ضاحكاً...(تعليمات الوزن لا يمكن إعفاء أي موظف أو مسؤول حزبي منها هي تطبق على رئيس الجمهورية صدام حسين " الله يحفظه " وجميع المشمولين بها دون استثناء). ما دمنا نتحدث عن زنا المحارم فرأيت أن أشير الى حديث (خير الله طلفاح) خال الرئيس العراقي السابق (صـدام حسين) عنــد زيارته لمحافظ أربيــل (محمد على أمين) في عام (1976) وكنت حاضرا وقد نشرته في كتابي (الحياة حكايات)
محمد على أمين
يقول في حديثه (اتصل بي صدام "كان يذكر اسم صدام مجرداً من أي صفة" واخبرني بأنه يريد اللقاء بي وحضرت في مكتبه في القصر الجمهوري واخبرني قائلاً: "خالو راح نكلفك بشغلة محد يطلع بيها راس غيرك" ولما استفسرت عن هذه الشغله، أجاب هو أن تكون رئيس محكمة خاصة بالذين يتهمون بارتكاب جرائم الزنا بالمحارم، عندها أجبته "ابني منين لگیتلي هالشغلە" واردف قائلاً وبعد أيام وفي أول جلسة من جلسات هذه المحكمة وكانت القضية المطروحة أمامي هي اعتداء رجل جنسياً على والدته في مدينة العمارة والحديث لايزال للحاج خيرالله،
خير الله طلفاح
عند إدخال المتهم ومشاهدتي له انتابتني موجة من فقدان الشعور والعصبية وأصبحت في حالة هستيرية ونهضت من مكاني محاولا الهجوم عليه والفتك به لولا تدخل الحاضرين وتوسلاته راجيا مني السماح له بتوضيح الأمر يقول (الحاج خيرالله) رديت عليه (شت وضح ابن الكحبة هاي سواتيك اللي ما يرضى عنها لا الله سبحانه وتعالى ولا البشر) أجابني المتهم ببرود أعصاب (هاي امي تحب الجنس وإذا ما امارس وياها هذا العمل تروح برە تمارس) فما كان مني إلا أن اصرخ في وجهه (اطلع بره ابن... إعدام ياحقير...اخذوه) ويضيف أمرت بتعليقه على جذع شجرة حتى اسلم الروح. بعد أن أوردنا المثالين السابقين نورد أمثلة أخرى على زنا المحارم وقعت في مناطق أخرىٰ:
كركوك.. تعرضت (ل. م) البالغة من العمر (17 عاما) الى الاغتصاب من قبل أخيها الكبير، حيث تقول كنت صغيرة ولم اكن اعرف ماذا تعني المعاشرة الجنسية وكان أخي يطلب مني أن أوافق على طلباته من غير أن أخبر أحداً عن الموضوع، ثم تتابع والغصة تعتري صوتها، لقد طلب مني الزواج وأخبرني أنه سيعطيني المال في حال موافقتي على ذلك، كنت مترددة في إخبار عائلتي، ثم قررت أن أخبر أمي ولكنها لم تصدقني في بداية الأمر، وعدلت عن فكرة إخبار والدي الذي يتميز بعصبيته كما وانه يدافع دائما عن مواقف أخي، بعدها أصبحت أنام مع والدتي في غرفتها لأني أخاف المبيت في غرفتي لوحدي، هذه التجربة المؤلمة خلقت لدى (ل. م) انطباعاً سيئاً عن الرجال.
بغداد... رافقت والدتي الى طوارئ مستشفى الكاظمية التعليمي منتصف ليلة شتائية في عام (2015) فرأيت جريمة لم تتناولها مناهجنا الأكاديمية التي درستها في كلية القانون، صبية ذات (16) ربيعاً أدخلتها والدتها شعبة الجراحة النسائية مستغيثة بالشرطة وهي ناقمة على زوجها لم أفهم الربط بين حالة الصبية الصغيرة ذات الجمال الذي مازال يقاوم تشوهات حصادات الألم وبين هيستريا غضب الأم من زوجها والد الفتاة استفسرت من ممرضة فأجابتني ببرود (أبوها مغتصبها) وكأن الظاهرة مألوفة لها اعتادت سماعه ورؤيته.
بابل... محكمة جنايات بابل بتاريخ (4/12/2006) قضت بالإعدام شنقا حتى الموت على (...) المتهم وذلك لقيامه بمواقعه ابنته (م) ولعدة مرات وأدىٰ ذلك الى حملها سفاحاً حيث قام بأخذ ابنته الى طبيبة وتم زرقها بإبرة مما أدىٰ الى إسقاط الجنين وخلال اعترافاته قام بدلالة الشرطة على مكان الجنين ولدىٰ وضع الدعوىٰ موضع التدقيقات والتحقيقات صدر القرار آنف الذكر بحق الأب الجاني إلا انه وبعد تمييز القرار استبدل الحكم بالسجن مدىٰ الحياة لتوقف العمل بعقوبة الإعدام.
الخــلاصــــــة
لقد ترددت في أول الأمر وفكرت كثيراً قبل أن أبدأ في الخوض والكتابة عن موضوع شائك وصعب كالزنا بالمحارم الذي يجابه بالاشمئزاز من عامة الناس الملتزمين بالأخلاق والقيم الحميدة والأحراج لمن يتطرق بالحديث أو الكتابة عنه وهذا مرد عدم تقبل هذا النوع من التصرف الشائن وقلة الأقبال في الكتابة عنه وقلة الدراسات القانونية والاجتماعية التي تتناوله بالرغم من كونه ظاهرة عالمية منتشرة بين كافة الأقوام والشعوب وهناك حاجة ملحة للتوعية من مخاطرها وحماية العرض وصلة الرحم ووحدة العائلة والأسرة والنسيج الاجتماعي بشكل عام، لقد لاحظت ضعف متابعة القراء لما نشرته من الجزء الأول لمقالي هذا حول زنا المحارم سواء من المطلعين عليه أو من المتابعين له من خلال تعليقاتهم وغرضي كان للتنبيه الى خطورة هذه الظاهرة ولابد من وقفة جدية حازمة ودور توعوي من قبل الدولة بالتعاون مع المؤسسات الدينية من خلال تسخير وسائل الإعلام بكافة أنواعها في تسليط الضوء على هذا النوع من الزنا وبيان أسبابه وسبل الوقاية منه وردع مقترفيه بالعقوبات الشديدة.
((والله وراء القصد))
---------------
المصـادر:
1- القرآن الكريم
2- الحديث النبوي الشريف
3- ابن حجر الهيتمي / الزواجر عن اقتراف الكبائر
4- د. احمد المجدوب / زنا المحارم ...الشيطان في بيوتنا
5- د. غازي حنون خلف / د. حسن حماد حميد / د. جاسم خريبط خلف (الزنا بالمحارم في الشريعة الإسلامية والقانون العراقي)
6- محي الدين محمد يونس / الحياة حكايات
7- يعقوب يوسف الجدوع ومحمد صابر الدوري / الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة في التشريع الجنائي العراقي
8- رياض العبد الله / الزنا عبر العصور وموقف الأديان منه
9- د. عبد المنعم عبد الوهاب العامر / مدىٰ مشروعية تنسيب الابن غير الشرعي في القانون العراقي / مجلة جيل الأبحاث القانونية
10- زنا المحارم في العراق ملف مغلق ومسكوت عنه / صحيفة الزمان
11- زنا المحارم في كركوك / ضحايا مجبرات على الصمت في غياب أي معين / موقع المنصة
12- الاغتصاب العائلي...زنا المحارم بعضه يتم برضا الطرفين / مجلة نرجس
13- قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969
14- قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971
15- قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://www.algardenia.com/maqalat/62466-2024-03-03-08-18-32.html
4514 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع