د.علي عبدالرحمن الزعاك
مشاريع علمية بائدة لسلطة الاحتلال
بعد دخول العاصمة العربية بغداد في 9 نيسان 2003، وتحت سلطة تحالف الاحتلال، بدأت "مجموعة المسح ( Iraq Survey Group-ISG) بحثها لمدة عام عن برنامج أسلحة الدمار الشامل المزعوم وذلك بالانتشار على طول البلاد وعرضها وتم استجواب العديد من العلماء العراقيين وأساتذة الجامعات حولها ، ورغم إقرار المجموعة ان بحثهم عن سراب الأسلحة وصل الى نهايته المتوقعة ، لكن الشك بقي يخامر من ارسلوهم ، فعاقروه لأنه يخلق فرص عمل جديدة لمؤسساتهم التي تعاني من التمويل ، وبالتالي خرجوا بنظرية (إعادة توجيه العلوم العراقية) .
ورغم ان البناء على نظرية خاطئة لا يحقق أي هدف الا ان حاجتهم المادية ، بل والنفسية أيضا للتعويض عن فشلهم في إيجاد ما صدعوا رؤوس العالم به من كافة أنواع الأكاذيب الدسمة ، دفعت بالحكومة الامريكية لتخصيص أموالا طائلة لوكالاتها المدنية والعسكرية لهذا الهدف الذي يغذيه مبدا الشك الذي وصفه ديكارت وهو يرفض شهادة الحواس لأنها دائمًا ما تخطئ، ودائمًا ما تكون الحواس عرضة للأوهام أو الاعتقادات الخاطئة .
طبعا لا حسن نية في (إعادة توجيه العلوم العراقية) لانهم كانوا تحت طائلة الشك بان كافة النشاط العلمي العراقي كان عسكريا قبل الاحتلال وكان ذلك الشك خاطئا تماما اذ ان النشاط البحثي المدني كان اساس وزارة التعليم العالي والصناعة والزراعة والنفط والطاقة وغيرها ومن خلال عشرات مراكز البحوث المتخصصة .
على اية حال، ضم برنامج إعادة التوجيه عدد من المشاريع التي عهدت الى الوكالات التالية:
1. مكتب المستشار الخاص لتنسيق عدم الانتشار (والمقصود به عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل النووية والكيمياوية والبيولوجية) واسم المشروع هو "تنسيق عدم الانتشار مع الوزارات العراقية/الاحتفاظ بعلماء أسلحة الدمار الشامل/إعادة توجيه موظفي دائرة الاستخبارات الكيميائية ". ورغم ان الميزانية التقديرية كانت 102-113 مليون دولار الا ان تلك كانت شعارات أكثر منها عناوين حقيقية.
2. مكتب منع انتشار الأسلحة النووية / وزارة الخارجية الامريكية واسم المشروع هو "المركز العراقي الدولي للعلوم والصناعة (IICSI) بدأ بميزانية قدرها 2 مليون دولار على امل ان تشارك دول التحالف في تمويله لكن ذلك لم يحدث وبدلا من تمويل خطط بحثية انتهى المركز دون تحقيق أهدافه في دعم المشاريع البحثية المقترحة واكتفى بصرف رواتب رمزية لعدد قليل من الفنيين الذين فقدوا وظائفهم بعد حل هيئة الطاقة الذرية وهيئة التصنيع العسكري.
3. الإدارة الوطنية للأمن النووي (NNSA) / وزارة الطاقة الامريكية واسم المشروع هو "إشراك العلماء العراقيين" وبدأ بمبلغ نصف مليون دولار صرفت على ندوة او أكثر.
4. اما "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية - USAID) فقد خصصت 20.7 مليون دولار لبرامج "تعزيز التعليم العالي والتنمية " وتم اختيار البرامج التالية:
1. الصحة العامة: ابرم اتحاد من الجامعات الأمريكية شراكة مع جامعة الموصل لتحسين المختبرات وتعزيز مهارات مهندسي الصحة العامة والصرف الصحي.
2. دخلت جامعة هاواي الامريكية في شراكة مع جامعة الموصل وجامعة دهوك لتعزيز القطاع الزراعي الأكاديمي، وتطوير القدرات البشرية، وإنشاء مركز للتميز في البحوث الزراعية، والمشاركة في رعاية نشر المجلة العراقية للعلوم الزراعية.
3. تطوير المؤسسات الأكاديمية والقيادية في الجامعات العراقية: حصلت جامعة أوكلاهوما الامريكية على تمويل الوكالة لتعزيز البنية التحتية التعليمية والإدارية والقيادية في الجامعة التكنولوجية في بغداد وخمس جامعات إقليمية من خلال تجهيز مختبرات الكمبيوتر بالبرمجيات والمواد التعليمية وورش العمل.
4. علم الآثار والآشوريات: حصلت جامعة ولاية نيويورك ستوني بروك على تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية لتطوير علم الآثار والدراسات المسمارية في جامعة الموصل وبغداد.
5. الصحة البيئية: كذلك حصلت نفس الجامعة (ستوني بروك) على تمويل للشراكة مع جامعات الموصل والبصرة والمستنصرية لإنشاء بنية تحتية في مجال الصحة البيئية من خلال تأسيس مراكز الصحة البيئية.
6. إصلاح نظام التعليم القانوني: حصلت جامعة ديبول الامريكية على عقد من الوكالة لهذا البرنامج وقدمت المكونات التالية له:
-- سيادة القانون والحكم الرشيد: من خلال إنشاء مركز للبحوث ودعم التواصل بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
--إصلاح المناهج: تحسين القائم منها من خلال الاطلاع على التطورات الدولية في القانون.
--التربية العملية: استخدام المحاكم الافتراضية والندوات النقاشية.
--زيارات قاعات المحكمة والتدريب الخارجي.
- المكتبة وتكنولوجيا التعليم: إعادة تجهيز المكتبة القانونية.
كما تعاقدت الحكومة الامريكية مع إدارات عامة أخرى ومنظمات غير حكومية للقيام بأنشطة ذات صلة خلال السنوات الثلاث الأولى بعد الحرب فقد مولت مختبرات سانديا (SNL) التابعة لوزارة الطاقة لتنظيم ورش عمل حول السلامة والأمن البيولوجي بالتنسيق مع مركزهم (CMC) الممول في الأردن. كما دعمت المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا (ASTF) ومقرها الإمارات العربية المتحدة لتنظيم ثلاث ورش عمل في عمان لتطوير المقترحات البحثية المقدمة من الباحثين العراقيين والتي كانت واعدة في مراحلها الأولية ومع ذلك، كانت النتيجة مخيبة للآمال بسبب عدم استجابة الممولين الدوليين.
اما مؤسسة البحث والتطوير المدنية الأمريكية (CRDF-Global) فقد حصلت على تمويل لإقامة عدد من الندوات في الأردن في مجال الأوبئة والامراض المعدية .. كما أدارت مشروع مكتبة العراق الافتراضية للعلوم (IVSL ) والمتضمن توفير الاف الكتب والمجلات العلمية لكن المشروع واجه مشاكل عدم استقرار الكهرباء وضعف خدمة الانترنت. كذلك دعمت المؤسسة مشروع الحمض النووي الجنائي والذي نجح في الحصول على تمويل امريكي وبريطاني بالتعاون مع جامعة النهرين التي استضافته في عام 2009.
وباستثناء المشروع الأخير لم تتضمن البقية دعم مختبرات في تخصصات علمية اساسية وبالرغم من ذلك كافحت معظمها من أجل البقاء خلال السنوات الأولى بعد الحرب ثم تلاشت في نهاية المطاف مثل الكثبان الرملية، فيما عدا ورش عمل الأمن العلمي والتي استمرت ربما لهدف المراقبة والمتابعة أكثر من تقديمها دعما ماديا ملموسا لمراكز البحث العلمي.
ومن ناحية أخرى كان هناك دعم محدود جدا من المنظمات الدولية للأكاديميين بعد الحرب فقد ارتبطت مبادرة “عراقيون يعيدون إعمار العراق" ببرنامج المنظمة الدولية للهجرة (IOM) حيث وظف المشروع الذي استمر لمدة عام واحد فقط (2006) أكاديميين في الخارج للعمل في إحدى الجامعات العراقية لمدة ستة أشهر، قابلة للتمديد إلى سنة واحدة والتحقوا بالجامعات الشمالية فقط لأسباب تتعلق بالسلامة.
ومن بين المبادرات الأخرى القليلة، مشروع منظمة اليونسكو المعنون “الشبكة الجامعية الدولية للعراق - IUNI" الذي سعى إلى نقل التكنولوجيا وتوحيد برامج التدريب حيث كان المشروع يأمل في إنشاء ثماني شبكات جامعية في تخصصات ادارية مثل الحوكمة والإدارة، وتطوير المناهج، والجودة والاعتماد، والتقنيات الجديدة والتعلم عن بعد، وترتبط هذه بالمؤسسات الدولية للوصول إلى الموارد مثل الدورات والأوراق البحثية والمكتبات الإلكترونية وما إلى ذلك. وأعرب المخططون عن أملهم في أن يشجع المشروع أيضا "كسب الأدمغة" من خلال تعزيز تعاون المغتربين مع نظرائهم في الجامعات العراقية.
وعلى الرغم من أن مبادرة اليونسكو أثارت حماس العديد من البلدان، فإن هذه لم تنظم سوى حلقات عمل صغيرة الحجم وزمالات قصيرة الأجل فيما كانت مشاركة الشركاء الرئيسيين للغزو الأمريكي، مثل إنكلترا وبولندا واستراليا وغيرها، منخفضة بشكل مخيب للآمال.
والخلاصة فان معظم مشاريع إعادة الاعمار وإعادة التوجيه الممولة من سلطة الاحتلال سادت لوهلة ثم بادت وفشلت في وضع أساس لتعاون علمي جاد، فيما استفادت منها المؤسسات والجامعات الامريكية على حساب المؤسسات العلمية العراقية، لكن المدهش انهم اكتشفوا ان العلماء العراقيين كانوا مثل غيرهم من الموظفين يعملون بموجب أوامر إدارية وتعليمات تصدرها مؤسساتهم ولاداع لإعادة توجيههم...!
568 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع