الشعوب تسأل وعلى الدول أن تجيب

د. علي محمد فخرو

الشعوب تسأل وعلى الدول أن تجيب

حاولت المرة تلو المرة أن أجد مبرراً مقبولاً واحداً للتعامل السكوني شبه اللامبالي من قبل تجمعات قادة الأمتين العربية والإسلامية، بشتى صورها ومستوياتها، تجاه المشهد المأساوي الكارثي المبكي لعذابات وموت عشرات الآلاف من أطفال ونساء وشباب غزة المحاصرة المجوعة المدمرة المحترقة المسحوقة في كرامتها وحقها في الوجود.

حاولت أن أجد في كل قواميس الدنيا كلمة واحدة، وفي كل اقوال حكماء الدنيا قولاً واحداً، وفي كل ديانات البشر ديناً واحداً يستطيعون تفسير أو تبرير رد هذا الفعل المحير الذي تمارسه مجتمعات دول العرب والمسلمين، يوماً بعد يوم وأسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً بعد شهر، وقريباً سنة بعد سنة، دون أن تظهر ما تتطلبه الأخوة أو المروءة أو حتى النخوة الإنسانية، ودون أن تخاف أن تحلُ بهم لعنات الله وملائكته فيصبحوا على ما فعلوا ويفعلوا نادمين.

أسأل نفسي يومياً: كيف يستطيع المسؤولون عن الذود عن وجود وكرامة الأمتين أن تغمض أعينهم في كل ليلة دون أن تلاحقهم أشباح عذابات غياب الالتزام العروبي والإسلامي والخلقي، ودون أن تمتلئ نفوسهم وقلوبهم وعقولهم بأصوات الاستغاثة والأحزان لفقدان الأم والأب والإخوة والأبناء والجيران التي تطل عليهم يومياً، بل وفي كل لحظة، عبر شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، وعبر دموع القلة الصحافية الشجاعة وهي تصف ما ترى وما تسمع يوماً بعد يوم دون أن ترى أو تسمع أية استجابة تكون أكثر من كلامية أو استجدائية عابرة.

أسأل هذا العالم كله، بغضب يائس وباستغراب بائس: ما فائدة مئات مواثيق واتفاقات العهود والحقوق الإنسانية بشأن حماية الطفولة ومنع الأذى عن المرأة، وبشأن معاقبة المجرمين القتلة الدوليين إذا كانت جميعها صماء بكماء لا تسمع أنين الضحايا المدنيين المسالمين وهي تصرخ في وجه المجرمين وتوقفهم عند حدهم؟

أهو الخوف المريض المذل من قبل البعض من ردود أفعال أميركا هو الذي أوصلنا إلى هذا؟ أم هو الخوف من بطش اللوبي الصهيوني العولمي ومسانديه في الكونجرس الأميركي؟ ثم هل يعقل أن أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، تساندها العديد من الدول غير الخاضعة للابتزازات الأميركية الشهيرة، لا تستطيع أن تجعل الكيان الصهيوني يتراجع عن جنونه وحيوانيته واستهزائه بكل قوانين الكون كله، ورفضه لكل قرار دولي حقوقي إنساني إغاثي يؤدي إلى إيقاف الجوع والعطش والأمراض والتدمير الممنهج لكل شبر من غزة وكل فرد من شعبها؟

ألا تستطيع جميع هذه الدول أن تقرر قطع كل علاقة سياسية واقتصادية وثقافية وسياحية وأمنية مع هذا الكيان في الحال إذا ما استمر الإجرام الصهيوني في غيه وجبروته؟
ألا ترى تلك الدول العربية والإسلامية أن تصرفاتها الغامضة تلك قد قادت إلى مجتمعات، هي الأخرى لا تعرف ماذا تفعل، وتقف متفرجة ومنقسمة حتى لا تجد من يجيشها لنصرة اخوتها بعد أن نجحت تلك الدول عبر السنين والعقود وعبر السطوة والإذلال في ابتلاع تلك المجتمعات، وفي تهميشها، وفي إشغالها بالخلافات والصراعات الطائفية والعرقية والثقافية المصطنعة؟

ألا يخبر المخبرون تلك الدول بأن العالم كله أصبح يسأل يومياً عن ردود أفعال العرب والمسلمين بعد أن أصبحنا في طريقنا لنكون أضحوكة واستهزاء لكل من هب ودب؟
ثم لماذا خلقت مؤسستا الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إذا كانت المؤسستان لا تسهمان في إنقاذ شرف الأمتين إبان مثل هذه المحن التي يعيشها جميع شعوبهما وهم منكسي الرؤوس وفي حيرة من أمرهم، ويسألون يومياً هذه الأسئلة دون أن يسمعوا جواباً؟

من هنا هذا الغضب واليأس اللذان تحملهما هذه المقالة وأمثالها، ذلك أنه آن للعرب والمسلمين أن يعرفوا أننا لا نفعل أكثر من إعلامهم بأن مشاعر الغضب واليأس تلك قد أصبحت نفسها مشاعر الملايين من العرب والمسلمين التي تتداول في كل مكان، وعلى قادتنا أن يحذروا من غضب الشاعرين بالذل وقلة الحيلة. فبعد الصبر مهما طال يأتي أحياناً الطوفان الكاسح المدمر، وعند ذاك لا ناجي من أمر الله. وكل ما نرجوه هو ألا يوصلوا شعوبهم إلى تلك الحالة التي ستكون كارثة على الجميع.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

528 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع