موفق الخطاب
(حب الحسين فرض عين على كل مسلم ومسلمة)
جــرى الـدمــعُ مِــدراراً يـؤَلـمُـنـِـي هـلْ يـنـفـعُ الـدمعُ بـلْ هل ينفـعُ الالـمُ ؟
اُعـالـجُ الــدمعَ لا شِـــعـراً اُعــالـجُـهُ ياأبـنَ الـبتول ٍ وهـل يوفي لـكَ الـقـلـمُ ؟
منذ ما يزيد عن نصف قرن، وعندما كنا أطفالاً لا نفقه شيئا عن المذاهب واختلافاتها ، ومناهجنا الدراسية ومنابر الجمعة للطائفتين كانت تحث على الالفة والمحبة و تتحاشى بل تخلوا من الشحن الطائفي..
فمنذ ذلك الحين تشكلت لدى الكثير من أبناء جيلنا ان الدين واحد والخلاف بين المذاهب هو في الامور التعبدية لا العقائدية ،لكنه حصلت في صدر الإسلام واقعة مؤلمة حيث قص علينا آباؤنا واقعة الطف في كربلاء الحزينة ولم نكتف بذلك لكننا اقتنينا بعض الكتب المعتدلة لنفهم ماذا حدث في حينها من خلاف مزق صف الامة.
وخير من وصف ما حدث وانهى حرب المنابر في حينها هو الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز عندما تلى قول الله سبحانه وتعالى من على منبر الجمعة من الجامع الاموي قائلا ((تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما إكتسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون))صدق الله العظيم.
لنعود بكم سادتي الى ستينيات القرن الماضي وما تلته لنقص عليكم بالحق ما عاصرناه في تلك الحقبة ،فكنا نتألم ونتفاعل معها ونصطف مع كل عاشوراء ومنذ ساعات الفجر مع مجموعة من الصبية على جانبي الطريق في بغداد ، لنحيي جموع الزوار المتوجه بعضهم إلى كربلاء سيراً على الأقدام والآخر إلى مرقدي الإمامين الجوادين عليهم السلام، عبر جسر الأئمة في مدينة الأعظمية ، لإحياء تلك الواقعة وأخذ الدروس منها والعبر، وكانت ربات البيوت يسهرن تلك الليالي لإعداد الطعام للزوار بقدور كبيرة وخاصة أكلة القيمة والتمن (الرز) التي يحرص كل بيت على ان يكون له نصيب منها ،حيث توقد تحتها النار في الأزقة منذ مغيب الشمس و هي خارج الدور لضخامتها، وكان هذا هو واجب يحرص الجميع مع كل عام على اداءه.
وبعد أن يجتاز جموع الزوار الجسر بيسر وسلام نعود إلى بيوتنا منهكين لنتفاجأ أنه يلفها الصمت و الحزن وكأن على رؤوس أهلها الطير، ولا نسمع إلا هدير المذياع الذي يبث واقعة الطف بصوت شجي يدمي القلب للراحل عبدالزهرة الكعبي، وكانت دموعنا البريئة تنهمر عند مشاهدتنا لدموع آبائنا وأمهاتنا تجري من مقلهم، تفاعلاً مع الرادود وهو يقص بغصة تفاصيل تلك الفاجعة .
ومضت بنا الاعوام سريعاً ونحن على هذا المنوال، إلى أن كبرنا وتصلب عودنا ومن خلال شبكة علاقاتنا ومقاعدنا الدراسة وحلقات العلم علمنا أن هنالك من يتعبد على طريقة أهل السنة والجماعة، ويطلق عليهم «أهل السنة»، ومنهم من يتعبد على المذهب الجعفري ويطلق عليهم «الشيعة الجعفرية أو الإثني عشرية»، لكن كل ذلك لم يمنع اندماجنا مع بعض وتزاورنا والفتنا، ومشاركة بعضنا البعض في افراحه و احزانه ، وكم من مرة ذهبنا بمعية زملاء لنا إلى كربلاء والنجف للمشاركة في الزيارة سواء في عاشوراء أو غيرها من المناسبات الدينية، وكم كانت اللحمة بيننا في أوج عظمتها ليتحفونا هم وأهاليهم بكرمهم الحاتمي وجودهم العربي.
ولا أتذكر أبداً أني شاهدت في كربلاء والنجف أو قرأت أي لافتة تمس بالسوء أي ملة و مذهب أو تنتقص من شخصية أو رمز إسلامي، ولم نسمع تصريحاً ولا تلميحاً بالإساءة إلى أي خليفة أو صحابي أو الانتقاص من شأنه ، أو قذف أمهات المؤمنين رضوان الله عليهم، لا في الاماكن العامة ولا المزارات ولا حتى في البيوت ولا المجالس، وكل ما استجد من مظاهر العنف و الشحن الطائفي حدث بعد الاحتلال و هو تطرف لا يمت إلى عقائد الشيعة المعتدلة بصلة فالحسين فدى بنفسه الطاهرة ليجمع المسلمين لا ليفرقهم.
وبعد مرحلة عمرية أخرى، وبعد انتهاء مراحل دراستنا المتقدمة وانخراطنا في الخدمة العسكرية و العمل الوظيفي، تعمقت علاقاتنا مع زملائنا واخوتنا الشيعة، وأخذت منا منحى آخر، فمنا من تصاهر معهم، ومنا من أسس لعمل تجاري مشترك، ومنهم وعلى قلتهم من لعبت بعقله الكتب الصفراء وابتعدوا عنا كلياً، لكنهم قد أبقوا على شعرة معاوية في العلاقات الاجتماعية، إلى أن حدثت الكارثة والطامة الكبرى، وسقط العراق في براثن الاحتلالين الأمريكي والإيراني.
برز عندها دور تجار الدين من الطائفتين بعد أن اندثر أو عُزل أهل العلم والدراية والاعتدال ليؤسس الحاقدون والجهلة لمرحلة جديدة ضاعت معها كل المعالم الجميلة والعلاقات الحميمة واللحمة الدينية والوطنية، فتحولت بسببهم هذه الواقعة العظيمة التي كانت نقطة اجتماع وتآلف واستذكار لقيم الشجاعة والبطولة والتضحية والإيثار لسيد الشهداء وآل بيت النبي عليهم السلام إلى حدث يؤسس للفرقة وزرع الفتنة والأحقاد والحث على الانتقام والثأر وبث الكراهية وجلد الظهور وشق رؤوس الاطفال الرضع والدماء والخزعبلات و بمناظر مقززة لا تمت لشيعة آل البيت ولا لحب الحسين بصلة،.
كذلك اعتلاء المنابر برواديد شغلهم الشاغل إبكاء الحشود وإذكاء الفتنة بالعزف على العاطفة والمظلومية والنفخ في رماد الطائفية ،و بتزوير متعمد للحقائق التاريخية وتحميل الأمة وزر استشهاد الإمام الحسين عليه السلام لشق صف المسلمين، ولا اعمم ذلك فهنالك معتدلين ينكرون ذلك بتاتا كالراحل احمد الوائلي و محمد حسين فضل الله رحمهم الله!!
وغدت هذه المناسبة طريقا معبدا لبعض سياسيي العراق وقادة كتلهم وأحزابهم ليجعلوا منها يوما مميزا ليتعاطفوا مع الناس نفاقا باللطم وذرف دموع التماسيح (وبعضهم كان الى قبل الاحتلال ملحدا او شيوعيا) متناسين ما اجرموه بحق العراق والعراقيين و تاركين وراءهم بلداً مدمراً وشعباً يئن من جور حكمهم وفسادهم ومازالوا يستغفلون البسطاء وينبشون في خلافات من وحي عقولهم المريضة وهي لا تسمن ولا تغني من جوع, وقد حطمها الشعب العراقي ورد بضاعتهم الكاسدة اليهم.
سلام عليك يا سبط رسول الله يوم ولدت ويوم فاضت روحك شهيداً ويوم تبعث حياً وسلام على آل بيت رسول الله وعطرته الطيبة.
960 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع