د. علي محمد فخرو
أحلام اليقظة العربية بشأن التغيّر في أميركا
هل لايزال بيننا من يؤمن ويرجو بأن أميركا ستنبري لمساعدة الشعب الفلسطيني على الخروج من المحنة الاستعمارية الاحتلالية التدميرية التي عاشها عبر السنوات الثمانين الماضية والتي وصلت إلى اشدّ وأقبح حدّتها في الشهور العشرة الماضية، وعلى الأخص في غزة المنكوبة؟ وهل تحمل السنوات الأربع التي ستلي انتخابات نوفمبر المقبل أي جديد أو أي بصيص أمل؟
الجواب القاطع على السؤالين هو كلا وألف كلا.
فسواء أأوصلت الانتخابات المقبلة إلى رئاسة الدولة الأميركية جو بايدن، الرجل الذي اختلطت في رأسه الأوهام الدينية مع الانتهازية السياسية فجعلته يذهب إلى تل أبيب ويعلن أنه كان ولا يزال مسيحياً صهيونياً يفخر بصهيونيته الدينية ويعتبر نفسه جندياً من جنود ذلك الوجود الاستعماري في فلسطين المحتلة، الرجل الذي لم يترك وسيلة ابتزازية أو إغرائية إلا واستعملها للترويج للمشروع المرتبط باسمه (إدماج الكيان الصهيوني الكامل في المنطقة العربية)،
الرجل الذي ادّعى طيلة عشرة شهور بأنه ضدّ قتل المدنيين الأبرياء في فلسطين بينما كان يأمر حكومته بإرسال الأموال والأسلحة بسخاء وبتصاعد في قوة الفتك والتدمير إلا ببعض التحفظات المظهرية بين الحين والآخر لحماية سمعة دولته المتراجعة ولتبرير استعمالها المستمر للفيتو لمنع مجلس الأمن من اتخاذ أي قرار بشأن إيقاف حرب الإبادة الصهيونية.
أم سواء أأوصلت الانتخابات دونالد ترامب، المطارد من قبل القوانين والمحاكم والمواجه لشتى الفضائح الأخلاقية الضريبية والنسائية، صاحب مشروع صفقة القرن الشهير، وبطل المكارم السخّية من مثل إعطاء الكيان الصهيوني كل مدينة القدس وكل الجولان المحتل وكأنها أراضٍ من أملاكه الشخصية أو سرقاته المالية الضريبية.
سواء جاء إلى سدة الحكم هذا المخرّف أو ذاك المهرّج، فهل حقاً أن هناك أملاً في حدوث أي تغيير في نظرة وعلاقة نظام الحكم الأميركي بالموضوع الفلسطيني أو بأي قضية عالقة عربية تنتظر الحل من الخارج؟
ولنأخذ، نحن العرب على الأخص، حذرنا كثيراً. فالمؤرخ الأميركي شليسنجر وصف الحكم في أميركا بأن الرئيس الأميركي يتصرّف كرئيس في داخل أميركا ولكنه يتصرف كامبراطور في خارج أميركا. لنعترف بأسف بأن تصرفه في الخارج العربي هو أكثر من امبراطور. إنه يتصرف كامبراطور دكتاتور آمر ناهٍ وكأنه يصول ويجول فوق حصان عربي جامح ليصبح نصف إله أورثه الله أرض وطن العرب ومن عليها.
إنها الصورة الكلاسيكية للكاوبوي البطل في المخيال الأميركي الذي يطلب، ثم يضغط، ثم يسحب مسدّسه ويهدّد بالتصفية الجسدية. وهي الصورة التي وصفها رئيس وزراء العراق السابق، عادل عبدالمهدي، الذي ذكر في تصريح له أنه عندما كان رئيساً للوزراء اضطرّ إلى توقيع اتفاق مع الصين ولكن في الحال اتصل به الرئيس الأميركي السابق ليطلب إلغاءها، فلما رفض أن ينفّذ ما يطلب منه توالت التهديدات من قبل ذلك الرئيس الأميركي إلى أن وصلت إلى ذروة تهديد رئيس الوزراء العراقي بالقتل إن لم ينفّذ الطلب الأميركي.
ليس الهدف هو التجريح في الشخصيتين فهذا أمر يهمّ الشعب الأميركي، لكن الهدف هو التأكيد بأن أمل البعض في تغيّر السياسة الأميركية تجاه العرب بعد الانتخابات المقبلة لا تسنده وقائع الماضي ولا ينسجم مع طبيعة الأسس التي تقوم عليها الدولة الأميركية عبر تاريخها، وهي الدولة التي قامت في بداياتها على أشلاء الملايين من ساكنيها الأصليين من قبائل الهنود الحمر واستمرت عبر تاريخها تتنقل من حرب إلى حرب ومن صراع مجنون إلى صراع أجن.
والذين يعتقدون بأن بايدن سيكون أفضل من ترامب أو أن الأخير سيكون أعقل من الأول إنما يمارسون أحلام اليقظة. وإن دولة توصف بأنها أميركا التي تقتل أميركا، أميركا التي تقتل نفسها بألف شكل وشكل، لا يمكن أن ينتظر منها أن تكون عقلانية وأخلاقية أيّاً يكون نوع الرأس الذي يقودها وأيّاً تكون نتائج انتخاباتها.
1439 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع