أحمد العبداللّه
(قنوات):أم دكاكين وبسطيات؟!
في شباط 1977 أرسلت مخابرات حافظ أسد أحد عملائها إلى بغداد بمهمة محددة, وهي تفجير(ضريح)الحسين في كربلاء في زيارة 20 صفر الشيعية. لإحداث فتنة وحرب أهلية شبيهة بالتي حصلت في 2006 في تفجير المرقدين في سامراء, ولكن إرادة الله حالت دون ذلك, وتم القبض على عنصر المخابرات المدعو(محمد علي نعناع)وتفكيك العبوة الناسفة الموضوعة في حقيبته قبل الموعد المحدد لانفجارها بربع ساعة فقط!!. وظهر(نعناع)في تلفزيون العراق وهو يشرح المخطط الإجرامي الذي تم وأده بيقظة الأجهزة الأمنيّة العراقية. وكذلك أجرى معه(حسن عليوي)رئيس تحرير مجلة ألف باء مقابلة صحفية كموضوع غلاف, وكان أحد الأسئلة الموجّهة له عن أمنية شخصية لم تتحقق, فأجاب نعناع إنه كان يتمنى أن يظهر على شاشة التلفزيون!!, فقال له(عليوي)؛ولكنك ظهرت أخيرًا. فأجابه؛كنت أتمنى أن أظهر في تلفزيون دمشق, وليس تلفزيون بغداد!!.
كان ذلك فيما مضى, أما الآن فقد صار الظهور في(التلفزيون)بمتناول من هبَّ ودبّ, ولا يتطلب الأمر سوى(جوال صيني)زهيد مربوط بخط(انترنيت), وخرقة قماش كخلفيّة, فهذه كل مستلزمات(استديو البث)!!, الذي سيوصله حالًا لمشارق الأرض ومغاربها, ويقول ما يشاء ويطرح ما يريد. وقد يحالفه الحظ فيغدو مشهورًا ويتابعه الملايين, بشرط أن يكون المحتوى المعروض هابطًا ومتدنٍّيا جدًا,لأن(الجمهور عاوز كده). وكلما كذب ولفّق وشتم وطعن أكثر.. اشتهر وربح أكثر!!.
وفي السنوات الأخيرة انتشرت(قنوات)تبث على(اليو تيوب)لساعات محددة في الليل غالبا, يوميا أو أسبوعيا, بلا رقيب أو حسيب, وغاية أصحابها الحصول على الأموال أو الشهرة, أو كليهما معا, بطريق سهل ولا نصَب فيه. وبعض هذه القنوات التي صارت(على قفا من يشيل), تقف خلفها جهات غرضها تشويه تاريخ الدولة العراقية, وبشكل خاص فترة حكم صدّام حسين, بدوافع طائفية بالدرجة الأساس.
وأصحاب هذه(القنوات),أو بالأحرى الدكاكين, يزعمون إن غايتهم(كتابة التاريخ)!!, ويدّعون إنهم ضد كل من حكمَ العراق سابقا وحاليا على حد سواء, ولكن واقع الحال يكشف هزالة وكذب هذا الادعاء. لأن برامجهم و(الضيوف) الذين يظهرونهم, لا شاغل لهم سوى انتقاد وتشويه عهد صدّام حسين فقط, ويتجاهلون ما فعل من جاء بعده من فساد وإجرام. ولا أدري من هو الأولى بالنقد والتشريح و(التفصيخ)؛عهد انتهى منذ أكثر من عشرين عاما, وقضى رجاله بين معدوم أو قتيل أو سجين, أم عهد آخر لا زال قائما ويحكم بالدجل والحديد والنار, وتضاءلت أمامه(جرائم)العهد السابق, قياسا بما ارتكبه من إجرام وآثام؟!.
وأهل هذه الدكاكين و(البسطيات), تراهم في تنافس شديد, وكل واحد منهم يسعى لتسقيط الآخر, ويقول فيه؛(ما لم يقله مالك في الخمر), وتنشأ بينهم خصومات ومشاحنات وصراعات, يكيل فيه كل طرف للطرف الآخر, ما شاء من تهم, مستخدمين مفردات نابية وخادشة للحياء, تترفع عن لفظها أفجر العاهرات. و(غراب يقول لغراب؛وجهك أسود)!!.
أما(الضيوف),فهم أيضا من هذه الطينة, فينتحلون صفات ومناصب ورتب لا أصل لها, أو مبالغ فيها كثيرا, فالـ(جايجي)سابقا, جعل من نفسه مدير عام في ديوان الرئاسة, والسائق صار مسؤولا كبيرا, وجندي الحراسة انتحل صفة كبير المرافقين, والقوّاد صار شريفا,...الخ. وكل واحد من هذه الأصناف, جعل من نفسه(أبو العرّيف),وأنه لا يخفى عليه شيء, ويعرف كل شاردة وواردة في قصور صدّام, بل وحتى غرفة نومه!!. رغم إن المطلع على دقائق الأمور في زمن النظام السابق, يدرك إن النظام يعتمد أسلوب(الغرف المغلقة), فما يعرفه هذا الموظف بحكم عمله, لا يطلع عليه غيره.
وهؤلاء المتسوّلون؛(الضيوف)مثل(المومسات)؛كل يوم في حضن صاحب (مبغى). ولـ(يمتصّ)ما لديه من(أسرار)ثم يلقيه للمزبلة بعد الفراغ منه, ليتلقفه(يوتيوبرجي)آخر, وتكرر القصة فيقوم بطرده من(دكانه)وينعته بشتى النعوت, ويتقبل(الضيف)هذه(الرزايل)والبصقات بروح رياضية عالية, فالحياء(قطرة)وليس(جرة), وهو قد فقدها منذ أن سار في طريق الكذب والتلفيق, وجعل من نفسه خادما وضيعا بتصرّف أشخاص انتهازيين ومتلونين ومنافقين.
والغريب إن أغلبية أصحاب الدكاكين والبسطيات هؤلاء وشهود الزور الذين يتفقون معهم, كانوا موظفين وأعضاء في أجهزة النظام السابق الرسمية والحزبية. فلما أشرفت السفينة على الغرق قفزوا منها, وتخلّوا عن(عمّهم),الذي كانوا يقسمون له قبلا عهد الولاء والإخلاص, كذبا ورياءا.
ومما تقدم نستطيع أن نفهم إن أحد أهم أسباب تداعي حكم صدّام حسين وانهياره بهذه السرعة في 2003, هو إن المرتكزات التي استند عليها كانت واهية ونخرها(السوس),فكثير من أذرعه وأدواته السياسية والحزبية والعسكرية والأمنية والإعلامية والثقافية, كانوا يقولون شيئًا ويضمرون عكسه, يعِدون ولا يوفون بعهودهم, يُقسمون ولا يبرّون بقسمهم, موافقون ولكنهم منافقون, يتحدثون عن المصلحة العامة ولكن همّهم مصلحتهم الخاصة, أول من يستفيدون وآخر من يضحّون, يقولون ما لايفعلون, ويفعلون ما لايقولون, صدقهم قليل وكذبهم كثير, يتحدثون عن النضال وينهزمون عند النزال, يحضرون في المكرمات ويتوارون في المُلمّات, يتجمعون عند توزيع النفيس ولكنهم يتسرّبون عندما يحمى الوطيس!!. فإذا كان الحال هكذا, فلا بدَّ أن يكون المآل هكذا. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
4751 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع