صبيح صادق
سهيل سامي نادر من بائع جواريب إلى جائزة "تميّز"
من سخريات القدر أن صحفيا وناقدا وروائيا لا معا مثل سهيل سامي نادر يضطر في الثمانينيات من القرن الماضي أن يبيع الجواريب بعد إقالته من صحيفة الجمهورية، لكن لحسن الحظ لم يقنط ولم يستسلم، وانما جابه الحياة بكل مصاعبها وآلامها، حتى فاز مؤخرا بجائزة "تميـُّز"، وهذه هي المرة الأولى التي تُمنح فيها هذه الجائزة لناقد فني، وسيشمل التكريم نشر كتابه الذي يستعرض فيه الفن العراقي وأبرز أعمال الفنانين العراقيين.
ترعى جائزة تميُّز جامعة كوفنتري، ومجلس الأعمال العراقي في الأردن، ومؤسسة الكوفة – مكية الخيرية، وشركة ديوان للاستشارات الهندسية، جامعة كوفنتري فرع مصر – جامعات المعرفة الدولية، وبون أير المحدودة، ومجلة المدينة المدورة، والميثاق العالمي للأمم المتحدة- شبكة العراق.
سهيل سامي نادر شخصية فريدة، عملتُ معه في القسم الثقافي (صفحة آفاق) بجريدة الجمهورية البغدادية من 1976 حتى عام 1978، عندما كان مساعدا لرئيس القسم محمد كامل عارف.
صديق وفي، مثقف، متواضع، بشوش، من مواليد مدينة البصرة عام 1943، خريج قسم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة بغداد. على الرغم من أنه ترك اكمال دراسة الماجستير في قسم الاجتماع، لكنه أقرب أن يكون فيلسوفا منه إلى عالم اجتماع.
سهيل من النظرة الأولى، لا يحب النقاش، لكنه يدخل النقاش والمحادثة عندما يكون راغبا في ذلك. ظاهريا يبدو شخصا عاديا، أو حتى أنه منعزل وخجول. يبتسم باستمرار للجميع، ولا يمكن لأحد أن يكتشف سعة اطلاعه وثقافته العميقة إلا بعد دخوله في النقاش معه.
ازدادت علاقتي مع سهيل، وبدأنا نتناقش في العديد من القضايا، وبدأت ألمس فيه ثقافة غير عادية. لم أعرف أنه عميق في الفلسفة إلا بعد أن تحدثت معه، في أحد الأيام، حول موضوع التشابه بين وجهة نظر المتنبي حول مبدأ القوة ووجهة نظر الفيلسوف نيتشه، لكن سهيل سامي رفض فكرة التشابه بين الاثنين، وكانت حجته أن المتنبي شاعر عليه ان يكتب شعرا يمجـّد روح القوة التي أبداها سيف الدولة، أما نيتشه فانه ينطلق من نظرية القوة التي تميزت بها المانيا، لكن سهيل كعادته، إذا اعجبه النقاش فإنه لا يتركه إلى أن يتم شرح الموضوع تماما، وبدا يشرح نظرية نيتشه، والفرق بين نظريات الفلاسفة، ويستعمل الكثير من المصطلحات في علم الاجتماع والفلسفة، فشعرت بأنني لا أعرف شيئا عن نيتشة أمام المعلومات التي أمطرني بها، كنت كلما أناقشه في موضوع ما أزداد علما.
سهيل سامي نادر يتحدث عن طفولته:
في إحدى المرات، حدّثنا سهيل سامي:
عندما كنت صغيرا، كان عندي ساعة اعتز بها كثيرا، وفي أحد الأيام توقفت عن العمل، فحاولت إصلاحها فلم أستطع، فحاولتُ وحاولت ولم أفلح، فاشتد غضبي منها، وما كان مني إلا أن أهرع إلى إلهاون ووضعت الساعة فيه، وأخذت اطرق عليها وأطرق، حتى حطمتها تماما.
يقول سهيل سامي في مقابلة له مع مجيد السامرائي:
"في طفولتي كنت لا أكاد أقف في مكان واحد دون أن أتحرك. كان جسدي يحكّني إذا لم أغير باستمرار وضعيته. حتى وأنا نائم أتقلب وأدور كأني دولاب لم أكن مريضاً بفرط الحركة، ولم أكن أهرب من فكرة أو تأمل تستدعيان السكون، بل كنت بطريقة ما أغيّر مواقع مجسّاتي الحسيّة في اتجاهات مختلفة لأتسلم إشارات غامضة منها. لعل تعليمي بدأ من قوة راكضة غامضة استولت على جسدي . . . كنت أحب الغناء والموسيقى والسينما وتلاوة القرآن أكثر من اللعب . . . عشت في شروط مخيفة، ما قلل من إنجازي الشخصي وجعلني دائم الانسحاب".
عادة سهيل في قوله: "أدور كأني دولاب"، استمرت معه في صحيفة الجمهورية، لا يهدأ على حال، له مكتب لكنه لا يتواجد فيه، يدور بين الأقسام.
معاناة سهيل سامي بعد إقصائه
في ابريل من عام 1978، أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا قضى بإقصاء أحد عشر صحفيا من دار الجماهير للصحافة، ومنهم سهيل سامي نادر. وقد أحدث القرار زوبعة مدوية آنذاك، وضلت الكثير من جوانب القرار غامضة، وشكرا للدكتور مليح صالح شكر، الذي بحث هذا الموضوع مؤخرا في مقال عميق ومهم له، بذل فيه جهود يشكر عليها، ونشره بالكاردينيا تحت عنوان: "قمع الصحفيين ومطاردتهم ، حكاية عراقية" بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر، 2024، وفيه وضّح الكثير من الجوانب الغامضة حول القرار.
استقبل سهيل سامي نادر خبر إقالته ونقله إلى وزارة المواصلات ببرود، وكأنه كان ينتظره، وكعادته عندما يجابه مشكلة ما، وحتى في أحلك الظروف، يبتسم، ولا يتفاجأ.
بعد انتقاله من الصحفية إلى وزارة المواصلات، عانى كثيرا، مما دفعه إلى التفكير بترك العراق، عام 1980، والاتجاه نحو الكويت.
سافر سهيل الى الكويت بصحبة صديقه الحميم الصحفي رياض قاسم، للبحث عن عمل هناك، ولكن محاولتهما باءت بالفشل، فعادا إلى العراق. أصيب سهيل بخيبة أمل كبيرة، وبمرور الأيام والسنين ازدادت معاناته.
فينومينولوجي
وحاول البعض التوسط لسهيل كي يعود إلى وظيفته في جريدة الجمهورية، وشاع في حينها بين المحيطين به مصطلح "الفينومينولوجيا". يوضح سهيل سامي نادر ذلك بقوله:
"حكاية أنني لست شيوعيا بل فينومينولوجي انتشرت عند بعض الأصدقاء، والغريب أن صديقاً صحفياً وناقداً، إما صدّقها بجد وإما أراد أن يدعمني من دون أن يخسر طريقته في الاعلان عن نفسه بوصفه عارفا بالأفكار، فكتب لوزير الثقافة مذكرة حاول فيها إقناعه بإرجاعي للعمل الصحفي بهذه الجملة المستنسخة من لعبتي مع حذلقاته: ( لقد أشيع عن الزميل سهيل سامي نادر بأنه شيوعي أو ماركسي لكنه في الحقيقة (فينومينولوجي ) شخصاني. .!
في تلك الأثناء كنتُ في الكويت أبحث عن عمل بعد أن قدمت استقالتي الى المؤسسة العامة للطيران المدني المنسب اليها من وزارة المواصلات، فالأحداث التي جرت لي في هذه المؤسسة يشيب لها الرأس. لم أجد عملا في الكويت، لأن غالبية صحف الكويت لا تشغل عراقيين الا بمعرفة السفارة العراقية. عدت الى الوطن أجر أذيال الخيبة، وكانت الحرب العراقية الايرانية في أشهرها الأول.
ذهبنا أنا ورياض قاسم الى مكتب الصديق الذي أراد انتزاع إعجابنا، فحدثنا طويلا عن مبادرته ومحاولته أن يزيل ظلما اقترف بحقي، إلا أن الوزير ـ سامحه الله – . . . أنهى المشكلة بضربة معلم وكتب على المذكرة: لا أوافق. !
بعد هذا التاريخ رحت أبيع الجوارب لكي أعيش".
مع الصحفي رياض قاسم
تميزت علاقات سهيل سامي بالانفتاح على الجميع، لكن علاقته الوثيقة التي تفوق التصور، أوعلاقة الأخ بالاخ، كانت مع الصحفي رياض قاسم. يصف حمزة مصطفى هذه العلاقة بقوله:
"من أبرز هذه الشخصيات صديقه الأثير المرحوم رياض قاسم الذي عاصر هو الآخر زمن الإنقلابات. لكن بقدر ماتعامل سهيل مع الأنظمة والأشخاص من منطلق سوء الحظ فإن قاسم كان سلاحه في الرفض أو القبول هي ضحكته المجلجلة. صحيح أن سهيل تقاسم مع رياض قاسم الضحك والسخرية من الناس والأشياء والأنظمة والأيديولوجيات لكن بدا قاسم هو المعادل الموضوعي لسلسلة الآم وشكاوى ومحن سهيل. أما الشخصية الأخرى التي كان لسهيل وقفة جدية معها هو صديقه فخري كريم صاحب مؤسسة المدى الذي وقف مع سهيل في أخريات أيام سوء حظه، لاسيما حين إنتقل سوء الحظ من السياسة والأيدولوجيا والصحافة وتقلباتها الى الأمراض التي لاتنفع معها لامبالاة أو سخرية الإ من أتى الطبيب بـ "جيب سمين" لا قلب سليم.
تعلـّق سهيل ببغداد
تعلُّق سهيل ببغداد يفوق الوصف، وهو يفخر بأنه ابن بغداد: "أنا ابن بغداد أعرفها شبرا شبرا .. لا أضيع بدرابين وشوارع مدينتي، بل ضيعني وطن تحكمت به الدكتاتوريات واللصوصية والطائفية!".
الهجرة
بمرور الزمن، ضاقت بسهيل السبل أكثر من السابق، واقتنع بأنه لابد له أن يترك الوطن، فاتجه صوب دمشق ثم عمان، وهناك التقى بمجموعة من العراقيين، ومنهم صديقه الصحفي سلام مسافر الذي يصف لقاءه مع سهيل في عمّان بالشكل التالي:
"كانت فرحتي لا توصف بلقاء سهيل سامي نادر، واقامته في عمّان فتضاعفت حاجتي الروحية لزيارتها مرات ًومرات.
كان سهيل سامي نادر، ولا يمكن كتابة الاسم الا كاملا؛ لأنه جرس موسيقي لا يجوز حذف رنة واحدة منه، لم يتغير منذ هجرت بغداد، حتى ملامحه بقيت طفولية وكأن عوادي الحروب والحصار لم تمر عليه ولم يفقد ذكاءه الأخاذ، ولا البريق في العينين الواسعتين الناضحتين وقاحة طفولية ، وحين يقهقه سهيل سامي نادر تخبو عيناه مثل عصفور مشاكس ينتظر القفز من عَلِ... مع معرفتي باحوال سهيل سامي نادر، لكني لم اسمعه يشتكي من العوز، او كان يسعى لاستثمار وضع اللاجيء في الحصول على مساعدات من المنظمات الدولية، أو من وكلاء المعارضة العراقية مثقلي الجيوب لقاء تقارير ملفقة عن العراق؛ كانت الاستخبارات الامريكية بمختلف فروعها تعرف انها كاذبة ولكنها تستخدم ذريعة لحصار العراق وتاليا لغزوه واحتلاله"..
وأخيرا انتهى المطاف بسهيل سامي نادر مقبولا كلاجئ في الدنمارك عام 2006، وهناك أقام تيار الديمقراطيين العراقيين في الدنمارك أمسية ثقافية فكرية على شرفه في بيت الثقافة بكوبنهاكن بإدارة الكاتبة دنى غالي.
عندما يسأله الصحفي عبد الجبار العتابي، بعد استقرار سهيل بالدنمارك:
" ـ ما الذي دفعك الى أن تتغرب وتقتلع جذور نفسك من وطن أحببته كثيرا؟
يجيب:
ـ انها نفس الأسباب التي جعلت الالاف من العراقيين يتغربون. هل تريد تفاصيل؟! هذا يعني أن اكتب رواية.
وعن سؤال: هل ما زلت تشعر باليأس يا شيخ اليائسين أم ثمة أمل منحته لك الغربة؟
يجيب سهيل:
ـ من يبني أملا على البطرياركيات العربية لا يعرف شيئا: هذا ما اتذكر انني قلته مرة، يأسي قديم، لكني لا أنصح باليأس ولا بالأمل، بل بالاجتهاد والمعرفة. الغربة لا تمنح الأمل. في الغربة أنت لاترى ما تراه بل ما أنت تعتاده أو أنت تصارعه. وقد لا ترى شيئا أبدا!
وحول سؤال آخر:
ـ بين ليل بغداد وليل كوبنهاكن أين يستريح فؤاد سهيل سامي نادر؟
أجاب سهيل:
ــ ليل بغداد كله تهديد، وليل كوبنهاجن يدعني أعتقد انني في مكان فضائي، وأنني لست.. لا أدري ما هو.. لست.. إنك لا تعرف ما هو هذا الذي يضعك في حالة نفي أو تبدد أو عدم يقين .. لعله هو نفسه النفي والتبدد وعدم اليقين".
محمد كامل يتذكّر صديقه سهيل سامي
بعد أكثر من ثلاثين عاما، يتذكر محمد كامل عارف صديقه القديم، بمناسبة إصدار سهيل سامي نادر روايته "المريض العراقي"، يقول:
"الوعي الشقي" عبارة الفيلسوف الألماني "هيغل" ترددت في ذهني ما أن تعرفت إلى الكاتب العراقي سهيل سامي نادر. كنت في مطلع سبعينيات القرن الماضي أبحث عمّن يساعدني في إصدار صفحة "آفاق" الثقافية في "الجمهورية"، وأصبح سهيل زميلي حتى أبريل عام 1978 عندما صدر قرار "مجلس قيادة الثورة" في العراق بعزلنا سوية مع 11 صحفيا، ضمن ما سُميَت "حملة تبعيث أجهزة الإعلام والتعليم". بقي سهيل في العراق يتدبر أمره مع "الوعي الشقي"، وغادرتُ أنا أتدبر أمري...وبعد ربع قرن، التقيتُ وزميلي سهيل في العراق دون أن نلتقي؛ هو يصور العراق من الداخل، وأنا من الخارج. وأُبيحَ دمُ كلينا؛ أنا لأن كتاباتي تُحمّل المحتلين مسؤولية الكارثة، وهو لأن كتاباته تُحَمِّل العراقيين المسؤولية. وكأنني الذي نجا عندما غادر زميلي بغداد حين سجّل العراق في عام 2006 الرقم القياسي العالمي في عدد قتلى الصحفيين. وانتظر بفضول إبداعات «الوعي الشقي» في بلده الجديد؛ الدنمارك، أسعد بلدان العالم، حسب الأمم المتحدة".
سهيل سامي يحدد اتجاهه الفكري
يحدد سهيل اتجاهه الفكري من خلال مناقشته لأحد خصومه: " فهمت أنك تعتقد بأنني شيوعي أو ماركسي، لكنني – والله - لست شيوعيا ولا ماركسيا ، انا فينومينولوجي. لكن لو سألتني ما الفينومينولوجيا فلن أجيبك لأني لا أعرف ما هي! . . . بعد شهور صدر قرار مجلس قيادة الثورة بنقلي انا ومحمد كامل عارف الى وزارة المواصلات مع عدد من صحفيي الجريدة المحترفين، فتأكد حدسي عن زماني السيء!.
سهيل يستعيد نشاطه
سهيل سامي نادر، على الرغم من كل المآسي التي مر بها، فإنه استطاع استعادة نشاطه، واستمر في الكتابة، واستطاع ان ينجز أعمالا مهمة جدا وناجحة.
نشر سهيل سامي نادر العديد من المؤلفات، ففي عام (2007) أصدر روايته "التل"، يقول عن روايته، هذه في مقابلة له مع عبد الجبار العتابي:
"هناك مصادر واقعية شكلت خبرتي في الآثار التي استعدتها في رواية التل، وهي عن تل أثرى كما تعلم. في عام 1976 قضيت عشرة أيام بصحبة الآثاريين في الحملة العالمية لإنقاذ آثار حمرين، وهناك تعرفت على نحو تأملي على خط الملامسة الرهيف ما بين أرض وسماء، وعلى خط الحياة الذي يتابع خط المياه، وعلى خط الموت الموازي لهما . . . الرواية تحلل المشروع الصوفي للقرن الرابع الهجري، وترى فيه مشروعا سياسيا فاشلا، بالرغم من شرفه وثروته الروحية والتعبيرية. منذ نحو عشرين عاما صغت فكرة غامضة التقيت بها وأنا أتأمل لوحة لشاكر حسن تمثل شرخاً في جدار، سميتها خط هرب. كان شاكر حسن واحداً من المعلمين الكبار في صدوع القلب والجدران والمعارف المقلوبة على رأسها. في رواية التل تجد خطوط هرب مثل هذه، مع شوق كبير للحرية".
وعن هذه الرواية، رواية التل، كتب بندر عبد الحميد يقول ان سهيل سامي نادر:
"محاصر بالكآبة الوطنية ومنشغل بالتوازن مع الرعب، يلوذ بالقلم والورق لفتح نافذة في الجدار المعتم للتنفس والتواصل مع العوالم المضيئة، ومن هنا طلعت روايته الفريدة "التل" عن دار المدى. تجري الرواية على لسان الكاتب - الراوي، وتبدأ بفعل اقتحام، هو جزء من أشكال الاقتحامات التي يمارسها هو، الرجل الخمسيني الذي يقود بعثة أثرية محلية، في مهمة صعبة، للكشف عن "تل الزعلان" في أطراف الصحراء، ومعه نماذج بشرية مختلفة في الوعي والإيقاع والمزاج . . . تدور حوارات أخرى بين الراوي وزملائه في موقع العمل قرب التل عن جدوى الاستمرار في مناطحة هذا التل، وعن جدوى نبش التاريخ، ومعنى الموت والحياة، وعن مصائرهم الشخصية، ثم هل يستطيع أي اكتشاف في جوف هذا التل أن يغيّر ما هو ثابت ومكتوب في تاريخ هذه المنطقة، وماذا يعني ذلك؟".
ويذهب المهندس الدكتور خالد السلطاني، وهو من أصدقاء سهيل إلى أن:
"إن كثيراً من الكتب الفنية المنشورة في العراق وفي خارجه، التي تتناول الشأن الثقافي العراقي، كان لسهيل سامي نادر اليــد الطولى في تهيئتها وتحريرها ونقدها وتقديمها للمتلقي على درجة عالية من المستوى المعرفي والثقافي المرموقين، هذا بالاضافة الى ما يصدره سهيل من كتب مهمة، تعاطت مع انشغالات الهم الفني المحلي، وتجاوزته الى الشأن الادبي (لسهيل رواية بعنوان التــل)، وهذه الاصدارات، مثلها مثل الدراسات الفنية التى تناولت الحراك التشكيلي العراقي، والتي كتبها في اوقات مختلفة وعبر سنوات عدة، لهي سجل حقيقي وموثّق لما دار في اروقة الفن العراقي والثقافة العراقية، لقد كتبت، مرة، عن أحد المثقفين العراقيين، وأهميته في المنجز الثقافي العراقي، لكنه مثل سهيل، تجاهله الوطن وتناساه، وارى، ما كتبته وقتذاك، ينطبق أيضاً وبصدق على سهيل. أُعيد، على مسامعكم، ما قلته، وما ينطبق على سهيل".
وفي عام 2013، كتب سهيل "الخشن والناعم"، ثم في عام 2016 أصدر كتابه: "شاكر حسن آل سعيد، سيرة فنية وفكرية"، وفي عام 2020 أصدرمذكراته التي صدرت بعنوان "سوء حظ". يقول في مقابلة له مع معد فياض:
"أنا أقول الحقيقة هنا، اني كتبتها وكأني اتحدث مع صديقي الراحل رياض قاسم، وكأني أواصل ما انقطع.. كتبت تلك الفصول وأنا استمع تلحيناته ومبالغاته وهو يعيد حكاياتي نفسها بطريقته الخاصة، مع كركراته التي افتقدها".
يذهب شاكر الأنباري الى أن أهمية مذكرات سهيل سامي "سوء حظ" تأتي: "لرصدها فترة طويلة من حياة البلد الصحافية، والفنية. تبدأ من الستينيات وتمتد حتى هجرته النهائية إلى البلد الإسكندنافي البارد في عمر سبعين عاماً، مر عليه خلالها عدد من الرؤساء وهو في مهنته المتقلبة المتوترة".
ويرى معد فياض أن سهيل سامي في "سوء حظ": "يفضح معاناته مع مهنة الصحافة ومخاطرها وتقلباتها وما تعرض له من اعتقالات وتهديدات واختطاف ومحاولات اغتيال وتهميش، وهي حقائق موثوقة تمثل تاريخ الصحافة والصحفيين العراقييين، وضمن هذا البوح والسرد يستعرض التاريخ الراهن للعراق في اول كتاب من نوعه".
في عام 2023، أصدر سهيل سامي روايته "حي 14 تموز"، وعنها كتبت الناقدة والروائية دُنى غالي:
"الكاتب والصحافي العراقي سهيل سامي نادر (1943) أنقذ عقوداً من هذا العمر بتأريخها في روايته الجديدة "حي 14 تمّوز" (دار المدى، 2023)، والتي يُشير عنوانها إلى الحيّ البغدادي، مكان الحدث الذي انطلق منه السارد ليتمّم حكايات صِبْية يطلّون على أرواح بعضهم البعض عبر مقاطع سردية مُعنونة، تبدأ بالمراهقة والمحلّة والمدرسة، وتلتفّ مجيئاً ورواحاً حول أساسات هؤلاء الصبية الاجتماعية بإيقاع موسيقي ضمني، وبلغةٍ رشيقة تتحدّى مناعتها عبر ضربات قوية وناعمة، وبجُمَلٍ ذكية مختزلة تُفصح عن غنى التجربة، نتابع مصائر الشخصيات، حين يطبق على المجتمع ظلامُ نظامِ الحزب الواحد وسياسة الحروب التي جرى انتهاجها في "المؤانسات" ومِن ثمّ "المراثي"، وهما قسما الرواية التي فصّلت مجريات الحرب وما انتهى إليه".
وصدر له مؤخرا "الريفيرا العربي وحمّى النجمة"، روايتان، عن دار المدى، 2024. وفي هذا العام أيضا، أصدر الكاتب هاشم مطر كتابا عن سهيل سامي نادر بعنوان: قطوف التجربة، نقد النقد في أدب سهيل سامي نادر، وصدر عن دار قوس قزح/ كوبنهاغن.
سهيل سامي نادر نسيج وحده، علما وثقافة وأخلاقا، يحب الخير للجميع، وله فضل كبير على كثيرين، ومنهم أنا، يبادر باستمرار لتقديم المساعدة للآخرين قبل السؤال.
1176 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع