عادل شهاب الأسدي
قراءة في كتاب - بين الرمل والماء ..البصرة في عيون المؤرخين
تتسم مدينة البصرة بأنها الأم الحانية على أبنائها ؛ لا سيما وهي تغفو على ضفتي شط العرب ، فيشعر ابناؤها بشريان الحياة الذي يجري وسط المدينة ، من هذا المنطلق جاء تعلق الناس بهذه المدينة التي كحلت عيون قراء التاريخ الإسلامي بعطائِها الفكري واللغوي والفلسفي فهي تستحق أن تكتب عنها ملايين الكلمات وآلاف الكتب ، لأنها أعطت الكثير ، وقد حان زمن الوفاء لهذا العطاء ومن هنا فقد انبرت أقلام وفية لمدينتها لتسطر أجمل الكلمات وأرشق العبارات ، واصفةً إياها بما يليق بها من عطاء ..
الأستاذ الأديب المترجم والصحفي محمد سهيل أحمد واحدٌ من أبنائها الأوفياء الذين ساهموا بالكثير من الكتابات تناولت أرث وتراث وتأريخ هذه المدينة العظيمة ، وآخرها سلسلة ( البصرة تأريخ عريق وثقافة متجددة ) التي رعتها وتبنت طباعتها محافظة البصرة . فظهر كتابه الأنيق الذي يحمل عنوان ( بين الرمل والماء .. البصرة ..صور وحكايات ) في ست وتسعين صفحة . وهذا الكتاب يرصد تأريخ البصرة المعاصرة من خلال الصور الفوتوغرافية التي زينت الصفحات الأخيرة منه والمشاهدات والمعايشة الشخصية .
والكاتب يؤكد ذلك قوله". وسوف يلاحظ القارئ أن جل اعتمادي عبر هذا الكتاب ينصب بصورة أساسية على الصور الفوتوغرافية التي التقط معظمها مصورون ومصورات زاروا بلاد الرافدين في فترات مختلفة "
وعلى الرغم من أن المؤلف محمد سهيل يحمل كما هو واضح أنين البصرة ومعاناتها ، ولكنه يرى المدينة مثل كائن حي تتفتح مثل وردة ثم ما تلبث أن تذوي ، وقبل أن تلفظ أنفاسها تلد مدينة أخرى ، كما يشير في مقدمة كتابه الذي كتبه بلغةٍ عاطفية لا تخلو من مشاعر الحرقة والأسى على ماضٍ تليدٍ وحاضرٍ هو أقرب إلى التلاشي !
اشتمل الكتاب على قسمين ومقدمة ، ضم الأول عشرة فصول ، فيما جاء الثاني تحت عنوان ( متفرقات ) وفيه إثنتا عشرةَ فقرة .. هذه هي خارطة الكتاب ومنهجه الذي خُتِمَ بمجموعةِ من صورٍفوتوغرافية اختزلت حقبة من تأريخ البصرة الحديث .
ان قارئ هذا الكتاب يجتذبه كل شيء فيه بدءاً من العنوان الذي تشكل من مقطعين المقطع الأول ورد كشبه جملة ( بين الرملِ والماء ) والمقطع تمثل بجملة أسمية ( البصرة صور وحكايات ) ويبدو أن الكاتب اختار العنوان بعناية فائقة ، حيث أن كلمة البصرة التي أريدَ لها أن تبرز بشكلٍ واضحٍ ، وضعت في منتصف العنوان وشطرتهُ الى جملتين ، وتميزت عن سائر العنوان بأن اعجامها (نقاطها) جاءت باللون الاحمر وبخط مغاير لوناً وحجماً ،كذلك صورة الغلاف على الرغم من أن ثيمتها تقليدية لكنها جاءت لتفي بالغرض وتحقق الهدف.
ما يلفت النظر أيضا أن العنوانات الفرعية للقسمين كتبت بلغة وأسلوبين صحفيين أي انها اشتملت وضوح اللغة وعنصر الإثارة،بيد أن المحتوى كُتِبَ بلغةٍ أدبيةٍ عالية ما يمنح القارئ انطباعا أن المؤلف جمع بين مهارة والصحفي ورهافة الأديب ..
ومن الجدير بالذكر ان الكتاب اشتمل على معلومات واسعة أحاطَ مؤلفه بموضوع والصور والمصورين الذين أَرَخُوا للبصرة من خلال صورهم ، وما ذُكِرَ من أسماء يدل على أن البصرة حظيت باهتمام الفنان كما حظيت باهتمام المؤرخ والأديب وربما اهتمام المصورين له ما يميزهُ كونها اقترنت بأسماءٍ لامعةٍ اتصفت بالمهنية العالية أمثال المصورة الفرنسية ( هيلين روجر ( غاليري روجر - فيوليه العام للتوثيق الفوتوغرافي ) التي زارت العراق عام 1964 وخصت البصرة بزيارةٍ أوائل الستينيات فصورت شارع الوطن ونهر العشار وباصات الخشب والمقاهي الشعبية ، كذلك المصورة الحربية ( فرانسوا دي ميليدي ) التي غطت انتفاضة عام 1991 ومدن عراقية أخرى ..
وهكذا يرصد لنا الكاتب الأديب والصحفي محمد سهيل أسماء أشهر المصورين العالميين والأماكن التي تم تصويرها والتي تمثل أبرز معالم المدن العراقية بشكل عام والبصرة بشكلٍ خاص فنرى صورا للجسور والأنهر والقناطر وأبرز الأسواق والأمكنة والمحلات السكنية القديمة مثل ( المناوي،السيمر وغيرهما والشواخص والشوارع والمدارس والمصارف والسينمات .. كل ذلك جرى بلغةٍ رشيقةٍ وربما نستطيع القول ان أهمية الكتاب تكمن لا فيما احتواه من معلومات مهمة حسب ، وإنما إلى جانب ذلك لغة الكاتب المميزة والسلسة وورود مجموعة مهمة ونادرة من اللقطات الفنية لمصورين عالميين تميزوا بالشهرةِ والمهنية أسبغت على الكتاب اهمية توثيقية كبرى لمدينة كالبصرة الفيحاء .
ختاماً يمكن أن يُعد الكتاب أثراً نفيساً ومرجعاً ومصدراً يضاف إلى ارشيف المصادر الذي يوثق جانبا منسياً من تأريخ هذه المدينة العريقة .
459 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع