د. صبحي ناظم توفيق
خبير إستراتيجي وعسكري... دكتوراه في التأريخ"
24 نيسان 2025
عَوْدٌ إلى واقعة هروب الطيار العراقي "منير روفا" إلى إسرائيل
أول الكلام
يوم 17 شباط/فبراير 2017، تكرّم عليّ موقع "الكاردينيا" الموقّر بنشر مقالة مَحّصتُها من بحث رصين ومعمَّق وحيادي كان قد أعدّه صديقا العمر "العميد الطيار الركن محمد طارق سيد حميد" و"اللواء الركن زياد طارق جاسم" بتكليف من جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا حول أسرار وحقائق عن هروب الطيار العراقي "منير روفا" بطائرته المقاتلة "ميك-21"... هذا الحدث الجَلَل الذي يبدو أنه لا يفارق الأذهان والضمير والوجدان، وأثار الكثير من الإرهاصات والتساؤلات والإستفسارات والشكوك والظنون التي إنهالت عليّ بين حين وحين، حتى أثارني الزميل الأستاذ "سعد قاسم المفتي" المثابر والمتابع لأحداث العراق، وإستذكر الحدث المُدرَج في تلك المقالة وإهتمّ بها ووجّه لي ستة إستفسارات معمّقة ولو بعد إنقضاء 8 سنوات على تداولها!!!
طيار إسرائيلي يقف مُفتَخَراً قرب الـ"ميك-21" وسط قاعدة "حاتزور" الجوية، بعد ضَمِّها لصفوف الطيران الإسرائيلي، وتثبيت "نجمة داوود السُداسيّة" عليها.
الـ"ميك-21" المُزدانة بـ"نجمة داوود السُداسيّة" وسط متحف الطيران الإسرائيلي،
واليوم وددتُ نشر رسالة الأستاذ "سعد فاسم المفتي" وإستفسارته الستة في صفحات هذا الموقع الأغر وإجاباتي نحوها، عسى أن يكون إعماماً يَفيد متابعي أحداث العراق المعاصر .... وفي أدناه نص رسالتي الجوابية:-
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الأستاذ سعد قاسم المفتي المحترم
تحية لشخصك العزيز والمتابع لأحداث العراق ومنطقة الشرق الأوسط المبتلاة بالحروب والصراعات والنزاعات التي لم تهدأ منذ قرون، بل منذ آلاف السنين... مع وافر الإفتخار بأن توجّه لي إستفسارتك عن حدث جَلَل فرضت أوزارها سنة 1966، وهزّ العراق في عهد الرئيس "الفريق عبدالرحمن محمد عارف" وأحرَجَه شخصياً أمام الإتحاد السوفييتي الصديق إلى جانب الأشقاء العرب.. وكيف لا، وقد أقدَم أحد طياري قوته الجوية على تهريب طائرة مقاتلة متقدمة من طراز MIG-21 التي كانت بمثابة المقاتِلة الأحدث والأخطر والأكفأ بين صفوف المقاتِلات العراقية المتهيئة لمواجهة الكيان الصهيوني، وكذلك لدى القوتين الجويتين المصرية والسورية.
نعم، أنا من مَحّصتُ بحّثاً رصيناً ومعمَّقاً وحيادياً كان قد أعدّه صديقا العمر "العميد الطيار الركن محمد طارق سيد حميد" و"اللواء الركن زياد طارق جاسم" بتكليف من جامعة البكر للدراسات العسكرية العليا حول أسرار والبعض من حقائق هذا الحدث الجَلَل، وحَوّلْتُه إلى مقالة نشرها موقع "الكاردينيا" الموقر مشكوراً في شباط/فبراير 2017... ولا أدري ما الذي ذكّرَك بهذا الحدث وتلك المقالة لتهتمّ بهما وتوجّه لي إستفساراتك هذه بعد إنقضاء 8 سنوات على تداولها!!!
وأود في هذا الشأن أن أوضح أمام ناظرَيك، أني في تأريخ وقوع هذا الحدث يوم 16 آب/آغسطس 1966، على ما أتذكر، لم أكن سوى ضابط برتبة ملازم مشاة نُقِلَ لتوّه -بطلبه الشخصي ورغبته- من فوج الحرس الجمهوري الأول، وإلتحق قبل نصف شهر إلى اللواء المدرع السادس المنفتح في شمالي العراق في حينه، ولم يسمع بالحدث إلاّ عن طريق نشرات الأخبار... وأنه حتى لو ظلّ في صفوف الحرس الجمهوري أو في أروقة القصر الجمهوري لما سمع بالخبر سوى عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة ليس إلاّ، كونه ليس مَعنِياً بالحدث.
لذلك فإن أجوبتي على إستفساراتك لا ترتبط بذلك التأريخ من عام 1966، إنما بمتابعة وتراكم المعلومات لديّ من تساؤلات ومناقشات مع أصدقاء متابعين ومهتمّين، وأخص منهم الطيارين، ناهيك عن عشقي للطيران ومتابعتي المُستدام لأحداثه ومتعلّقاته وأخبار الطائرات المقاتلة والقاصفة وتطوراتها طوال عمري ولغاية يومنا الراهن.
والآن فَلْنَخُضْ الحديث في أسئلتك الستة وأجيب عليها واحداً تلو الآخر:-
السؤال الأول:- لماذا لم يطلب العراق من الولايات المتحدة بعث طياريها إلى العراق لتدريب طياريه حسب السياق المتّبع سابقاً؟؟ ألم يكن ذلك أفضل وخصوصاً من حيث إشراك عدد أكبر من طيارينا في التدريب؟
الجواب الأول
في عقد الستيتيات لم تكن لدى العراق سوى قوة جوية متواضعة تحتوي بضع عشرات من الطائرات المتنوعة بريطانية وسوفييتية المنشأ، وحتى أن كلية القوة الجوية العراقية لم تكن سوى مؤسسة يتدرب فيها التلاميذ المقبولون والمُستَجِدّون في صفوفها ليتعلّموا مبادئ الطيران على طائرات التدريب الأساسي (Bsic training)، والذي بعده يتم إيفاد الناجحين منهم بصفة تلاميذ إلى إحدى كليات الطيران في بريطانيا، الإتحاد السوفييتي، مصر، جيكوسلوفاكيا، باكستان، كي يٌعَدّوا بمثابة طيارين أحداث قبل عودتهم إلى الوطن، حيث يتمّ تنسيبهم كلٌّ حسب مقدرته وكفاءته لدى أحد الأسراب المقاتِلة أو النقل أو الهليكوبترات.
لذلك ففي ذلك العقد لم يتوفّر لدى القوة الجوية العراقية معهد أو مؤسسة لإعداد طيارين متمرسين بصفة معلِّمين، بل أن أفضل أمثال هذه المؤسسات كانت متوفرة لدى دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي... لذلك فإن العراق كان بحاجة للإيفاد إلى إحداها من دون تردّد، حتى جاء العرض الأمريكي مُغرِياً بعد تحسّن العلاقات مع "واشنطن"، والتي إعتراها العديد من الشوائب بعد إنقلاب 14 تموز 1958 المشؤوم، ومَيل نظام حكم "عبدالكريم قاسم" نحو الإتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي لغاية حركة 18 ت2/نوفمبر 1963 التي جعلت من الرئيس عبدالسلام محمد عارف رئيس جمهورية متمتعاً بصلاحيات شبه مطلقة بعد أن ظلّ رئيساً صورياً من دون صلاحيات تُذكَر في عهد البعث الأول (8 شباط- ت2/نوفمبر 1963)، ليعيد علاقات العراق بالمعسكر الغربي، بعد أن ساءت العلاقات مع "موسكو" لأسباب عديدة لا مجال لذكرها في هذه الصفحات.
السؤال الثاني:- ما دور السفارة العراقية والملحقية العسكرية العراقية لدى الولايات المتحدة في متابعة الطيارين العراقيين وحمايتهم من CIA، وهي من أولى واجباتها أسوة بمثيلاتهم في الإيفادات السابقة إلى بريطانيا مثلاً.
الجواب الثاني
من حيث المبدأ ينبغي أن نعرف حقيقة كون جميع دورات الطيران، وبضمنها دورة معلمي الطيران التي أوفد إليها الطيارون العراقيون الثلاثة والذين سبقهم 4 طيارين في دورتين سابقتين، لم تكن في العاصمة "واشنطن"، بل في قاعدة "تكساس" الجوية البعيدة للغاية عن "واشنطن" بواقع 2000 كلم... ولم يكن دور الملحق العسكري العراقي هناك "العميد الركن محمد طيّب كشمولة" (آمر لوائنا المدرع السادس بعد حرب حزيران 1967) سوى الترحيب بهم في مكتبه وتسفيرهم إلى موقع الدورة، ولا أعتقد -أنه أو أحد معاونيه- كلّف أحداً بمراقبة هؤلاء الطيارين الثلاثة، وبالأخص أن الطيارين العراقيين الذين أوفدوا إلى الولايات المتحدة في دورتَين سبقتا هذه الدورة موضوعة بحثنا، قد أنهوا دورتهم من دون أية شوائب وعادوا الى الوطن بسلام... وحتى لو كانت الملحقية العسكرية فكّرت في تعقّبهم وحمايتهم من CIA والموساد، فإنها لا تمتلك القدرة على ذلك ولا يُسمَح لها وسط قاعدة جوية بعيدة، وذلك لأسباب أمنية، وحتى خارجها من جميع النواحي.
كما لا أتصور أن الملحقيات العسكرية العراقية في "لندن، موسكو، القاهرة، براغ" وسواها في دول أخرى كانت تتّبِع وتحمي الضباط والمراتب الموفدين إلى هذه الدول وغيرها، ولربما كانت ترى أن هؤلاء لو لم يكونوا شخوصاً جيدين ومتكاملين ومُحَصّنين لمَا رشّحهم قادتهم، ولما وافقت شعبة أمن الضباط لدى الإستخبارات العسكرية بوزارة الدفاع على إيفادهم إلى الخارج.
3. السؤال الثالث:- ما دور الإستخبارات العسكرية للجيش العراقي في حماية الطيار "شاكر محمود"، وإفشال خطط CIA وبالأخص بعد مقتل الطيار "حامد الضاحي" أثناء دورته في الولايات المتحدة.
الجواب الثالث
من البديهي أن لا يكون بمقدوري الإجابة على هذا الإستفسار لعدم كوني ضابطاً مُكَلّفاً لدى شعبة أمن الضباط لدى مديرية الإستخبارات العسكرية بوزارة الدفاع، أو في شعبة الإستخبارات لدى قيادة القوة الجوية العراقية في حينه أو من بعده.
وأكبر ظني أن كلتا الشعبتين لم تنظرا إلى مصرع الطيار "حامد الضاحي" في الأرض الأمريكية كونه ليس أكثر من حادث سيارة، ولم تأبها أو تكترثا به أو تعتبراه حدثاً تقف وراءه المخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية... بل تبدوان أنهما لم تكترثا كذلك حتى بمقتل الطيار "شاكر محمود" في فندق فاخر يقع في قلب "بغداد"، وإعتبرتاه جراء نزوة شبابية مع فاتنة أمريكية تعلّقت به، بدليل أن الحادث لم يُكتَشَف فور الغدر به وغيابه عن الحضور بالسرب، بل بعد أيام عديدة من إدارة الفندق حينما تصاعدت الروائح النتنة من الغرفة المستأجرة.
والمتَصَوَر -حسب قناعتي- في هذا الإخفاق الإستخباري الشنيع، هو إنشغال الإستخبارات العسكرية العراقية بالأمن السياسي للحفاظ على نظام الحكم والتشديد في مراقبة الضباط والمراتب المنتمين إلى أحزاب وحركات سياسية نخرت أوساط تشكيلات الجيش العراقي ووحداته وقواته المسلحة منذ الخمسينيات، ومن دون الإهتمام بقضايا أخرى أدنى أهمية في نظرها... وحتى أنها كذلك لم تتوفق فيها، ففي سنوات عهد الزعيم قاسم والأشهر التسعة لحكم البعث للدولة ناهيك عن حكم الرئيس "عبدالسلام عارف" لم تستطع الإستخبارات العسكرية بمعاونة دوائر الأمن الداخلي المرتبط بوزارة الداخلية من الكشف المبكر لعدد من المؤامرات المحاكة للإقدام على قلب نظام الحكم في العراق، بل إلى درجة أن "العقيد رفعت الحاج سري" مدير الإستخبارات بوزارة الدفاع في حكم "قاسم" كان قد إتفق مع عدد من ذوي رتب ومناصب حساسة كانوا قد إتفقوا مع "العقيد الركن عبدالوهاب الشواف" لقلب نظام الحكم، وعدم كشفها لإنقلاب 14 رمضان/ 8 شباط 1963، وكذلك مؤامرة الشيوعيين على نظام البعث في تموز 1963، ناهيك عن المهزلة الكبيرة في كون مدير الإستخبارات العسكرية "العقيد الركن هادي خمّاس" شخصياً إلى جانب "عميد الجو الركن عارف عبدالرزاق" رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقائد القوة الجوية في محاولتهما الإنقلابية الفاشلة بالمشاركة مع مدير الأمن العام "المقدم الركن رشيد محسن" مساء يوم 15 أيلول 1965... وعدم كشفها دخول أولئك إلى العراق خلسة عن طريق البر قبل إقدامهم على محاولتهم الثانية يوم 30 حزيران 1966... وكل تلك الإخفاقات دليل قاطع على ركاكة أداء الإستخبارات العراقية في قضايا خطيرة على مستوى الدولة!!! فكيف بها على مستويات ضباط طيارين برتب صغيرة نسبياً تعتبر بسيطة ومتدنية؟؟؟؟
ولكن ينبغي أن لا نهضم حق الإستخبارات العراقية بهذا الشأن وندني من شأنها في عقد الستينيات، فهناك العديد من الإخفاقات الأخطر والأعظم بكثير والتي عبرت أعمالهم على مخابرات دول عظمى كفؤة ومنتبهة وذات قدرات عالية، سواء أكانوا عملاء مزدوجين أو جواسيس مرتبطين بطرف واحد، يطول الحديث عنها.
وفي هذا الصدد لا ننسى عدم إقتدار أجهزة الأمن الأمريكية من رصد الشخص الذي قام بإغتيال الرئيس "جون كنيدي" في وضح النهار سنة 1963 بولاية "تكساس"... والأمثلة كثيرة لا تعدّ ولا تُحصى.
وكذلك نستذكر لجوء "قائد العمليات الجوية" لدى قيادة القوات الجوية الملكية البريطانية في السبعينيات إلى أحضان الإتحاد السوفييتي في أواسط عقد السبعينيات (على ما أظن)، والذي تبيّن كونه جاسوساً مجنّداً لصالح المخابرات السوفييتية، مهمّته الأساس عدم إبقاء أي طيار بريطاني يرقى إلى المرتبة الممتازة (العلامة A) في أي سرب بريطاني يعمل ضمن القوة الجوية التعبوية (المُصَغّرة) التي تعمل في آلمانيا الغربية تحت إمرة حلف (NATO)!!!
كما لا ننسى الجاسوس الإسرائيلي "إيلي كوهين، المسمى كامل أمين ثابت" الذي توغّل في أوساط الدولة السورية وقيادات حزب البعث الحاكم، وتصادق مع العديد من كبار الشخصيات السورية وصولاً إلى رئيس الجمهورية "الفريق أمين الحافظ"، من دون إقتدار المخابرات السورية على رصده، لغاية إنكشافه بالصدفة عن طريق السفارة الهندية في "دمشق" سنة 1966، ناهيك عن تهريب النقيب الطيار سوري "بسام العدل" طائرته المقاتلة الأحدث "ميك-23" إلى إسرائيل سنة 1989.
كما شهدت القوتان الجويتان العراقية والإيرانية لجوء طيارين مع طائراتهم كلٌ نحو الآخر، حتى أيام الحرب التي دارت بينهما في عقد الثمانينيات، وكذلك هروب عدد من الضباط العراقيين لوحدهم أو بصحبة عدد من جنودهم إلى الجانب الإيراني في خضم تلك الحرب الضروس، حتى أن قائد إحدى فرق المشاة من الجيش العراقي برتبة "عميد ركن" قد ترك مقر قيادته وسلّم نفسه للإيرانيين في قاطع "حلبجة" في آذار 1988، وعقد مؤتمراً صحافياً تهجّم فيه على النظام العراقي.
وهنا نتساءل كيف أخفقت الإستخبارات العسكرية العراقية -وهي في أوجّ أدائها خلال الحرب الضروس مع إيران- في كل تلك الأحداث الُمحزنِة والمُخزِية والمُربِكة؟؟؟!!! ولماذا نقذف باللائمة فقط على الإستخبارات العراقية المتواضعة في عقد الستينيات على عدم كشف هروب النقيب الطيار "منير روفا"؟؟
السؤال الرابع:- ما دور الإستخبارات العسكرية العراقية والقاعدة الجوية والسرب الذي يعمل فيه الطيار "منير روفا" في مراقبته والتحقيق معه بعد إغتيال الطيارَين "حامد الضاحي وشاكر محمود"؟
الجواب الرابع
لا علم لي بإجراءات الإستخباراتَين العسكرية والجوية العراقيتين في التحقيق مع الطيار "منير روفا" بعد الغدر بالطيارَين المذكورَين لكوني بعيداً عن هاتين الدائرتين، وينطبق جهلي كذلك على إجراءات "قاعدة الرشيد الجوية" التي أقلع منها "منير روفا".
أما عن إجراءات السرب 17، ففي قناعتي الشخصية أن آمِرَه لم يقدِم على شيء يُذكَر بحق "منير روفا" الذي كان طياراً ممتازاً ومحترفاً برتبة "نقيب طيار"، وهي رتبة وُسطى بين طياري القوة الجوية العراقية في ذلك العقد، بل أن "منير" كان صاحب الرتبة الأقدم -بعد آمر السرب- بين طياريه المُناط إليهم مسؤولية حماية أجواء العاصمة "بغداد".
السؤال الخامس:- ولكن كيف وافقت تلك القاعدة على تزويد الطيار "منير روفا" بخزان وقود إضافي للقيام برحلة طيران طويلة؟
الجواب الخامس
من حيث الأساس أن قيادة القاعدة الجوية لا تتدخل في كميات الوقود ولا بالخزانات الإضافية، كونها من الأعمال الإعتيادية والترتيبات اليومية، وخصوصاً أن مقر السرب 17 وقيادة قاعدة الرشيد الجوية يفترض أنهما أُبلِغا قبل يوم واحد بأن "منير روفا" لديه خطة ملاحة سيتبعها في طيرانه صباح اليوم التالي.
كما لم تتوفر نحو شخصه أية شائبة في ماضيه وحاضره من ناحية، ويستحيل من ناحية ثانية أن يجرأ أحد الفنيّين -الذين يُعِدّون الطائرات ويفحصونها من كل النواحي ويهيّؤونها للإقلاع- على عدم تنفيذ أوامر الطيار وطلباته، بما فيها خزان الوقود الإضافي، مع العلم أن المعروف عن المُقاتلة "ميك-21" صرفياتها البالغة للوقود وقصر مداها إن إكتفت بالوقود الذي يُملأ في البدن فقط.
السؤال السادس:- ما إجراءات القاعدة الجوية في متابعة رحلة طيران "منير روفا"؟ وما إجراءاتها اللاحقة بعد الشك به إن حدث؟ وما موقف قاعدة H-3 الحدودية؟
الجواب السادس
من البديهي أن من واجب السيطرة الجوية في أية قاعدة أو مطار متابعة رحلة الطيران بدءاً من حركة أية طائرة من رحبة الوقوف وصولاً إلى رأس المدرج والإيذان بالإقلاع، يليه متابعة الطائرة على شاشة الرادار وخلال الطيران ولغاية العودة والإيذان بالهبوط على المدرج لحين الوصول إلى رحبة وقوف الطائرات.
وفي الوقت ذاته دعني أوضّح لمقامكم أن برج المراقبة والسيطرة الجوية لقاعدة الرشيد هي المعنية الأساس بمتابعة طائرة "منير روفا"، وأن أي مطار عسكري أو مدني في عموم العراق مُبلّغ مُسبقاً بحركة جميع الطائرات المحلّقة طيلة 24 ساعة في أجواء الوطن وخطط المِلاحة حتى لو كانت بالعشرات... وفي موضوعة بحثنا يفترض أن كلاً من القواعد الجوية الثلاث "الرشيد، الحبانية، الوليد H-3" بالأخص كانت على علم بخط طيران "منير روفا"، أسوة بجميع الطائرات العاملة لدى القواعد الأخرى.
والآن لنفترض أنفسنا في موقع ضابط السيطرة الجوية وأفراد برج المراقبة وسط قاعدة الرشيد الجوية، وتابعنا طائرة "منير روفا" عن طريق الرادار لحين أغلاق جهازه اللاسلكي قُبَيلَ بلوغه الحدود العراقية ولم يعد يجيب على النداءات المتكررة!!! فليس أمامنا سوى الشك بأن عطباً ما أصاب اللاسلكي!!! ولمّا إختفى عن الرادار ولم يظهر أو يعود، فإننا نظن أن طائرته تعرضت لعطل أو حادث وسقطت، فما علينا سوى إخبار مقر قاعدة الرشيد والقواعد الأخرى... وهذا ما حصل في ذلك اليوم، قبل أن تُخبِر قيادة القوة الجوية الأردنية نظيرتها العراقية بأن طائرة (مجهولة الهوية) ذات إرتفاع عالٍ إخترقت السماء الأردنية بسرعة عالية وإتجهت نحو فلسطين المحتلّة قبل أن تهبط في مطار إسرائيلي خلال أقل من نصف ساعة وتختفي عن شاشة الرادار!!! وكلّ ذلك جرى قبل أن تعلن وسائل الإعلام الإسرائيلية أن مقاتلة عراقية من طراز "ميك-21" أمست من ممتلكات قوتها الجوية!!!
أما قاعدة H-3 في أقصى غربي العراق، فمن المنطقي أنها لم تحرّك ساكناً يُذكَر، فرحلة "منير روفا" داخل الأجواء العراقية لم تستغرق أكثر من نصف ساعة حتى غادرها إلى السماء الأردنية... وكذلك الحال لدى قاعدة "المفرق" الأردنية... وخصوصاً أنهما فوجئتا ولم يكن لديهم شكّ أو إخبار مُسبَق، وأن نصف ساعة في العراق ومثله في الأردن لا يكفي بشكل مطلق لتحقيق أي تقاطع مع طائرة "منير روفا".
966 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع