ملخص الموضوع الذي وددت الكتابة فيه هنا ،هو قرار حكومة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي تحويل شارع ابي نؤاس إلى مواقف وكراجات للسيارات .. وهو قرار يلغي العديد من التقاليد البغدادية المتوارثة منذ مئات السنين والتي عاشها أهل العاصمة العراقية مع هذا الشارع وطقوسه الشعبية .
وقرار الالغاء اذا ما تم تنفيذه ، فانه يلغي اولا تلك الذكريات التي عاشها آلاف العراقيين من اهل بغداد ، الذين كانوا يذرعونه ، جيئة وذهابا ، يتمشون على شواطئه الرائعة ( أيام الخير) ، ويتمتعون بدجلتهم وماؤها العذب الجاري من الشمال باتجاه الجنوب ، وستفتقده العوائل البغدادية التي ( تتعنى) له لتفترش حدائقه الخضراء عصرا ومعها سماور الشاي والكليجة وعروك التنور ، او تتسامر في لياليه المقمرة مع حب الشمس والكرزات .
سيفتقد البغداديون ، أيها السيد المالكي ، لمطاعم السمك المسكوف ونار الحطب والعمبة والطماطة والبصل المشوي وخبز التنور ، وكأنك ايها السيد المالكي تلغي تراثا شعبيا لأكلة عراقية يغور تاريخها في عمق الحضارة حيث تمتد جذورها لأجدادنا السومريين والبابليين ، انك ايها السيد المالكي تحكم بالاعدام على تراث بغدادي أصيل وعريق فالشارع الطويل سمي على اسم الشاعر العراقي ( أبي نؤاس) الذي توفي في بغداد عام 198 هجرية ، وستحكم بالاعدام على الآلاف من الناس الذين يستعملون الشارع للعبور من جسر الجمهورية حتى الجسر المعلق في الكرادة ، وكأنك بفعلتك أيها السيد المالكي قد محوت العمل الفني الكبير للنحات العراقي الراحل محمد غني حكمت ( شهريار وشهرزاد ) او كأنك كافأته بعد رحيله .
انك أيها السيد المالكي ، ستلغي أسماء عاشت مع ذاكرتنا سنوات طويلة ، منها مطاعن الخضراء والحمراء والزرقاء والصفراء ، والإناء الذهبي ، والمضايف التراثي .. وستمحوها من سجلات تاريخنا البغدادي .
انك ايها السيد المالكي ، ستوقف تعليمي لحفيدتي الصغيرة عن بغداد وتاريخها ، هذا التعليم الذي ابغي فيه تحبيب بلد آبائها وأجدادها لها ، عسى ان تعود يوما لبلدها الأم لتخدمه بعد رحيلنا ، فقد لقنتها دروسا ومعلومات كثيرة منها عن جمال بغداد ومناطقها وشواطئها الجميلة ومنها شارع ( ابي نؤاس) وهي تعرف الآن ان هناك شارعا يشوى فيه السمك المسكوف كما أشويه لها في حديقتنا هنا في كندا ، فلو عادت وزارت يوما بغدادنا ( بغدادها) ولم ترَ الشارع ، هل ستقول عن جدها بانه كان ( كذابا ) .. هل ترضى بذلك ايها السيد المالكي ؟
نعم ، انا معك أيها السيد المالكي ، في جعل شارع أبي نؤاس أكثر جمالا ، فهو بحاجة إلى حدائق وساحات كبيرة وملاعب غناء لأطفالنا ، نعم ، امنع دخول السيارات إلى الشارع ليكون منطقة سياحية يؤمها البغداديون وضيوف بغداد .. وساصفق لك بملء يدي اذا ابقيت على ذكرياتنا ، التي لم يبقَ لنا اياها في غربتنا ، وأوقفت قرار ذبح شارع أبي نؤاس.. ايها السيد المالكي .
844 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع