بين الجلادين والجهلاء يحتضر العراق ...

                                          

                          حسن حاتم المذكور

بين الطغات الجهلاء , والجهلاء الطغات , تقطع النسيج الوطني للمجتمع العراقي , واصبحت الهوية المشتركة لوثـة على قارعة ثقافة التجزءة والتقسيم واجتثاث الشعور الوطني من ذاكرة العراقيين واجبر المواطن ـــ اجتماعياً وجغرافياً ـــ على التمترس طائفياً وعرقياً داخل ثكنات الكراهية للشقيق الآخر , جغرافية سؤ الفهم والأحقاد المجانية ابتلعت فيه العقل والوعي والمشتركات الوطنية الأنسانية .

في القرن الواحد والعشرين , حيث الحاجة ماسة لتوحيد الأديان والطوائف والمذاهب والقوميات والشعوب , تذهب مراجعنا ووسطاء اخرتنا ومصادر شفاعاتنا بعيداً في عمق التاريخ الى مسافة 1400 عاماً في غابر الأزمنة , لتعيد للأنسان فصال نمط حياته واسلوب عيشه وتفكيره , تحرم وتلغي الجميل من ثقافاته والمتحضر من موروثاته وابداعاته وفنونه وفلكلوره المجتمعي , وتعيد شرعنة حجم الأحقاد واساليب الأقتتال وفنون الأبادات الجماعية , وابتكار مختلف الشعوذات التي تعيد قتل روح المرأة لتجعل من جسدها مكباً للفائض من الغرائز والمتع والشهوات والمقبلات الجهادية , ثم يجعلوا من رب العالمين ورسله وانبيائه واوليائه اختاماً تحت الطلب لتبرير مصداقية كاذبة من تخريفاتهم .
بين الطغات الجهلاء , والجهلاء الطغات , يفقد العراق تاريخه وماهيته ومستقبله , تمكنت المظالم والحروب والأحتلالات والحصارات من اعادة استنساخ شخصية العراقيين عبر مهرجانات موتهم اليومي , ارقاما مرعبة من الشهداء والأرامل والأيتام والمعوقين والمشوهين والمشردين , ورغم بشاعة المآساة, هائمون فاقدي الرشد , وهم في طريق ضياعهم , يلوحون بثقتهم واصواتهم ليؤكدوا بيعتهم لطاغية جاهل او جاهل طاغية, لا يميزون بين المظهر والجوهر والفساد والنزاهة والكذب والصدق, اعمت بصيرتهم القاب السعادات والفخامات والدولات والسماحات والحجات وابتكارات اخرى لترقع المستهلك من مركبات نقص قديمة , والتبس الأمر بين عمامة وعمامة وفاضل في دينه ومتاجر فيه , مستحسنون طعم انتكاساتهم معتصمون بذيل المتبقي من اوهامهم .
العراقيون : منهكون محبطون مستسلمون لضعفهم وجهلهم ونظام موتهم المجاني , يتساقط ريش الحميد من تقاليدهم واصالتهم وفضائلهم , يتجنبوا السؤال ويبغضوا الجواب, واكثر ما يفزعهم رؤية انحسار مساحة حرياتهم وكرامتهم وتدمير ادميتهم ورؤية وجوه لصوص المرحلة .
وجهي عملة الطاغية الجاهل, والجاهل الطاغية, لا يفصل بينهما لون قيمي اجتماعي اخلاقي , فأطار الرذيلة يجمعهما كتلة فساد ولصوصية وارهاب مليشياتي , سيخجل من رموزها التاريخ العراقي , مثلما سيخجل من شعب استطاعت تلك الرموز ان تعيد فصاله عباءة جهل على مقاسها , فاذا كان النظام البعثي , قد انهك العراق وغيب العراقيين في دهاليز دمويته وحروبه وحصاراته ومجاعاته على امتداد اكثر من خمسة عقود , فرموز النظام الطائفي العرقي القائم , تمكن في اقل من عقد واحد , ان يسجل ارقاماً مرعبة في الفساد واللصوصية , ولو سألنا ـــ كشعب ـــ اين ذهبت ثروات الوطن وارزاق الناس خلال التسعة اعوام الآخيرة , وقد دخلت خزينة الدولة العراقية اكثر من ( 600 ) مليار دولار ... من سرقها .. اين هربت واختفت .. ومجموع اللصوص التي تتستر على بعضها ... ؟؟؟؟ .
لقد دخل خزينة الدولة العراقية للأعوام التالية :
ـــ عام 2003  ( 16) مليار دولار  ـــ عام 2004 ( 18 ) مليار دولار ـــ عام 2005 ( 26 ) مليار دولار ـــ عام 2006 ( 34 ) مليار دولار ـــ عام 2007 ( 42 ) مليار دولار ـــ عام 2008 ( 70 ) مليار دولار ـــ عام 2009 ( 74 ) مليار دولار ـــ عام 2010 ( 75 ) مليار دولار ــ عام 2011 ( 84 ) مليار دولار ـــ عام 2012 قد تجاوزت الــ ( 100 ) مليار دولار ــ عام 2013 تجاوزت الــ ( 120 ) دولار ـــ وتقدر عام 2014 باكثر من ( 130 ) مليار دولار ... مضافاً لذلك الميزانية التكميلية النصف سنوية وتقدر بــ ( 20 ) مليار دولار , والمليارات من تبرعات الدول الصديقة .  ( 1 ) .
هنا يسأل المواطن مذهولاً .. اين ذهبت واختفت تلك الأرقام الخيالية من الثروات الوطنية , وملايين العراقيين لا زالوا يعيشون في ظروف ما قبل التاريخ , في الصرائف وبيوت الصفيح ومدارس اولادهم من الطين الى جانب فقدان الأمن والخدمات , محرومون من ابسط مباهج الحياة , يخنقهم الخوف والحزن والكآبة واعادة جلد الذات داخل ظلام الجهل والتضليل والأستغفال وشلل الوعي .. ؟؟؟؟ .
الأسئلة المصيرية , لا يمكن ان يسألها ويتابع اجوبتها الا مجتمع وطني , وهنا يصبح الشعب العراقي بكافة مكوناته , بأمس الحاجة للعودة الى الوطنية العراقية الجامعة, وهذا الأمر يتطلب قدر كبير من الجرأة والعقل الشجاع لوضع حد فاصل بين المجتمع المدني المؤسساتي المنظم , وبين كل ما هو طائفي عرقي مؤدلج يتطفل على مؤسسات الدولة ويدفع بها الى هوة التطرف والألغاء كوجه مخجل للعبودية الفكرية , وهنا يكون للسياسي المخلص والمثقف الوطني دوراً مؤثراً في اعادة تحرير العقل العراقي واطلاقه خارج ثكنات الطائفية العرقية والأنفلات المذهبي الأهوج , حيث النموذج العراقي الأفضل لممارسة الحريات الديمقراطية من اجل اعادة هيكلية المجتمع العراقي على اساس الأخوة والوحدة والبناء الحداثي .

( 1 )  مقال للأستاذ الكاتب سعيد البكاء ... تحت عنوان " اين ذهبت ملياراتنا ؟؟؟ !!! " نشر بتاريخ 03 / 10 / 2013 , على موقع ( صوت العراق ) .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

718 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع