السلطة لخدمة الصالح العام

د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
25.07.2025

السلطة لخدمة الصالح العام

ينبثق النظام من عقولٍ عظيمة، أولئك الذين يتقبّلون عواقب أفعالهم. كما تشمل مسؤولية القادة السياسيين طيفًا واسعًا من الالتزامات والواجبات، تجاه الشعب والمؤسسات التي يمثلونها. تُلزم مسؤولية القادة، بمعناها الواسع، بتحمل مسؤولية أفعالهم وتحمل عواقبها.
كما ان المسؤولية تعني أن كل مسؤول وضعت فيه الثقة يجب أن يكون مسؤولاً عن أفعاله ويتحمل العواقب، سواء كانت مدنية أو جنائية أو تأديبية. القائد هو شخص يتمتع بصفات إنسانية رفيعة، قادر على قيادة صانعي القرار والتأثير عليهم إيجابيًا ليتصرفوا بشكل لائق، ويخلق بيئة من الثقة والتحفيز.
علي سبيل المثال، يهتم الراعي الصالح بسلامة قطيعه ويتخذ التدابير اللازمة لحمايته من المخاطر الخارجية. فهو يُراعي احتياجات قطيعه ويرشدهم لتجنب المواقف الخطرة. إن أهم صفات الراعي هي الوفاء للقطيع. يجب على الراعي أن يكون مستعدًا لفعل أي شيء للحفاظ على تماسكه. يجب عليه ضمان السلامة والغذاء والماء لقطيعه. يُدرك جيدًا البيئة المحيطة والمخاطر المحتملة التي قد تُلحق الضرر بالقطيع. وهو يُرشد القطيع إلى أماكن آمنة ومراعي خصبة، مُتجنبًا المناطق الخطرة. لا يتردد في التدخل لمساعدة الأغنام في المحن أو لدرء الخطر. باختصار، دور الراعي الصالح هو ضمان سلامة رعيته ورفاهيتهم من خلال استباق المخاطر المحتملة وتجنبها. لنقارن الآن بين الراعي الصالح والقائد الصالح: فهو يُعدّل سياساته بما يتناسب مع أمن الوطن، آخذًا في الاعتبار التهديدات والمخاطر التي قد تعيق نموه. البلاد وإلحاق الضرر بالشعب. وهذا يتطلب استراتيجيات قابلة للتكيف لتقييم المخاطر المحتملة لحماية السكان والأراضي والمؤسسات والبنية التحتية. تُعدّ حماية السكان والأراضي أولوية سياسية لضمان الأمن الداخلي للبلاد واقتصادها. يجب على الزعيم أن يضمن الحفاظ على الاستقرار المؤسسي، والأداء السليم للمؤسسات الديمقراطية، واستمرارية الدولة تعتمد على الشفافية وموثوقية الاتصالات. لن تتحقق هذه التعديلات إلا بالتعاون الدولي لمواجهة التهديدات والتحديات السياسية المحتملة. يتطلب تعديل سياسة الأمن القومي عمليةً مستمرةً لتقييم التهديدات الخارجية وضمان حماية الأمة ومواطنيها (اختبار العصر. لاكسبريس، 2018). إن ممارسة السلطة تُعنى بالنزاهة والولاء والاحترام، ولكنها تُثير أيضًا احتمال الفساد والخيانة. من منا لم يُشكك في نزاهة الحكام وعدالتهم تجاه شعوبهم؟ لماذا هذا الكمّ من الفقر والظلم؟ أولاً، لنُدرك أن الفقر والظلم في بعض البلدان يرتبطان غالبًا بالتاريخ والسياسة، والاقتصاد، والجغرافيا. ويساهم في هذا الوضع عدم المساواة والصراعات المسلحة، وتغير المناخ، والأنظمة الاقتصادية غير العادلة.
وفقًا لتقرير أوكسفام (2024): "كان عام 2024 عامًا شكّل فيه عدم المساواة والصراع والظلم المناخي اختبارًا للضمير الجماعي. يرزح العالم تحت وطأة الحروب الخانقة وسوء التغذية في منطقة الساحل، والكوارث المناخية غير المسبوقة". هناك عوامل عديدة تُسبب الكوارث الإنسانية، منها الكفاح المسلح والحروب وانتشار العنف، مما يُؤدي إلى الهجرة القسرية. وتُشجع حالات انعدام الأمن والعنف على هجرة الفئات المحرومة قسرًا.
وخطر الكوارث الإنسانية، والعنف، كما يُؤدي نزوح السكان إلى انعدام الأمن،
والظروف المعيشية الهشة.
مما تنجم الظروف المعيشة الهشة عن مجموعة من العوامل، منها تدمير البنية التحتية، ونزوح السكان، ونقص الموارد، وانتهاكات القانون الإنساني الدولي.
كل هذه العوامل تعرّض المدنيون لمخاطر متزايدة من العنف، والجوع، والمرض، وفقدان سبل العيش. كما تُدمّر الحروب البنية التحتية الأساسية، كالرعاية الصحية الأساسية والتعليم، وتُستهدف إمدادات المياه والكهرباء بلا هوادة. هذا يحرم السكان من الخدمات الأساسية لبقائهم. إضافةً إلى ذلك، يُصعّب تدمير الطرق إيصال المساعدات الإنسانية، ويُصعّب الحصول على الرعاية الصحية الأساسية، وغيرها من الخدمات الأساسية.
باختصار، يُمكن للنزوح الجماعي أن يُزعزع البنية الاجتماعية والأسرية، ويزيد من ضعف الأسر، وخاصةً النساء والأطفال. وللنزاعات المسلحة عواقب وخيمة على الفئات الضعيفة، إذ تُسفر عن خسائر بشرية، ونزوح جماعي، وصدمات نفسية، وتفاقم الفقر.
كما ان الأطفال والنساء وكبار السن وذوو الإعاقة، معرضون للخطر بشكل خاص في هذه الظروف. وتزداد الأمراض انتشارًا، والجرائم العنيفة. وفقًا لمجلة "العلم والروح" (2022)، فإن صورة الراعي الصالح لخرافه هي في الواقع، صورة تنطبق تمامًا لمثال القيادة أو التبعية.
علي سبيل المثال، يُقارن القائد الناجح بالبطل الذي يريد انقاذ العالم، الانسان البسيط والذي يعيش حياته اليومية بدون بضخ. هو قريب من شعبه ويمكن ان يشارك هموم الناس ويساعدهم لما يكونوا في أمس الحاجة. انه ذلك الفنان الذي يتأمل لوحته ويضيف لمساته باستمرار ليصل وفقًا لاستعارته، إلى الكمال في اخلاقه وتصرفاته مع الناس. على سبيل المثال، قال الرسام الشهير بيير بونارد (1947ـ1867)، الملقب بـ “رسام السعادة": "كما تعلمون، اللوحة لا تكتمل أبدًا."
القائد أيضا فنانٌ، يفرح كلما قاد وزملاؤه وألهمهم نحو هدف مشترك. لديه رؤية واضحة للمستقبل، ويعرف كيف ينقلها إلى زملائه ويحشدهم. ان القائد يتواصل بوضوح، ويستمع بانتباه، ويعرف كيف يُكيّف رسائله مع جمهوره. في المواقف الصعبة، يُبدي مرونة، ويتفهم احتياجات شعبه، ويخلق بيئة أخلاقية وإيجابية. كما انه يساهم في تعزيز ثقافة التضامن والإنصاف والقيم الإنسانية. لو كانت هناك قيادة صادقة وموثوقة في العالم، لكنا رأينا أقل الحروب، وأقل الفقر، وأقل الكراهية، وأقل الانقسام، والمزيد من التسامح.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

791 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع