الحلقة السادسة من (الرِّحلةِ الرائدةِ للعراقيِّ الموصليِّ المسيحيِّ الكلدانيِّ القس إلياس حنا، من بغداد الى أمريكا قبل اكثر من ٣٥٠ سنة)

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 28 تشرين2/نوفمبر 2025 16:36

كتب بواسطة: د. عبد يونس لافي

عبد يونس لافي

الحلقة السادسة من (الرِّحلةِ الرائدةِ للعراقيِّ الموصليِّ المسيحيِّ الكلدانيِّ القس إلياس حنا، من بغداد الى أمريكا قبل اكثر من ٣٥٠ سنة)

لقد أُعْجِبَ صاحبُنا كثيرًا بمهارةِ هنودِ الْإنكا (Incas). وهؤلاء الهنودُ هم اصحابُ حضارة لامْبراطوريَّةٍ قديمةٍ ازْدهرت في أمريكا الجنوبية قبل وصول كولومبوس، وامْتدَّت لتشملَ دولًا مثل پيرو وبوليفيا والإكوادور وأجزاءَ من چِلي والأرجنتين وكولومبيا. لقد تجلَّت مهارة هؤلاء الهنود، في تلك الكتل الحجرية الضخمة التي صنعوها دون ادَواتٍ حديدية. ان حبَّ الاستطلاع لدى إلياس قد دفعه للقيام باسْتكشاف المنطقة، وفحص انقاض مباني ومقابر الإنكا.

وبعد اقامته التي دامت خمسةَ شهورٍ في كوزكو (Cuzco)، سافر الى مناجم الفضة في كوندوروما (Condoroma) وكايلوما (Caylloma) وهما في پيرو (Peru)، ودوَّن وصفًا تقنيًّا لطريقة تنقية الفضة التي تستهويه كثيرا.

بعد ذلك ذهب الى بحيرة تيتيكاكا (Titicaca) لزيارةِ مصهرِ الملك في چوكويتو (Chucuiti) ، وبعدها توجَّه الى پوتوسي (Potosi )، وهي بوليفيا الحالية التي تمثِّل موقعًا لأغنى مناجم الفضةِ في العالم، وتقع على ارتفاع 4900 مترٍ فوق سطح البحر، وتمثِّل المصدرَ الرئيس للفضة في العالم.

لقد قدَّم إلياسُ في تقريره وصفًا فنِّيًا مُفَصَّلًا لطرق التعدين والتكرير، وقدَّم ايضًا وصفًا دقيقًا لدار سك العملة كاسا دي لًمونيدا (Casa de la Moneda).

مكث إلياس في پوتوسي 45 يومًا، وهي مدةٌ طويلةٌ في مكانٍ غير مضيافٍ كهذا. وبعد زيارةِ الأصدقاء في چاركاس (Charcas) التي تقع في اقصى الجنوب في رحلاته، عاد الياس الى پوتوسي ثم الى ليما (Lima) عبر الطريق الساحلي.

في غياب اكْتشف أنَّه تمَّ عزلُ صديقِه نائب الملك من منصبه، وكان على وشك النفي الى پايتا (Pita)، تلك المنطقة الصحراوية التي مر بها سابقًا. لقد كانت التهمة التي وجهت الى نائب الملك هي الاختلاس. بذل إلياس كلَّ جهدِه لمساعدة صديقه المعزول، ومساواةِ زوجتِه، وتدخَّل لدى السلطات.

قبل ان يغادرَ الوالي الى المنفى، ترك منزلَه وزوجتَه في رعاية إلياس، فمكث عامًا وشهرين قائمًا بهذه المهمَّة.

وعليك عزيزي القارئ أن تتصوَّرَ ما تمتَّع به هذا العراقي الغريبُ، من سمعةٍ تمكنُّه من محاولة الوساطةِ لنائب الملك، ومدى الثقة التي وضعها هذا النائب وهو في محنة النفي، في إلياس ليتركَه هذه المدةَ الطويلةَ لحراسة بيتِه ورعايةِ زوجتِه!

استغلَّ إلياس هذه الإقامةَ فعكف على كتابة مذكراته، وهي كثيرةٌ متشابكة، وكذلك كتابة تاريخ اكتشاف العالم الجديد وغزوه. مشهدٌ غريبٌ أن يكتبَ الياسُ مخطوطتَه بالعربية في المنزل الذي يقع قريبًا من سوركو (Surco)، وما أبعد سوركو عن بغداد.

لا شك أنَّ روايةَ إلياس عن إقالةِ نائبِ الملكِ ونفيِه، ألقت ضوءًا مهمًّا على حلقةٍ غير معروفة في تاريخ نائب الملك في پيرو، على عكس النثر الجاف للوثائق الموجودة في ارشيف جزر الهند، في المدينة الاندلسية اشبيلية (Sevilli) ، حيث كان تقرير الياس مفعمًا بالحياة والالوان.

الآن مرت ستُّ سنواتٍ على إلياس في پيرو، وقد وصل نائب الملك الجديد لتولّي منصبه. قرَّر إلياس مرافقةَ صديقه الكونت دي كاستيلار الى پورتوبيلو. في الواحد والعشرين من شهر ايلول عام1681 ، غادروا ميناء كيّاو ( CaIIao) متَّجهين الى پنما ثم وصلوا بسلام في اثنين واربعين يوما.

اعتذر نائبُ الملكِ لإلياس عدم قدرته على مساعدته اكثر، لكنه زوَّده بتوصيةٍ الى نائب ملك المكسيك. عندذاك عقد إلياس العزم فولّى وجهَه شطرَ المكسيك، ثم اسْتقلَّ سفينةً كانت متوجِّهةً الى رياليخو (Realejo) في نيكاراگوا (Nicaragua) . ابحرت السفينة في كانون الاول من عام 1681 ثم توقفت في جولفو دولسي (Golfo Dulce) في كوستاريكا (Costa Rica) للتزود بالمياه العذبة. وقد سنحت الفرصة لإلياس أن يستحِمَّ عند الشاطئ حيث مجرى المياه العذبة.

بعد ستة ايام، رست السفينة في ميناء كالديرا (Caldera ) . سأل إلياس البحّار ليجلبَ له محارا، فوجد في احداها لؤلؤةً بحجم الحِمِّصَة، فسأل القبطان لماذا لم يكن ليعبأْ بوجود اللؤلؤ في البحر دون الحصول عليه، فأجابه إنَّ ذلك بسبب الخوف من الهنود، وكان إلياس قبلها قد وجد غبارَ الذهبِ مختلطًا برمال البحر، وحين اخبر القُبطان بما وجد، كان جواب القُبطان نفس الجواب، وهو الخوف من الهنود.

من مفارقات السفرة هذه ان أسقفَ لِيون (León) في نيكاراگوا كان قد التقى إلياس في باريس عندما زارها، فكان لقاءً سعيدًا جمعهما بعد عدة سنوات، فما كان من الأسقف الا ان اعطى إلياس بغلةً جيدةً تساعده في التنقل. ومن المفارقات الاخرى في لِيون ان التقى إلياس احد معارفه من ليما واعطاه بغلةً اخرى.

الى لقاءٍ في الحلقة السابعة، وهي خاتمة الحلقات لرحلة إلياسُ التي تبدأ بمغادرته برَّا الى مدينة مكسيكو (Mexico City).