
عصمت شاهين الدوسكي
المرأةُ والجمالُ
* الجمال القدسي نراه بأرواحنا قبل عيوننا .
* لولا المرأةُ ولولا الطبيعةُ لغَدَوْنا يتامى، كلاهما يهبُنا الجمالَ الروحيَّ والحبَّ والأملَ والحياةَ.
يقول مارك توين: « الحياةُ صورةٌ… إذا عرفنا كيف نرى الجمالَ فيها عِشْنا سعداء«، الشاعرُ عبدُ الله گوران المبدعُ… يُرينا الجمالَ أو بعضَه في الطبيعةِ بما فيها من قدسيةٍ وعمقٍ فردوسيّ
« تأمّلتُ شُعاعَ الأصيلِ وهو ينعكسُ في ذُرى القممِ العالية، وقوسَ قُزَح بعد الأمطارِ المنهمرة، وهو ينحني أمام انبثاقِ الشمس…«
يُواكبُ گوران ليصفَ بلغته الشفّافةِ الطبيعةَ التي تجعلُ الروحَ في أسمى نقائها، والتي تحملُ همومَ العاشقين، ولوعةَ الحائرين، وآهاتِ المتعبين… « وشُعاعَ الضوءِ في صُبحِ نوروز… والقمرَ عند موسمِ الحصادِ يتابعُ خريرَ الشلّالِ الفضّيِّ ويتدفقُ في الوادي… وشُعاعاتٍ ملوّنةً هي ألوفٌ في ثنايا الضباب…«
هناك بَلْسَمٌ وجمالٌ روحيٌّ بين الحقول، وسطَ الرياحِ وحفيفِ الأشجار، وسطَ زقزقةِ العصافيرِ وهمهمةِ النحل، بين السهولِ والجبال… والعيونِ الزلاليّة…يُدنينا «گوران» روحيًّا من هذا الجمالِ القدسيِّ لكي نراهُ بأرواحِنا وقلوبِنا قبل عيونِنا.
« الفواكهُ الناضجةُ صُفرًا وحُمرًا في البساتين، والأصداحُ والزقازيقُ من الغاب، وفي الجبال، ومن أفواهِ المزاميرِ وأوتارِ الكلمات، علت شتّى الأنغامِ الموحيةِ الفاتنة…«
يعترفُ «گوران» بجمالٍ بين الجداول…هذه الأشياءُ… التي تبعثُ في الروحِ السموَّ والصفاءَ وتنيرُ سبلَ الحبِّ والأمل:
«جميلةُ كلِّ هذه الأشياء… تُنيرُ كلُّها طريقَ الحياة…ولكن…« تأمّلْ بهدوء ماذا يريدُ الشاعرُ من هذه الطبيعةِ الإلهيّة التي تُنيرُ طريقَ الحياة ؟
هذه الطبيعةُ التي ترتدي دومًا لونَ الفرحِ والسرور… والتي يجدُ الإنسانُ نفسَه فيها… وبينها، بين قُبلةِ الشمسِ وهدوءِ الحقولِ ونشيدِ العصافيرِ وخريرِ الجداول…:
« ولكن… الطبيعةُ لا تخلو أبدًا من النور.إن غابت بسمةُ الحبيب…»
هل ينبغي أن يمتزجَ نورُ وجمالُ حبيبتِه بجمالِ الطبيعة لكي يكتملَ هذا الشعورُ القدسيُّ بالجمال؟ إنّ جمالَ الطبيعةِ لا يكتملُ إلّا بوجودِ الحبيبة… حتى لو أبينا هذا المنطق…
فما الأشياءُ التي تُضاهي حُمْرَةَ خَدّيها وشفَتَيْها، وسوادَ عينيها وأهدابِها، وحاجبيها، وسموَّ قامتِها ؟
« فأيُّ نجومٍ مُشعّة، وأيُّ أزهارٍ بريّةٍ تُضاهي حُمْرَةَ خَدّيها وحَلّتها وشفَتَيْها ؟ وأيُّ سوادٍ يُضاهي سوادَ عينيها ؟ وسوادَ أهدابِها وحاجبَيْها وشعرِها المُرسَل ؟ وأيُّ علياءَ أبهى من شموخِ قامتِها ؟ وأيُّ شُعاعٍ يُقارِبُ شُعاعَ أعماقِ عينيها ؟ وأيُّ حنينٍ وشوقٍ وانعطافٍ وانتظارٍ يُجاري سِحرَ لَحَظِ الشوقِ في مُقلتيها ؟».
يتركُنا الشاعرُ أمام هذه التساؤلات… ربما ندركُ الخِيرة… ربما نستسلمُ للجمالِ الذي صوّرهُ لنا… إذ نقول:
إنّ المرأةَ والطبيعةَ توأمان؛ فلولا المرأةُ ولولا الطبيعةُ لغَدَوْنا يتامى… كلاهما يهبُنا الجمالَ الروحيَّ والحبَّ والأملَ والحياةَ.
٧/٧/١٩٩٣
عصمت شاهين الدوسكي

836 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع