المجتمعات العربية و تنوع انتماءاتها

الاستاذ الدكتور نزار الربيعي

المجتمعات العربية و تنوع انتماءاتها

تُصنف المجتمعات العربية من حيثِ شــدة تنوع انتماءاتها القبلية، والدينية والطائفية والعرقية وغيرها من الجماعاتِ، ومدى الانسجام القائـم بينها، وبحسبِ موقعها التاريخي في امتدادٍ صيروريٍ متدرجٍ يقعُ في أقصى أحــد قطبيـه، ما يمكن تسميتهُ المجتمع الشديــد التجانس، ويستوجب أن يكون التضامن والولاء للمجتمع أو الأمـة. كما ويقع في أقصى قطبهِ الآخــر المقابل، ما يمكن تسميته، المجتمع الفسيفسائي الشديــد التفسُخ، ويغلب فيه الولاء للجماعات، ويتوسط هذيــن القطبين ما يُسمى بالمجتمعِ التعددي، الذي يُوازن بين الولاء للجماعات والولاء للمجتمع، أما البعض الآخــر من المجتمعاتِ يكون أقرب الى حدٍ ما من المجتمعاتِ النموذجية
ويمكن أن نُحلل طبيعة العلاقات القائمة بين الجماعات التي يتألفُ منها المجتمع من حيث درجة ميلها الى النزاع، والمتمثل بتغليبِ مصلحة الجماعة على مصلحةِ المجتمع، وبالنتيجة تسود حالات التوترات والاختلافات والتجاذبات السياسية، ومن ثم الحروب الأهليــة في ظلِ ظروفٍ يشوبها الفساد والإرهاب وأجواء متشابكة ومعقدة داخلياً. أو ميلها الى التعايش المتمثل بالتمسكِ بالهويةِ الخاصة، والتعاون نوعاً ما في إطارِ المجتمع. وأخير الميل نحو الانسجام والانصهار المتمثل بتغليبِ الهوية المجتمعية أو القومية على الهوياتِ الفرعية الفئوية، والتقليل من أهميةِ الفروق والتمايز فيما بينها، ومكافحة التمييز بين شرائح المجتمعات كافة.
لذلك عندما يتم النظر الى طبيعةِ العلاقة بين البُعدين الأول والثاني والتداخل بينهما، أي بين درجتي التنوع والانصهار، يمكننا أن نستنتج أن عملية الانسجام والانصهار تسود في المجتمع المتجانس، فيما تسود حالة التعايش في المجتمعِ التعددي، وتسود عملية التراوح بين النزاع في الأزماتِ والتعايش في المجتمعِ الفسيفسائي.
بأن المجتمع المتجانس يكون التجانس نسبي وليس مطلق. أما بالنسبةِ للعلاقات بين الجماعات وليس من حيثِ التكوين الطبقي هو المجتمع الذي تنصهرُ فيه اجتماعياً وثقافياً فتتوحـد الهوية الخاصة والعامة في هويةٍ موحدةٍ مشتركةٍ وجامعة. أيضاً تسود في مثلِ هــذا المجتمع عمليــة الانصهار وينشأُ فيه نظام مركزي مُهيمن، ونظام تربوي موحــد، بحيثِ من السهولـةِ الوصول فيه الى نوعٍ من الإجماع حول القضايا المهمة الأساسية المرتبطة بمصيرِ الأمــة، وعلاقتها بالعالمِ الخارجي ، و يتصف المجتمع العربي تقليدياً بالأبويةِ أو البطركية والنزوع الى الاستبدادِ على مختلفِ المستويات، و يُعاني الإنسان في المجتمعاتِ العربية من سلطويةِ واستبدادية الأنظمة السياسية السائدة وأزمة في المجتمع المدني، ويُرجع البعض الكثير من الفوضى والأمراض الاجتماعية والانهزامات العربية الى التركيبةِ الاجتماعية الخاطئة ( البطركية ) وهيمنة السلطة الأبوية وليست العائلة فحسب، بل في مختلفِ مجالاتِ التربية والتعليــم والعمل والدولة.
وتتضح نزعة الهيمنة والاستبداد على مستوى العائلة في أساليبِ التنشئةِ الاجتماعية، حيث تكون الشخصية البطركية من أبرزِ ركائزها في النظرةِ الدونية للمرأة، وقد أصبح تحريرها شرطاً لتحرير المجتمع من تخلفهِ واستبدادهِ،وكذلك من سماتِ المجتمع الأبوي هو في سيطرةِ الأب على العائلةِ ، إذ يُعــد الأب المحور الذي تنتظم حوله الأسرة ( العائلة ) بشكلِها الطبيعي والوطني ؛ لذا تكون العلاقة بين الأب وأبنائهِ وكذلك بين الحاكم والمحكوم هي علاقة هرمية،
فإرادة الأب في كلِ من الإطارين هي الإرادة المطلقة. ويتم التعبير عنها في العائلةِ والمجتمع بنوعٍ من الاجتماعِ القسري الصامت المبني على الطاعةِ والقمعِ. بحسبِ هذا المنظور يكون المجتمع العربي بمجموعهِ مجتمعاً بطركيا، ذا نمط خاص من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي، سابق للرأسمالية، ونمط معين من التفكيرِ والعملِ سابق للحداثــة.
أما ظاهرة الدولة التسلطية، يرى البعض أنها تنطبقُ على المنطقةِ العربية بأكملِها، وربما على نطاقٍ واسعٍ للعالم الجنوبي جميعه، وتُعرف الدولة التسلطية بأنها ( الشكل الحديث والمعاصر للدولة المستبدة، كالإقطاعية، والسلطانية، والبيروقراطية، وتسعى الى احتكارِ مصادر القوة والسلطة في البلدِ، وتحويل مؤسساتهِ الى تنظيماتٍ تضامنيةٍ تعمل كامتداد لأجهزة الدولة ).
ومن خصائصِ الدولة التسلطية، هيمنتها على القطاعِ الاقتصادي وإلحاقه بها، أما عن طريقِ التأمين، أو توسيع القطاع العام والهيمنة البيروقراطية الكاملة على الحياةِ الاقتصادية، ثم تعتمد في شرعيتِها على أساليبِ العنف والفساد والإرهاب، أي استخدام القوة السافرة تحت غطاء القانون والدولة.لذلك نجد أن الأنظمة والمؤسسات والبنى والاتجاهات القيمية السائدة في البلادِ، لا تشجع ولا تفسح المجال لاشتراك كافة النخب وشرائح المجتمع في مختلفِ النشاطات الإنسانية من اجلِ المساهمة في تنميةِ واستقرار البلاد. وبالتالي في صنعِ القرار وتحقيق المصير، بل على العكسِ من ذلك سوف يحصل، بل إنها تعتدي على حقوقِهِ الإنسانية المتعددة، وتساهــم في تعطيل دوره، في تحسين أوضاع الإنسان العربي، وتجاوز حالة التخلف والتبعية، فيصبح الإنسان العربي كائن عاجز مغلوب على أمرهِ، مرهق بمهماتِ تحقيق وتأمين حاجاته اليومية، ومنشغل عن قضاياه الكبرى.
أما مسألة الإنقياد للسلطة فأنها تنقسم الى شقين: الأول الامتثــال الطوعي، والثاني الامتثــال القسري. حيث يقوم الامتثال الطوعي عند الاضطرار، والامتثــال الاستبطاني، الذي يقوم على قناعاتٍ داخلية نتمسك بها، بغضِ النظر عن حضورِ السلطة أو غيابها، وفقاً لهذا إن السلطة القمعية السياسية منها والاجتماعية والتي تؤدي الى حدوثِ امتثال قسري، لا امتثـــال استبطــاني، ويؤدي ذلك بدورهِ الى حصولِ حلقة مفرغة من السلطاتِ السافرة ينجم عنها امتثال قسري يشكل مبرراً لمزيد من التسلطِ والاستبداد.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

886 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع