من أرشيف نينوى إبّان الامبراطوريةَ الآشوريَّةَ الحديثة ..

عبد يونس لافي

من أرشيف نينوى إبّان الامبراطوريةَ الآشوريَّةَ الحديثة (Neo-Assyrian Empire)

نأتي، ابتداءً من هذه الحلقة، الى تناول بعض الرسائل المُسْتَلَّةِ من ارشيف نينوى(The Archives of Nineveh) فبما يخص اربعةَ حقولٍ هي كما يلي:

1. البلاط والحاشية(Court and Courtiers)
2. النذر والطقوس (Portents and Rites)
3. الجنود والدبلوماسيون (Solders and Diplomats)
4. الملك قاضيا (The King as Judge)

البلاط والحاشية(Court and Courtiers)

تضم رسائل البلاط والحاشية عشرَ رسائلَ نبدأ بأولاها.

الرسالة الأولى

هي من رجلٍ من عامة الشعب الآشوري، اسمه أداد - شومي - يوصُر (Adad-šumi-uṣur)، لم يجدْ بُدًّا من مخاطبةِ الملكِ، شاكيًا متظلِّمًا وقد نالَ الإحباط منه كثيرًا. والملك هنا هو آشوربانيپال (Ashurbanipal)، وآشوربانيپال هو آخرُ الملوكِ العِظام الذين حكموا الامبراطوريةَ الآشوريَّةَ الحديثة (Neo-Assyrian Empire) التي امتد حكمها من عام 911 الى عام 610 قبل الميلاد.

دام حكم آشوربانيپال 41 عامًا (من 668 – الى 627) من القرن السابع قبل الميلاد. كان حاكمًا قويًّا وسَّع امبراطوريتَه ببناء قوةٍ عسكريةٍ متميِّزةٍ آنذاك، حيث ضمَّت تلك الامبراطوريةُ اجزاءً من شمال العراق، وجنوب شرق تركيا، وشمال غرب إيران، وشمال شرق سوريا، ومصر، وشمال افريقيا. واشتهر الرجلُ بحبِّه للثقافة، اذ بنى اكبرَ مكتبةٍ في العالم حينها في العاصمة نينوى.

ضمَّت مكتبةٍ نينوى ثلاثين الفًا من الألواح الطينية، التي شملت مجالاتٍ متعددةً في الدين والاداب والعلوم والتاريخ. لقد فتحت هذه المكتبةُ العظيمةُ الابوابَ واسعةً للباحثين في حضارة وادي الرافدين.

يبتدئ أداد - شومي – يوصُر رسالتَه بتقديم نفسِه على أنَّه خادمُ الملك، ويدعو له بالصحة التامة، ويتضرَّع الى الإلهين نابو(Nabû) ومردوخ
(Marduk)، بأن يمنحانه البركة. ونابو هو إلهُ الكتابة والحكمة والذكاء عند البابليين، ويُعتبر ابن الإله مردوخ، كبيرِ آلهةِ بابل.

يذكر الرجل في رسالته أنَّ تعيينَ آشوربانيپال ملكًا، كان بأمر ملك الٱلهة ٱشور (Aššur) ، وان حكمَه قد ادخل البلاد عصرًا ساد فيه الرخاء، واستتبَّ فيه الأمنُ، وحُكِّمَ فيه القانون، وازْدهرت المعابد، وانْتشر التعليم بين النساء والفتيات، وطغت مظاهرُ الفرح على جميع مظاهر الحياة.

يستمرُّ الرجلُ في ذكر فضائل الملك في اطلاق سراح السجناء، والعفو عمَّن حُكِمَ عليهم بالإعدام، وتوفير الطعام والكساء للجميع، حتى صار الناس يرقصون في الشوارع، وبدت مظاهر الفرح في كل حدب وصوب، بفضل إرادة إلهين من الٱلهة العظام، هما شَمَش (Šamaš) وأداد(Adad) ، إذ منحاه الثقة بأن يكون ملكًا على جميع البلدان.

بعد ذلك يعرِّج الرجلُ الى حالِه المُزري هو وابْنُه، وكيف أنَّهما يعيشانِ وقد بلغ فيهم الانكسارُ مبلَغَه في ألّا يجدوا في الاخرين من يتوسَّط لهم او ينقلُ للجهات العليا ما يعانون. ثم يذكِّر الملك انه دعا اولئك الذين يتمتعون بموقع اجتماعي رفيع، انْ يُرسلوا اولادَهم لكي يكونوا خدمًا في القصر الملكي ، لكنَّ ولدَه أراد - گولا (Arad-Gula) لم ينلْه الحظُّ اسوةً بأقرانه، ولو اصبح خادمًا في قصر الملك، لكان الامرُ مختلفًا، ولا انْعكس ذلك على حاله وحال ابنه خيرا. يُنهي رىسالتَه ويلتمسُ من الملك ان يقبل ابنه خادمًا في القصر اسوةً بالاولاد الاخرين، وفي ذلك انقاذ لهما لما يعانيان.

والآن الى نص الرسالة:

إلى الملك، سيدي آشوربانيپال (Assurbanipal)
من خادمك أداد- شومي- يوصُر (Adad-šumi-uṣur)
الصحةَ الجيدةَ لجلالتِك!
ليمنحِ الإلهان نابو (Nabû) ومردوخ (Marduk) الكثيرَ الكثيرَ من البركات لجلالتك.

عندما عيَّن آشور (Aššur)، ملكُ الآلهةِ، جلالتَك لحكم دولةِ آشور (Assyria) كملك، وعندما أكَّد الإلهان (Šamaš) وأداد(Adad) الثقةَ الإلهية بأنَّ جلالتَك يجب أن تحكمَ كملكٍ على جميع البلدان، جلبَ الآلهةُ العظماءُ للكون بأسرهِ خلال حكم جلالتك، حكمًا سعيدًا مع أيامٍ وسنواتٍ يسود فيها القانون والنظام؛ فكانت أمطارٌ غزيرةٌ، وفيضاناتٌ وفيرةُ للأنهار، وأسعارٌ مواتيةٌ، ومصالحةٌ الآلهة؛ وكان هناك الكثير من التقوى والمعابدُ الإلهيةُ المزدهرة.

يرقص الشيوخ بفرح، ويغني الشباب أغاني سعيدة، وتتعلم النساء والفتيات بفرح القيام بما تفعل النساء؛ يدخلن في فترة النفاس، ويُنجبن ذكورًا وإناثًا، وتكون الولادات ميسرة.

لماذا إذًا، منذ أن عفا جلالتك عن الأشخاص المدانين بالإعدام بسبب جرائمهم، وأطلقَ سراحَ أولئك الذين سُجنوا لسنواتٍ عديدة، ومنذ أن شفي أولئك الذين كانوا مرضى لعدة أيام، وشبع الجياع بالطعام، وسَمُنَ النحيفون، وأولئك الذين كانوا معدمين قد لبسوا ملابس فاخرة؛ لماذا إذًا يجب أن أبقى أنا وابني أراد - گولا (Arad-Gula) ، من بين كل هؤلاء الناس السعداء، قلقين ومنخفضي المعنويات؟

مؤخرًا أظهر جلالتك حبَّه لنينوى بقولك للمواطنين البارزين: "أحضروا لي أبناءكم، سيصبحون خدامًا في قصرى!"
إذا كان هذا ابني، أراد - گولا، يمكن أن يُصبح خادمًا في قصر جلالتك، يخدم مع هؤلاء الناس، فسنكون سعداءً مثل جميع الناس الآخرين؛ سنرقصُ ونبارك جلالتك.

أنا مخلص جدًا لجلالتك، ولكن لا أحدَ من أولئك الذين يقدمون الخدمة في القصر يهتم بي. ليس لدي صديقٌ بينهم، لا أحدَ يمكنني أن أعطيه هديةً يقبلها ثم يشفع من أجلي.
ليرحمْ جلالتُك خادمَه،
حتى لا أبقى أنا الوحيد غير السعيد بين كل الناس؛
حتى لا يبتهج أولئك الذين يرغبون لي الشر.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

731 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع