عبر تاريخ البشرية الطويل، هنالك صراع محتدم بين مختلف الفئات الإثنية. تَجسّد ذلك في مختلف مجالات التنافس، مستخدماً الدعاية المضادة والتحريض والتعبئة النفسية والمعنوية، لصالح إثنية ضد أخرى.
أحياناً كثيرةً يتطور الصراع المحموم في اتجاه المواجهة المكشوفة والمفتوحة على كافة الاحتمالات، خاصةً المرعبة منها. ثمة على الدوام تقريباً كانت الطبقات الدنيا وقوداً لهذا الصراع العقائدي، تدفع الثمن من ممتلكاتها ودمائها وأرواحها، ومن حساب مستقبل أجيالها.
النفس البشرية هي ذاتها عبر القارات، مع اختلافات سطحية ساذجة لا تعني الكثير لكل ذي حِجر. هذه الاختلافات السطحية قابلة لأن تصبح ميداناً واسعاً، يصول ويجول فيه المتلاعبون بأفكار وتوجهات عامة الدهماء من الشعوب. مع التقدم الواسع في مجال الاتصال الجماهيري ووسائل نقل الأخبار، بات هؤلاء المتلاعبون قادرين على الدخول حتى إلى غرف نوم ومطابخ ومسابح بني البشر، يوصلون ما في جعبتهم من أحقاد وتوجهات عفا عنها الزمن. لكن هؤلاء حقيقةً قادرون على مخاطبة طبقة واسعة من البشر، الذين لم تتطور أو تتغير لديهم النظرة النمطية القديمة تجاه الشعوب والمِلل الأخرى.
إذا ما أراد أحدهم تهييج مشاعر طبقة أو فئة ما، بات ما عليه إلا أن ينشر مادةً إعلاميةً دعائيةً، عبر أكثر الوسائل رخصاً وانتشاراً ثمة سذاجةً؛ الإنترنت بما فيها من فيسبوك ويوتيوب وتويتر. يضع الناشط النشاز رأسه على مخدته، ينام هادئاً مستقر البال والحال هذه. لقد تكوّن لديه جيش عرمرم من هواة تجسيد ردود الأفعال في الشوارع والساحات والميادين، وعبر وسائل الإعلام المختلفة.
هؤلاء على استعداد للبدء في حرب لا تنتهي، إلا ربما بخسارة أو دمار جزء كبير من البشرية. يعتقدون أن العقائد ملك لفئة من البشر دون أخرى، عليهم بذل الغالي والنفيس للذود والدفاع عنها. ينسون أو يتناسون أن ذلك يحط من شأن تلك المعتقدات، ويجعل أتباعها يبدون مثل عصابات مافيا وجماعات ضيقة الآفاق سطحية التوجهات.
الاستفزازات الموجهة ضد المسلمين تحدث بشكل متزامن، فالمسلمون من أطفال ونساء وشيوخ في ميانمار، يتعرضون لاضطهاد وحشي فاشي شوفيني، يهدف إلى حرمانهم من البقاء في أوطانهم. المسلمون في بقاع أخرى تقليدية وحديثة، يتعرضون لحملات من القمع والاضطهاد؛ في فلسطين والعراق وأفغانستان ومناطق في أوروبا الشرقية.
يتزامن هذا مع حملة إعلامية علنية، وسرية مبطنة، تقوم بها وسائل إعلام لضرب قلب العالم الإسلامي مادياً ومعنوياً. الحروب والحروب الأهلية المستعرة، جزء خطير من تلك الحملة التي تهدف إلى استنزاف الأمة والشعوب، وجعلها على حافة المجاعة والحاجة المزمنة للمساعدة من الخارج.
من الملاحظ أن المجموعات الميكروسكوبية النشاز التي تشتكي الاضطهاد المبني على المعتقدات، هي من ينفذ أو يدعم أو ينتصر لتلك الحملات الإعلامية المحمومة المسمومة ضد الفئات الأخرى. الشعار مكرر وبشكل مبتذل، وهو احترام حرية الرأي؛ شعار حق يُراد به باطل ويتم تطبيقه بشكل انتقائي. وفي الوقت الذي يُجرَّم فيه المبدعون والمفكرون إذا ما تصرفوا تجاه فئة ما، يُكرَّمون على إنتاجهم في حالة وجهوا أقلامهم وإبداعاتهم ضد الإسلام وأتباعه.
لا يجب أن ينكر أحدهم حرية الفكر للآخرين، لكن حرية الفكر المتجلية في تحقير فئات حسب معتقداتها، تثير جدلاً لا ينتهي، غالباً ما يؤول إلى إشعال أزمات سياسية قادرة على تكوين أحقاد وضغائن، تؤسس لمستقبل علاقات هشة بين المجموعات البشرية. إذا ما تُرك المجال لأتباع العقائد السماوية لإشعال حرائق ضد بعضهم، والعلمانيين لإشعال حرائق ضد المتدينين، فسوف يأتي على البشرية زمان يحرق الناس فيه بعضهم بعضاً.
إلى أن يأتي زمان تصبح فيه الأصوات النشاز أموراً عاديةً يمكن أن تُترك سدى، على المرء أن يصبر قليلاً أو طويلاً!
544 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع