"الطبقة الوسطى عماد التنمية والازدهار في العراق، تتضائل، ولكنها ستنهض مجدداً"
الطبقة الوسطى هي طبقة اجتماعية تقع بين الطبقة العليا، التي تتكون من النبلاء والأرستقراطيين، وبين الطبقة الدنيا الشعبية الكادحة، وتمركزها الاجتماعي، الذي يدل على مستوى الدخل والتكوين الفكري والنفسي فهي أعلى دخلاً من الطبقة الدنيا وأكثر تقبلاً للتغيير والتجديد وأقل تمسكاً بالعادات والتقاليد من الطبقة العليا.
يعرف العلماء الطبقة الوسطى على أساسين، أولهما: الرأي الاجتماعي والاقتصادي الذي يعتمد في قياساته على حجم الاستهلاك ومستويات الدخل، وثانيهما، على أساس عدد من العوامل المتغيرة كمستوى التعليم وطبيعة الوظيفة وحجم الأسرة ونوعية السكن والمحيط الاجتماعي ومدى انخراط الفرد بمؤسسات وأنشطة المجتمع المدني، وفي أحيانٍ أخرى، قد يصنفها العلماء من خلال كيفية تحديد هذه الفئة لذاتها وتطلعاتها الشخصية، ويرون أنها تلك الفئة التي تكسب رزقها من العمل ولا ترث ثروات طائلة، فهي تشكل الوعاء الأخلاقي للمجتمع، وهى قائدة عمليات التغيير لأن أعضاءها هم الأكثر وعيا وثقافة وتعليماً، اذا الطبقة المتوسطة هي الطبقة التي تأتي اقتصادياً واجتماعياً بين الطبقة العاملة والطبقة الغنية بحسب اصطلاح عالم الاجتماع الالماني ماكس فيير، ويمكن أن تصعد منها شرائح للطبقة الأولى، أو تتدهور للطبقة الثانية، لأنها في النهاية "منزلة بين المنزلتين، وتعود جذورها الطبقية في أوروبا إلى الطبقات التي كانت تعمل في المهن الحرة والحرف والتجارة في القرى الكبيرة، ويعتبر الكاتب الإيرلندي جيمس برادشو أول من أطلق عليها ها الاسم في عام 1775 عندما قال: أنها تتوسط موقعا بين طبقة النبلاء وطبقة الفلاحين في أوروبا، وبدأ استخدام مصطلح الطبقة المتوسطة في أوروبا أوائل القرن التاسع عشر، وكان يعرف بـ"البرجوازية" التي اعتمدت بالأساس على قطاع التجارة وأرباحها، واستقرت بين طبقة الأرستقراطيين الذين ورثوا ثرواتهم وقوتهم الاجتماعية، وطبقة الفلاحين التي تركز أسلوب حياتهم على الزراعة، وهي التي لعبت الدور الفعال في الحراك الاجتماعي وفي التطور والتغيرات، وكان للطبقة الوسطى دورها المرموق في تقويض النظام الإقطاعي وبناء النظام الرأسمالي والديمقراطية والليبرالية ونشر التعليم، كما أنها أفرزت الفاشية والنازية من جهة أخرى، وإليها تنتمي أعداد كبيرة من المثقفين والمهنيين والعمال المهرة علاوة على أصحاب الأعمال وبعض الصناعيين، وهي تلعب الدور الفعال في الحراك الاجتماعي وفي التطور والتغيرات، ويصعب وضع معايير مطلقة وثابتة لها ولمواصفاتها، لارتباط هذه بالظروف والزمان والمكان، ولكن على الغالب فإن المعيارين الرئيسيين اللذين يحددان مواصفاتها، هما الدخل والسلوك، أي الواقع الاقتصادي، والشرط الأخلاقي وما ينتج عنهما أو يرتبط بهما، تعتبر النخبة الثقافية والمهنية وبعض النخب الاقتصادية من أبناء هذه الطبقة <كالأطباء والمهندسين والمحامين، والمدرسين، والكتاب، وكبار موظفي الدولة، والضباط وشرائح من الفئات العاملة بالشؤون الاقتصادية والثقافية وذوي الدخل المحدود، ومن في حكم هؤلاء>، ان الشعور بالانتماء لهذه الطبقة، لا يعتمد على حد الدخل أو على الفئات الاجتماعية والمهنية، إنما يعتمد أولاً وقبل أي شيء على الشعور بقيم الأغلبية وبأن هؤلاء الناس هم جزء من حركة اقتصادية واجتماعية وثقافية.
لعبت الطبقة الوسطى عبر التاريخ الدور الأهم للنهضة الاقتصادية والإبداع وضمان الاستقرار على الأصعدة السياسية والاجتماعية، فمنذ أيام الإغريق أكتشف الفيلسوف أرسطو هذه الأهمية إذا رأى أن للطبقة تأثيرا إيجابيا على عموم أفراد المجتمع كونها " تتصرف بعقلانية، ولا تستغل الفقراء ولا تحسد الأغنياء".
یظل تاریخ نشوء الطبقة الوسطى فى العراق ومسار نضجھا وأسباب اضمحلالھا، عبر فترات تاریخیة طویلة تقترب من قرن من الزمان، مرتبطاً بجملة من التحولات الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة والثقافیة التى تلعب الدولة دورا أساسیا فى إحداثھا بشكل مباشر، أو الدفع إلیھا بشكل غیر مباشر.
الطبقة الوسطى في العراق طبقة صنیعة الدولة، منذ أن وضعت الدولة العراقية عام 1921 على لبناتھا، عندما شرع فى تجربتھ التحدیثیة، فانتشرت المدارس النظامية والمعاهد العالية وتطور الصحافة ونمو الجمعيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتحاق المتخرجين بالوظائف العامة، فضلاً عن استبدال طبقة "الافندية" ذات الثقافة العثمانية بشيوخ العشائر وملاك الاراضي "وشبه" الاقطاعيين والتي جاءت بفعل عوامل خارجية وعوامل داخلية كما يذكرها الكاتب صلاح حسن الموسوي في دراسته الموسومة: "دور الطبقة الوسطى في العراق" وهما:
اولاً ،شخصية الملك فيصل الاول وتغير منطق السياسة الدولية بعد الحرب العالمية الاولى والعامل الاخر هونجاح الثورة البلشفية في روسيا وتاثيراتها على الشرق
والمباديْ الاربع عشرة للرئيس الامريكي ويلسون التي اعلنها في خطابه امام الكونغرس في 18 كانون الثاني 1918والتي ركزت على اعادة بناء السِلم والامن الدوليين و جاء من بينها تركيزه على اهمية اعطاء الشعوب غير التركية حق تقرير المصير وتوفير حرية الملاحة ومرور البضائع، الى آخره، والتي جميعها، اثمرت، على تنامي الطبقة الوسطى ونشوء البرجوازية الوطنية.
وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ازدهرت الطبقة الوسطى نتيجة النمو الاقتصادي بعد تزايد واردات النفط وما رافقها من الميل الى الحداثة والنهضة في مجالات اجتماعية وثقافية واقتصادية،
وبدأ مجلس الاعمار بتنفيذ التنمية، وبدأ العمل بالسدود وتبليط الطرق..، وازداد التعليم، وانشات الجامعات والمعاهد، وابتعث الكثير من الطلبة المتفوقين الى اوربا وامريكا، وانشأت الطاقة الذرية، وفي وقت لاحق ازدهر الفن والادب وخصوصا الرسم والنحت والموسيقى والمسرح، وقد ساهمت هذه الطبقة مساهمة فعالة في قيادة الحركات السياسية الوطنية والقومية في العراق، وكانت على الدوام اساس كل تقدم علمي او اقتصادي او اجتماعي او ثقافي، الذي اوشك ان يصبح في مصاف الدول المتقدمة، واعتبرت الطبقة الوسطى مركز التنوير الثقافي والحضاري للمجتمع العراقي، عام 1972 امم العراق ثروة العراق النفطية من سيطرة الشركات النفطية الاحتكارية العالمية، استلم الكادر الوطني من الطبقة الوسطى من مهندسين وجيولجيين وخبراء وفنيين واداريين وغيرهم تطوير الصناعة، حيث لعب من خلال شركة النفط الوطنية دورا حاسما في نمو الصناعة النفطية، بدأ من التنقيب والاستكشاف والاستخراج والنقل والتصدير وصناعة نفطية متنوعة، وانشأ اول مفاعل نووي للابحاث، ومرورا بالتجربة في السبعينات والثمانينات، تلك الاعوام مثلت حلقة تأريخية انتقالية في المناخ الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي والصناعي التي انتعشت في ظروف الاستقرار السياسي والأمني، انتعش الاقتصاد وتوفرت السيولة المالية فحدثت تحولات دراماتيكية.. فتِحت ابواب العمل في الدوائر والمؤسسات، وأُنشئت المصانع الحديثة ذات التأثير الكبير في حركة الاقتصاد حال انجازها وبدء العمل بها، وتوسع عمل الطاقة الذرية وازداد نشاطها من خلال بناء مفاعل اخر ومختبرات للبحث والتطوير في دورة الوقود النووي وانتاج النضائر المشعة، انشاء مجلس البحث العلمي، وابتدأت ظاهرة الامية بالتناقص التدريجي، والبدأ ببناء المستشفيات والمراكز الصحية الحديثة وتأثيثها، ومسح واستصلاح الاراضي الزراعية، وبناء الجسور والسدود والخزانات المائية، ونتيجة مراحل الاستقرار والنمو عاد للعراق كفاءات بحوزتهم شهادات علمية، حتى سن قانوناً خاصاً لهم، قانون عودة الكفاءات، ساهموا بشكل براق في ادامة ونمو نهضته العلمية والتعليمية، والتى كان لھا الفضل الأكبر فى التأسیس لھذه الطبقة ودفع نموھا، كلها ساهمت في تعزيز واحداث نقلة نوعية هائلة في حياة المواطن في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والصناعية والصحية والعلمية ورفاهية الشعب برفع المستوى المعاشي، إن تلك السياسات الإنمائية الاجتماعية والموجه للطبقة الوسطى بلغت ذروتها، هو استكمال بناء منظومة التنمية الاقتصادية عبر الإنفاق العام والهائل على ذوي الدخل المحدود والعجزة والعاطلين عن العمل عبر التوسع في التحويلات الاجتماعية والمساعدات والمنح والقروض عبر البنوك المتخصصة، ثم الإنفاق في التعليم والتعليم الفني، فالتعليم يعمل على رفع مستوى مدخلات العمل وزيادة الإنتاجية وهذا ينعكس على المدى الطويل في زيادة الأجر والدخل، ذلك ألإنتعاش الإقتصادي لم يكن إلا دليلاً أكيداً لإنتعاش مفاصل وجوانب أخرى في الحياة في العراق حينذاك، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، كان العراق يفخر بوجود نخبة مثقفة تمتد من خيرة المهندسين والأطباء والأكاديميين ولا تنتهي بمنتجي الآداب والفنون والإعلام، وكانت من أخصب مراحل الإستقرار الثقافي.
في اب 1990 غزا العراق الكويت نتيجة التأثيرات الدولية والاقتصادية التي عصفت بالعراق، وحينها قام التحالف الثلاثيني في كانون الثاني 1991 بتدمير الكثير من البنى الارتكازية للاقتصاد العراقي وكذلك الخدمية وشبكات الاتصالات، والمستشفيات، والمدارس، وغيرها من المنشآت والمشاريع العملاقة منها مصافي النفط، ومحطات الطاقة الكهربائية في العراق لم تسلم من تأثيرات القصف، مما اثر على عمليات انتاج وتوزيع الكهرباء، لتحرم الشعب العراقي من احد اهم مقومات حقوق الانسان كما حرمت العراق من عمليات تعقيم مياه الشرب وتخزين الاغذية والادوية وعملية الاتصال ونظام الكمبيوتر وعمليات اخرى مهمة للصحة وسلامة الانسان.
جرى تشكيل اللجنة العليا لجهد الدولة الهندسي بموجب قرار ديوان رئاسة الجمهورية في 31 / 1 / 1991، أي بعد مرور اقل من اسبوعين على بدء وقف العمليات الحربية على العراق، لقد كانت تشكيلة هذه اللجنة برئاسة وزير، وتضم في عضويتها ممثلين من قطاعات الدولة المختلفة والمعنية بتعبئة جهد الدولة في مجالات التشييد وعمليات اعادة الاعمار، ان حملة اعادة الاعمار في العراق تمت من خلال جهات مختلفة وبكوادرها الفنية والدارية وهي بطبيعة الحال من الطبقة الوسطى، وجرت:
حملة اعادة اعمار المشاريع العملاقة والكبرى والمشاريع المشاريع الاخرى،
وهي المشاريع ذات الطابع الخدمي او الانتاجي الحيوي والذي له تماس بتلبية احتياجات المواطنين الاساسية كالجسور، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، والمصانع الكبرى، ومصافي النفط، ومحطات معالجة وتنقية المياه، وغيرها من المشاريع العملاقة والتي تم انجازها خلال العقود الثلاثة الاخيرة من قبل شركات اجنبية، كما ان الجسر المعلق تعرض إلى التدمير الشامل اثناء العدوان الثلاثيني عام 1991م، حيث ادى كادر الجهد الهندسي والفني للتصنيع العسكري على إعادته إلى الخدمة في العام 1996 خلال فترة الحصار الاقتصادي والسياسي على العراق بتقنية محلية وجهود مضنية، وبناء جسر آخر قبالته بطابقين "جسر القائد"، من قبل الكوادر الهندسية والفنية العراقية، دون الاستعانة بأي خبرات أو استشارات هندسية من شركات عربية أو غربية، أنجز بفترة قياسية كانت 15 شهراً نهاية التسعينيات، هذا الجسر يربط الكرادة خارج بالدورة، هذه الانجازات جاءت بفضل عنصري التحدي والبناء والرغبة لاستمرار التنمية للطبقة الوسطى رغم الحصار الظالم على العراق آنذاك.
غير أن دورالطبقى الوسطى ما لبث أن تضائل نوعاً ما في اواخر التسعينات، بالرغم من الدعم الذي تقدمه الدولة في الصحة والتعليم والحصة التموينية للسلع الأساسية، والامن، لكن استمرار الحصار وضعف الوضع الاقتصادي ادى الى تردي الحالة المعيشية لتشمل غالبية افراد المجتمع، في هذا السياق دخلت الطبقة الوسطى نفقاً مظلماً مع استمرار الحصار على العراق أثرت سلبيا على جميع المواطنين وعلى الطبقة المتوسطة بشكل خاص، وبدأت تشعر شرائح الطبقة الوسطى بحالة قلق وخوف كبيرين لأنهم أصبحوا على حافة الوقوع في فخ الفقر، وعلى ضوء ذلك تزايدت الهجرة في صفوف الكفاءات الوطنية باتجاه الخليج العربي أوروبا وشمال أمريكا.
وجاءت الخسارة الكبرى لمستوى الطبقة الوسطى نتيجة عملية غزو العراق في 20 نيسان 2003، من قبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف معها، فهي الكارثة الأكبر والتي لم تفعلها أيضا أي من قوى الغزو والاحتلال في العالم، والتي هى جريمة دولية وإنسانية بكل المقاييس، فــالغزو أطــاح بالدولــة العراقیــة وحــل مؤسســاتها ونشر الفوضـى فـي الـبلاد، بعـد أن أطلـق یـد جماعـات النهـب والسلب لمقتنيات وموجودات الدولة ومرافقها ما عدا وزارة النفط، والتخریـب لتعبـث بـالأمن الـداخلي وتنهـب المتــاحف والممتلكـات، رافقها السماح بالتدخل الفارسي بصورة تدريجية وبتشجيع من المحتل لتمزق البلاد على اساس طائفي واثني، والبدأ بمسخ هويتها وتاريختها وتدمير اقتصاد هذا البلد النفطي الكبير، والسـیطرة علـى الثــروات الموجـودة فـي العـراق والقضـاء علــى القاعـدة الصـناعیة والعلمیــة التــي بنیــت فیــه والمســتندة علــى طاقــات بشــریة كبیــرة مــن العلمــاء والفنیــین من الطبقة الوسطى، فازدادت عمليات اغتيال ممنهج للعلماء والطيارين والضباط واصحاب الشهادات، فتوقفت عملية التنمية، وانهارت المؤسسات الاجتماعية، وضاقت فرص العمل، وتدهورت أوضاع الأسرة، وتراجع النظام التعليمي والصحي والخدماتي بصورة عامة، مما فسح المجال واسعا لشتى أشكال العنف والجريمة، وتعاظم أعداد العاطلين والمشردين والمهجرين وأطفال الشوارع، والمتسولين والمرضى والمعوقين، وغير ذلك من الفئات المهمشة ذات القدرات المحدودة، كما أدت هذه الاوضاع الى استشراء فئات من المضاربين والسماسرة والمحتالين والطفيلين، وبرزت طبقة برجوازية طفيلِية وحوتية، لا ترتبط ببقايا البرجوازية التقليدية، حيث ضمت تشكيلة جديدةً من المتسلقين من قطاعات الاسلام السياسي لقوى صاعدة تعتبر نفسها فوق القانون مثل رجال الدين السياسي وشيوخ العشائر، فضلاً عن مجموعات مسلحة خارج أي التزام قانوني أو دستوري والذين لا يمتلكون اية مؤهلات ادارية وفنية مستفيدين من انتماءاتهم الحزبية وبغياب قوانين الدولة الصحيحة، فظهر الفساد الاداري والمالي والسياسي، وعاش ويعيش العراق أوقاتاً عصيبة للغاية على وقع الأزمات منها ازمة الكورونا والازمة الاقتصادية الحالية، التي تعصف بالكثير من قطاعاته، وفي القلب الطبقة الوسطى التي تمثل مركزية المجتمع، أصحاب الشهادات العلمية وصغار المستثمرين، وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، في هذا السياق دخلت الطبقة الوسطى نفقاً مظلماً مع استمرار التوغل الفارسي في كافة المرافق، مما ادى الى تهميش شرائح واسعة في المجتمع، خاصةً شرائح الطبقة الوسطى، بحيث نما سخط ترافق مع تقلص الطبقة الوسطى وسيرها نحو اضمحلال وتلاش تدريجي، وجعل ذلك من التغيير قضيةً مرتبطة بشكل رئيسي بالطبقات المهمشة أو النخبة المثقفة دون أن يكون للطبقة الوسطى دور نشط يتناسب مع كفاءتها وموقعها كونها هشة ورهينة للاستقرار الكاذب الذي يشيعه من تمسك بالحكم، فأصبح الحديث عن وجود طبقتين اجتماعيتين فقط في العراق، طبقة غنية وطبقة فقيرة، كما شعرت شرائح الطبقة الوسطى بحالة قلق وخوف كبيرين لأنهم أصبحوا على حافة الوقوع في فخ الفقر، الذي تتسع دائرته ويلتهم سنوياً عددا من شرائح الطبقة المتوسطة، فأجور الكثيرين لم تعد كافية لتغطية نفقات كل أيام الشهـر، مما اجبر الكثير للهجرة في صفوف الكفاءات الوطنية باتجاه دول كثيرة سواء كانت عربية او اجنبية اثر غياب الاستقرار الأمني وايقاف الانتاج الصناعي والعمراني والفشل في التأسيس لبناء نظم ديمقراطية كلها عوامل تؤدي إلى تراجع الاقتصاد والركود والتضخم وتراجع مستويات الدخل واتساع دائرة الفقر، وبدأت الطبقة الوسطى و هي العامل الأساس لحفظ توازن المجتمع، وتحفيز تطويره واستقراره، وتحقيق تنميته المستدامة، بالانخفاض المستمر في أعدادها وفى تأثيرها المادي والمعنوي في المجتمع، اي تنخفض إلى أحزمة الفقر، وبالتالي إن هذا الهبوط الطبقي يعطي مزيداً من الإفقار في المجتمع.
عرفت بغداد فى معظم عهودها بأنها مدينة الطبقة الوسطى المرفهة، والان هي بيد مجموعة من الفاسدين من الاسلام السياسي والطائفي ودويلة الحشد المرتبطة بايران وهي اكبر من الدولة وتجار المخدرات ومستغلي الأزمات والنفوذ، وهذه الفئات منبتها من المراتب الدنيا من السلم الطبقي والاجتماعي، ما أثر "وما زال يؤثر سلبًا"، في البنى الفوقية من المنظومات الفكرية والسياسية والفنية والثقافية، وبالتالي، في مقومات التغيير الإيجابي المأمول، فالتغيير البناء والإيجابي في العراق صعب ولكنه ليس مستحيلا ، ومع موجة الانفتاح الثقافي في البلاد والتي تمثلت بدخول الإنترنت على المجتمع العراقي، ظهرت فئات جديدة واعداد كبيرة من خريجي الجامعات من أبناء الطبقة الوسطى العراق، وبطبيعة الحال إن امتلاك جهاز كمبيوتر والدخول على الانترنت وهو من سمات الحياة المدنية وخصوصاً طبقتها الوسطى، ومع مرور الوقت بات هذا الجيل يرفض ممارسات الأحزاب الحاكمة ودويلة الحشد التي تقوم على المحسوبية والأستحواذ على ثرواته، فيما لم يتطور العراق بسرعة كافية اقتصاديا لتوفير فرص عمل لأفواج متزايدة من الشباب عبرت عن نفسها وأعلنت عن وجودها بقيادة ثورة تشرين الاول وعليها الاعتماد، لتذليل الكثير من العقبات للتغيير، ومنها تحرير الطبقة الوسطى، التي استبيحتْ تاريخياً، وتحويلها من طبقة منكسرة منكمشة عاجزة عن الفعل، ومكتفية بأخذ دور المتفرج المتألم على وطن يغرق، إلى طبقة مستنيرة وفاعلة في تحقيق التغيير، وفي الحفاظ عليه وحمايته بعد تحقيقه، فالطبقة الوسطى الحرة هي الأمثل لقيادة أو توجيه أي تغيير بأقل الخسائر، واعادة العراق لهيبته، والارتقاء به في المستقبل.
صحيح ان ان الطبقة الوسطى في عراق اليوم، وهي طبقة مستنيرة وفاعلة في تحقيق التغيير بدأت بالتضاؤل لكنها لا تزول، كونها تشكل الوعاء الاخلاقي وارثه الغني الذي يحترم قيمة العمل ويكرس جهود الإبداع، وفيه كوكبة لامعة بحق من العقول المبدعة والمواهب النابغة التي مازال بإمكانها أن تبدع وتخترع وأن تطور وتجدد لذلك فأن العراق بدون الطبقة الوسطى سيذهب للمجهول، لان الطبقة الوسطى هي صمام أمان أي مجتمع، وهي طبقة مستنيرة وفاعلة في تحقيق التغيير ، ووجودها له بالغ الأهمية نظراً لما تملكه من إمكانيات بشرية ومادية وتعليمية، كما أنها هي المرشح الأبرز للمشاركة بفاعلية في عملية إعادة البناء والإعمار، ويبقى دورها الأهم هو المتصل ببناء قدرات الإنسان العراقي لأنه سيكون الخيار الأنجح في صياغة المستقبل، وبهذا سينهض العراق مجدداً، وذلك هو أثمن رصيد يمكن أن تحظى، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
4573 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع