أيام زمان الجزء الثالث و العشرون /الإسكافي
ظهرت مهنة الإسكافي في الثقافة الشعبية بأشكال مختلفة، ثمة قصص شعبية كثيرة عن صانعي الأحذية منها قصة الإسكافي الذي أحسن لفقير مع كونه معدما، فيسر الله له أقزاما عملوا على صنع أحذية رائعة ذات جودة مما دعم صناعته وتجارته. كما يذكر الإسكافي في بعض الأمثال الشعبية كالإسكافي حافي على غرار باب النجار مخلوع.
وكلمة إسكافي يعود أصلها إلى اللغة السومرية القديمة، التي تنسب لحضارة السومريين التي قامت في جنوب العراق بداية من عام 3200 ق.م تقريبا، حيث اشتقت من كلمة إسكاف وكانت تعني صانع الأحذية،
وفي اللغة الأكادية حرفت إلى إسكابو وبإضافة حرف الياء لتصبح إسكافي، وهي الكلمة السائدة حتى اليوم. ودخلت المهنة بلاد العرب في شبه الجزيرة العربية وفي بلاد الشام وكذلك في بلاد الروم والفرس.
عرفت هذه المهنة عند الفراعنة القدماء في مصر، وظهرت أنواع عديدة من الصنادل، والتي كانت أشكالها والمواد التي تصنع منها تدل على المكانة الاجتماعية لصاحبها، وكان الإسكافي فيما مضي يستطيع صناعة عدد كبير من أنواع الأحذية والصنادل والقباقيب والخف والتي كانت تصنع من الجلد والخشب والمطاط والبلاستيك والجوت أو من مواد ذات مصدر نباتي، وقد ظهرت مهنة الإسكافي في الثقافة الشعبية بأشكال مختلفة حيث توجد ثمة قصص شعبية كثيرة عن صانعي الأحذية
الإسكافي (مصلّح الأحذية) من أقدم المهن التي امتهنها الإنسان، وهذه المهنة شاقة وتعد من الحرف التي يعلّمها الأجداد للآباء، ويتوارثها أبناؤهم وأحفادهم من بعدهم، كما أنها من المهن التي رأسمالها موهبة وشيء من الصبر والإصرار والعزيمة، وأدوات بسيطة عبارة عن بكرة خيوط وإبر ذات حجم كبير، ومطرقة وسندان وغراء وعلبة مسامير صغيرة بالإضافة إلى قطع قماش نظيفة لغرض تنظيف الحذاء وتلميعه بعد صناعته أو إصلاحه. وكان بعض الإسكافية وخاصة الذين يعملون في مهنة إصلاح الأحذية، لا يزاولون أعمالهم من خلال محلات أو ورش خاصة بهم، بل كان يجلس الإسكافي داخل ساتر متواضع من القماش القديم أو الخيش في الشارع أمام المارة، ويضع أمامه ما يشبه المسند (السندان)، الذي كان يضع عليه الحذاء المراد تفصيله أو إصلاحه، ويتناثر حوله بقايا الجلود الناتجة عن تفصيل الأحذية، وبعض الخيوط المختلفة الأطوال والألوان وأدواته البدائية البسيطة جدا، التي كان يستخدمها في صنع الحذاء أو إصلاحه إن كان مهترئ وبالي. الإسكافي مهنة تفرض على ممتهنها التعامل مع الأحذية القديمة والمهترئة التي تحمل الجراثيم. مع مرور الأيام يبدأ الإسكافي بحبه لمهنته، بعدما يشعر بمدى أهميتها. وتنبع سعادته من إحساسه أنه شخص مفيد في المجتمع. قديماً كانت عملية صناعة الأحذية تتم بطريقة يدوية، وكان من يمتهن هذه المهنة يطلق عليه الإسكافي أو القوندرجي كما كان يطلق هذا الاسم أيضا على من يمتهن حرفة إصلاح الأحذية، ويمر عليه الناس ومن يريد صنع حذاء خاص به، فإن الإسكافي يأخذ مقاس القدم ويصنعها له على هذا الأساس ويحدد له موعدا لاستلامها. ومن الأمور التي لا تصدق أن طول حبة الشعير استعملت كوحدة لقياس الأحذية، حيث ابتكر ذلك الملك إدوارد الثاني في إنجلترا سنة 1324م، ووجد أن طول كل ثلاث حبات شعير حوالي بوصة واحدة، حيث إن مقاس الحذاء 39 أي أن طوله يساوي 13 بوصة، وهناك مصانع للأحذية تستعمل مقاسات أخرى مثل 38، 39، 40، 41، وهي ليست بالبوصة ولا بالسنتيمتر، و جعل قياس 13 بوصة هو الأساس ، فإذا كانت القدم أطول من هذا القياس الذي اعتبر أساسيا بثلث بوصة فإن مقاسه يكون 13 × 3 + 1 = 40 ، و إذا كانت القدم أطول بثلثي بوصة كان 13 ×3 + 2 = 41 و هكذا ، أما إذا كانت أصغر من القياس الأساسي بثلث بوصة فإن قياس الحذاء يساوي 13 ×3 – 1 = 38 .
فبعض الزبائن يأتون إلى الإسكافي وهم منتعلون أحذيتهم المراد إصلاحها، ويعمدون إلى الجلوس إلى جانبه ويعطيه بالحذاء ليقوم بإصلاحه فوراً إن كان الإصلاح بسيطا أو يتركه له ليقوم بإصلاحه الإسكافي إن كان الإصلاح يحتاج إلى وقت ويقوم أيضا بتحديد موعد له لاستلامه بعد الانتهاء من إصلاحه. ولا يدفعون مقابله تصليحه أو عملية ترقيعه سوى المال القليل.
أما الآن فقد أصبحت صناعة الأحذية التقليدية الحرفية، بالطريقة اليدوية محدودة للغاية، وأصبحت تلك المهنة على وشك الانقراض والاندثار، بسبب كميات الإنتاج الكبيرة من الأحذية الصناعية والتي قد لا تكون بجودة الصناعة التقليدية اليدوية، كما أنها قد لا تهتم بالتفاصيل أو الحرفية.
يعمل جميع أصحاب مهنة الإسكافي في جميع أنحاء العالم على المحافظة على استمراريتها في وسط العصر الذي تُسيطر عليه الصناعات التكنولوجية. لهذا، عليهم إدراك مدى أهمية هذه الوظيفة والحفاظ عليها. ويؤدي الإسكافي مهنته بفضل مهارات العمل اليدوي التي يمتلكها، في إصلاح الأحذية القديمة والتالفة والممزقة، وكذلك إصلاح وإنتاج المنتجات الأخرى التي لا تقتصر فقط على الأحذية مثل الحقائب والأحزمة.
وفي اليمن، يشتري الناس الأحذية قليلة الجودة المصنوعة في الصين بثمن متدن، ثم يسلمونها إلى الإسكافي ليزيد متانتها بطريقته. يجري عدة تعديلات على الحذاء الصيني لكي يعيش وقتا أطول. يعيدوا لها الخياط ويعيدوا لها الغراء (اللصق بالغراء) ثم الكبس.
الإسكافيين يعيشون يومهم كاملا بين المسامير والمواد اللاصقة، والمطرقة والسندان، يحاورون الزبائن، وأيديهم لا تفارقان فردة الحذاء، وقليلون من استطاعوا الاستمرار في فتح محالهم، فحرفة الإسكافي تحتاج إلى الصبر، والتعامل مع الأحذية ومشاكلها بفن وإتقان وجدية، إضافة إلى حسن التعامل مع الزبائن.
والأدوات التي يستخدمها الإسكافي، رغم بساطتها، فيضع على ركبتيه قطعة مستطيلة من الخشب تكسوها
طبقة سميكة من المادة اللاصقة، التي تراكمت مع مرور الأيام فوق تلك الخشبة، وإلى جانبه خزانة تحتوي على عبوات المادة اللاصقة ومسامير من مختلف الأحجام ومواد أخرى، إضافة إلى كمية كبيرة من كعوب الأحذية المتنوعة، وهي المادة الأكثر استهلاكاً في مهنة إصلاح الأحذية. وقليل من الناس من يمتهن حرفة الإسكافي، ليس بسبب عدم قدرتهم على تعلمها، لكن بسبب الأوساخ والتعفن الذي يلازمهم والإسكافي طيلة اليوم داخل المحل مع مواد ملوثة تتسبب فيها الروائح الكريهة المنبعثة من أحذية بعض الزبائن، والتي تكون في غالبيتها أحذية مهترئة وممزقة، ويعتبر الإسكافي ملزماً بإصلاحها وإعادة ما تبقى من بريقها إرضاء للزبائن. ويعمل الإسكافين جاهدين على أن تبقى مهنة تصليح الأحذية، ورغم نفور أبنائهم الذين يريدون متابعة دراستهم، ورغم احتلال الآلة أكثرية المهن، وتبقى هذه الحرفة حاجة ومطلب الأغلبية.
الإسكافية يستخدمون في البداية الخشب لتشكيل قوالب الأحذية، لكنهم الآن يعتمدون على المواد البلاستيكية أكثر ، وكانت بعض القوالب تبدو مستقيمة وكان هناك دائما زوج من القوالب المنحنية، أحدها لفردة الحذاء اليمنى والآخر لليسرى، ويستخدمون أكثر من 15 تقنية مختلفة لصناعة الأحذية، منها الربط والتدعيم بالجلد الإنجليزي والطريقة النرويجية، والغُرز المتجهة إلى الأسفل والحياكة الألمانية، والغُرز البولونية وغيرها، وكانت بعض أنواع الأحذية المصنوعة حسب النمط القديم التقليدي، تتضمن الفراء الذي يلف القدم ثم يتم لف أربطة صندل فوق الفراء، وقد استخدمت هذه الأحذية من قبل مقاتلي الرومان الذين حاربوا في شمال أوروبا، كما كانت هناك القباقيب وهي أحذية خشبية كانت تحشى بالقش لتدفئة القدم، وأيضا كان هناك الخف وهو حذاء يتصف بالبساطة مصنوع غالبا من أنواع مختلفة من الجلد غير أنه لم يكن متينا بما فيه الكفاية لحماية القدم وراحتها .
قد يستخدم الحرفيون في الدول النامية، إطارات الشاحنات أو السيارات الفائضة عن الاستخدام، كمادة وفيرة ورخيصة لصنع نعال الأحذية والصنادل. وهناك جمعيات مختصة تقدم المشورة لأولئك الذين يهتمون بالحصول على أحذية، تحقق لهم الرفاهية والرخاء من حيث إكمال الصورة والمظهر.
قصة الإسكافي والقزمين: بطل قصتنا هو صانع أحذية (إسكافي)، أصبح فقيرا لدرجة انه لم يعد يمتلك غير قطعة من الجلد لا تكفي إلا لصنع فردة حذاء واحد، وفي المساء بدا بقطع قطعة الجلد بحيث يستطيع في الصباح إكمال تصنيع الحذاء، ولأنه ذو قلب طيب استلقى على السرير ودعا الله بان يحسن أحواله ونام، وفي الصباح تفاجئ بالحذاء على طاولته جاهزا فاندهش بما رأى، ولم يعرف ماذا يقول وبعدها أحد الحذاء ليدقق فيه عن قرب فرأى انه قد تمت حياكته بشكل دقيق جدا، فأصبح شكله تحفة فنية. أخذه إلى السوق وعرضه للبيع، أعجب أحد الزبائن بالحذاء واشتراه ودفع فيه أكثر من المعتاد، وبهذا المبلغ كان بمقدور الإسكافي أن يشترى قطعة من الجلد كافية لصنع زوجين من الأحذية، وقام في المساء بقطع قطعة الجلد لتصنيعهما بالصباح، ولكنه يفاجئ صباحا بانه لا حاجة للعمل فهناك على الطاولة زوجين من الأحذية جاهزين، وبالطبع كان هناك زبائن لهما، واشترى مجددا قطعة أكبر من الجلد تكفي لصنع عدد أكبر من الأحذية وظل الوضع هكذا لفترة بحيث بنى الإسكافي سمعة طيبة بين الناس بأحذيته الرائعة وأصبح رجلا غنيا.
وفي ليلة قبل أعياد الميلاد قال لزوجته: ما رأيك أن نظل مستيقظين ونجلس نراقب الطاولة، لنرى من يقوم بتصنيع الأحذية ويساعدنا بهذه الدقة، فأعجبت زوجته بالفكرة فأشعلت شمعة واِخْتَبَآ ليشاهدا ماذا يحدث كل ليلة في المساء، وفي منتصف الليل أتى قزمين بلا ملابس وجلسا على الطاولة وأخذا يعملان بجد ودقة كبيرة في تصنيع الأحذية بأصابعهم الصغيرة ولم يتوقفا عن العمل حتى اِنْتَهَيَا من تصنيع الأحذية بكل دقة ومهارة وبعدها اِخْتَفَيَا.
و في الصباح قالت زوجته بان هذين الرجلين الصغيرين جعلونا أغنياء و يجب أن نرد لهم الجميل حيث انهما كانا بدون ملابس و حتما يشعران بالبرد و لذلك سوف أقوم بخياطة الملابس لهما فوافق الزوج بالفكرة و في ليلة واحدة حضرت الزوجة الملابس مع الأحذية وصنعتها خصيصا لهؤلاء القزمين و في المساء وضع الزوجان الملابس و الهدايا على الطاولة واِخْتَبَآ مجددا وهما يراقبان القزمين وينتظران ماذا سيفعلان بهذه الملابس، و في المساء أتى القزمين حتى يعملان بالجلد ويصنعان الأحذية، ولكن بعدما شاهدان الهدايا على الطاولة، اندهشا وشعرا بالسعادة واِرْتَدَيَا الملابس بسرعة و أخذا يغنيان ويرقصان طوال الليل و لكنهما لم يعودا للعمل مجددا وصنع الأحذية وغادرا بين الإسكافي وهكذا منذ تلك الليلة لم يعودان إلى منزل الإسكافي. ولكنه كان قد استقرت أوضاعه المادية جيدا.
المصدر:
من موسوعة كنوز أم الدنيا
لندن الشرق الأوسط
مواقع التواصل الاجتماعي
2812 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع