تحول النشاط التجاري في البصرة من منطقة ( السيف ) الى ( العشار )
مقدمة
تأتي هذه السطور الاستذكارية كتوضيح للدكتور البصري الاصيل طلعت الخضيري ، الذي تساءل في احد تعليقاته على استذكاراتي عن السبب الذي جعل الباحثين يلقون بأضواء خافتة على دور محلة العشار التجاري مركزين على اهمية محلة البصرة القديمة تجاريا وسياسيا واقتصاديا ، آملا ان تتشكل لدى الدكتور الخضيرى فكرة اوضح عن تعاقب الادوار السياسية لكل من احتل البصرة فارسيا كان ، عثمانيا ، او بريطانيا . تحية للدكتور الكريم وتحية لعميد موقع الكاردينيا الزاهر الاستاذ جلال چرمگا :
نهضت محلة ( السيمر ) في اواخر القرن التاسع عشر حين اتخذتها سلطة الاحتلال العثماني همزة وصل باتجاه ( العشار ) المحلة الاقرب لشط العرب وللحراك التجاري الذي تميز باشتداد حدة التنافس بين ( دولة الرجل المريض ) او الدولة العثمانية والنفوذ البريطاني على التحكم بميناء البصرة الذي كان الخليج آنذاك يسمى باسمه .ولما ادرك العثمانيون اهمية الانتقال من منطقة البصرة القديمة (منطقة شناشيل الأغوات ورجالات الدولة) ؛ عمدوا الى بناء صرح السراي الحكومي الذي توزع على ضفتي نهر العشار القادم من شط العرب ليحتل ضفتي النهر الشمالية والجنوبية ،اضافة الى السجن المركزي .
وهكذا ازدادت اهمية (السيمر) باعتبارها تطل مباشرة على النهر فافتتحت فيها عشرات المحلات التجارية وصارت تأتيها المهيلات والمراكب الصغيرة لتفرغ شتى اصناف البضائع . غير ان حريقا هائلا داهم المحلة سنة 1904 واستمر اياما معدودة لتعود ( السيمر ) الى سابق انزوائها كمحلة مجاورة للطريق المطل على النهر والذي يصل الى مركز المدينة على امتداد ما اسماه البريطانيون بـ( طريق الساحل ) لغرض الانتفاع منه في اثر الاحتلال البريطاني للبصرة 1914 .
حريق السيمر
وبسبب بدائية التوثيق وندرة الصور الفوتوغرافية قلما جرى ذكر محلة السيمر كواحدة من كبريات الواجهات التجارية في المدينة ، ومع انطفاء آخر لهب وجمرة في محلة السيمر، ازدهرت قصبة العشار لتصبح مركز المدينة التجاري ولينهض معها سوق الهنود الشهير ومرسى الدوكيارد عند فم نهر العشار وكذلك أسياف محلة الخندق والتي كانت من بينها مخازن العديد من التجار البصريين وكان في مقدمتها اسياف بيت الخضيري الذي كانوا يتاجرون بالحبوب والمواد الغذائية الأخرى .
لقد قضى حريق السيمر الهائل على اموال الناس وأصابهم بأضرار جسيمة لا حد لها . ولم يكن في ذلك الوقت آلات للإطفاء مما زاد الطين بلة وذهب بسببه ضحايا من الأرواح والاموال . اما دار الحكومة والسجن المركزي فلم يصبهما من الحريق شيء.
ترى من اشعل النار في مخازن تلك المحلة المطلة على نهر العشار القادم من شط العرب ؟! لا توجد اشارات او دلائل حول السبب الذي اطاح بالمحلة وقزّم دورها التجاري بعد ان كانت مجموعة من المباني التجارية والخانات والسرايات والمسافر خانات.
ومع مقدم الاحتلال البريطاني ، تبين انه كانت للمحتل وجهة نظر اخرى حول العشار التي كانت قبل قرن من الزمان او يزيد مجموعة من المسطحات المائية وبساتين النخيل القليلة السكان . وقد ارتأى الانكليز تسليط الضوء على محلة العشار باعتبارها اقرب للنهر الكبير (شط العرب) التي تتخالط مياهه بمياه الخليج العربي عند الفاو من واقع فهمنا للأهداف الكولونيالية للمحتل الجديد خلافا لما قصده العثمانيون من جعل المركز التجاري في البصرة القديمة اولا لقرب محلة السيف من باب الزبير او بوابة الزبير حيث كان التبادل التجاري مزدهرا بين اهل البصرة وبدو الزبير ونجد ، كما ان تمركز محلة ( السيف ) غربي البصرة أريد منه النأي بالمركز التجاري عن التهديد المحتمل للنفوذ الشرقي الفارسي الذي تمثل بالغزوات الفارسية وموجات الحصار الذي فرضه الفرس على المدينة في اكثر من مناسبة . ولهذا سعى الانكليز الى تشييد جسر الهنود تحت مسمى ( جسر وايتيلي ) ثم قاموا بتشجيع شريان محلة العشار على الصعيد التجاري ، وهكذا ازدهر سوق الهنود او سوق المغايز مع مجيء الهنود كمحتلين وتجار وزوار للمراقد المقدسة وازدهرت ، تبعا لذلك، الخطوط الملاحية عبر البحار Overseas وعبر نهري دجلة والفرات وتعاظم بالتالي دور مدينة البصرة كميناء رئيس في الخليج .
مصالح استعمارية
والمعروف عن الانكليز اهتمامهم بالأمور الإدارية للبلاد التي يحتلونها كسكك الحديد والخطوط البحرية التجارية . وتجلى اهتمامهم عبر اكثر من مثال اذ تسنم البريطانيون ــ غبّ الاحتلال ــ ادارة كل من الموانئ والبلدية ودوائر الصحة والمصارف التي تشكل في العادة البنى التحتية لكل بلد دون ان نغفل عن حقيقة ان ذلك الاهتمام كان يصب في نهر المصالح الاستعمارية للاستعمار البريطاني . غير ان ازدهار العشار قد جرى بالتدريج وعبر عقد من السنوات حيث نقرأ في كتاب ( بلدية البصرة ) للمرحوم رجب بركات اجراءات التحول التدريجي للعشار التي كانت تعد قصبة تابعة لمنطقة لمنطقة البصرة القديمة ، لتمسي المركز البديل لميناء البصرة على حساب منطقة ( السيف ) التجارية التي كانت تحتلها القنصليات والممثليات والمصارف والمراكز الثقافية كمدرسة ( الرجاء العالي ) لحين احتلال البصرة من قبل المحتل البريطاني .
814 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع