مناضل داود: يشـّرفني ان أحمل ارفع وسام كروي شبابي!
"ما زالت تلك الدقائق تقف شاخصة في حياتي،ورنين كلمات المدرب،واللاعبين ، وأصوات المشجعين العراقين في ملعب "دكا" او في الوطن، مازال صداها يـصدح عاليا، كلما وضعت هذا الوسام قريبا من اذني او قلبي، مازلت اسمع الصوت القادم عالي جدا، عراق عراق عراق.
ايّ انجاز كان، وأيّ حلم تحقق."
بهذه الكلمات يبدأ اللاعب الدولي الشبابي السابق "مناضل داود" حديثه عن رحلته الرياضية، والتي كانت رغم قصرها حافلة بالكثير، لابل انها تمثل اروع ما يمكن له ان يتذكر.
الصدفة وحدها
مثلي مثل الكثيرين، كنا نلعب في المدرسة والمنطقة. وبسبب من كون والدي كان على ملاك السكك، فقد سكنّا شارع فلسطين (دور السكك)، وقد قادتني الصدفة والحظ مرة، عبر احد الرياضين للتقديم الى فريق "اشبال الزوراء لكرة القدم" في العام 74. في العام 75 ترشحت لفريق اشبال الزوراء، وقد أشرف علينا المدرب المرحوم وهاب خلف، وحجي رشـيد راضي و مقداد جرجيس ستو. هؤلاء الناس كنت ومازلت وسأبقى احتفظ لذكراهم احلى الأيام ، ودائما ما اتمنى الرحمة لموتاهم، والصحة والسعادة لمن بقى منهم على قيد الحياة.
وفي العام 1975 وأثناء مشاركتي في الفريق، دخلنا دورة اشبال في السويد (بطولة كوتيا) وحصلنا على المركز الثالث من بين 98 فريق مشارك في الدورة، وأتذكر ان الأساتذة مظفر نوري و ممتاز يلدو كانوا مدربينا آنذاك. في العام 1976 شاركنا في الدورة العربية المدرسية في الصومال، وكان لي شرف حمل شارة (كابتن الفريق)، وحققنا المركز الأول بعد فوزنا على فريق الصومال 2-1، في بلده وبين مشجعيه، وكنّا حينها تحت اشراف المدرب الأستاذ عامر جميل.
"دكا" والحلم
لم تكن حماسة الشباب او ارتقاء ســلّم المجد ما ميـّز العام 1979 فقط. يقول السيد مناضل داود، في هذا العام شاركنا في "دورة شباب آسيا" التي اقيمت في "دكـا" عاصمة بنغلاديش، وأذكر جيدا العديد من الوجوه الكروية التي صارت نجوما في السنين اللاحقة ومنهم، عدنان درجال، حارس محمد، كريم محمد علاوي و عماد جاسم وآخرين تحضرني صورهم في قلبي ولا تحضرني اسمائهم!
قدم الفريق اروع ما يمتلك، ووصلنا للمباراة النهائية مع منتخب كوريا الجنوبية. تحدث الينا المدرب اليوغسلافي (كاكا) ومساعده الأستاذ عبد الوهاب عبد القادر وأعطونا التعليمات. لعبنا تلك المبارة وكان امامنا هدفا واحدا فقط، الفوز لاغير. استمات اللاعبين، وساندنا الجمهور الذي حضر الملعب، ووصل الي مسامعنا صدى الملاعب العراقية وصيحات الجمهور ولحظات انتظاره القلقة، حضرت امامنا كل مظاهر الفرح والفرق الموسيقية الشعبية، ومنبهات السيارات، والمتفرجين امام اجهزة التلفزيون في مقاهي العراق، حضر الألق والأستبسال، فكانت النتيجة ان فاز فريقنا بالقرعة بعد انتهاء وقت المباراة الأصلي بالتعادل، وأعتبرت النتيجة 2-1 لصاح شباب العراق. امام تلك الثواني، مازلت اجد صعوبة بالغة في توصيف مشاعرنا، بين البكاء والضحك، بين التقبيل وحمل احدنا للآخر، بين التهاني وتحية الجمهور، كل هذه التنهدات الأنسانية ترجمها صعودنا الى منصة الفوز وأرتفاع علم البلاد عاليا وعزف السلام الجمهوري العراقي وتألق الميداليات الذهبية على صدور لاعبي منتخب شباب العراق. شعور ما بعده شعور، لازال يرهبني لليوم، ويبعث في جســدي تلك الشحنة الكهربائية الجذابة.
استمرار اللعب
عقب تلك الدورة المشهودة، لعبت حوالي 7 مباريات ضمن تشكيلة منتخب الزوراء، بعدها قررت عائلتي في مطلع الثمانينات الهجرة للولايات المتحدة. لعبت في فرق الجالية العراقية الموجودة آنذاك، فريق نادي الشبيبة الكلدانية حيث كان يشرف على تدريبنا الأستاذ مقداد ستو لاعب الزوراء السابق، والنادي العراقي الأمريكي الذي كان يشرف على تدريبنا السيد طلال مختار. وفي العام 1981 انتسبت ل "جامعة اوكلاند" في ديترويت ولعبت ضمن تشكيلة فريقها الكروي، وحصلنا في ذات السنة على المركز الرابع على عموم امريكا لفرق الهواة!
ويسعدني ان اقول ايضا، اني وبعد ان لعبت اول 7 مباريات مع فريق "جامعة اوكلاند"، اخترت ضمن تشكيلة منتخب الشباب الذي يمثل كل الولايات الأمريكية، وكان هذا الأنجاز يحسب للجامعة،ولي ايضا.
مســـيرة قصيرة
لم تسر الأمور كما كنت آمل لها، فللغربة ثمنها، وواقع الحال ، والظروف المعيشية فرضت علّي ضريبتها، مما اضطرتني لترك الجامعة (وترك فريق الجامعة) والتوجه للعمل من اجل توفير مستلزمات الحياة، ومن ثم الأنخراط في الأعمال الحرة، مما قيد حركتي ونشاطي الذي اقتصر فيما بعد على اللعب بشكل ودّي، بغية الحفاظ على اللياقة البدنية مع صحبة جميلة جدا اذكر منهم، عماد جاسم، فراس عبد كاظم وثامر يوسف.
تواصــل
وعندما سألت اللاعب "مناضل داود" عن تواصله مع اللاعبين العراقين الأقدم منه جيلا قال: ربما يكون من حسن حظي تواجدي في هذه المدينة العزيزة (ديترويت) لما حوته من اناس كان لبصماتهم اثر على حياة العراقين ومنهم من في الوسط الرياضي. كنت قريب جدا من المرحوم النجم عبد كاظم، واليوم احتفظ بعلاقة جميلة مع نجله فراس، كما اتواصل مع الجيل الرائع متمثلا بالأساتذة فلاح حسن، ثامر يوسف وضرغام الحيدري. نتدرب احيانا، ونلعب احيانا اخرى. نتسامر ، ونتناقش، ونتأمل مستقبل الكرة العراقية في احيان كثيرة.
حول الكرة العراقية
طالما كان الحديث حول الكرة في العراق سألته ان كان متواصلا، فقال: انا اتواصل مع الكرة العراقية عبر عدة قنوات منها، الأخبار التي تحملها الصحف والمواقع الكروية والرياضية العراقية، وثانيا عن طريق نادي الزوراء – أبي و أمي – كما يحب البعض اصطلاحه، ومن خلال بعض النجوم من جيلي، والذين مازلت احرص على احلى العلاقة معهم، وأذكر بأعتزاز اللاعب سعد عبد الحميد والأستاذ فلاح حسن، عضو الهيئة الأدارية للنادي.فأنا بأختصار مدمن على اخبار نادي الزوراء الغالي على نفسي،والشباب، والمنتخب الوطني، هذا الفايروس الذي لا اتمنى الشفاء منه!
من له الحق بالحديث
وبالحديث عن الكرة العراقية سألته، وهو خير المتابعين عن موقفه من نتائج المنتخب، او مما يجري هناك قال: ليس من السهل التعامل معهم، فعقليتهم ليست كعقليتنا، ولو ضربت لك "قطر" و "الأمارات" نموذجا فيما وصل اليها مستوى الكرة، والملاعب والمدربين والأهتمام باللاعبين، ستفهم حجم خيبة الأمل. وثانيا، ان هناك امورا لا تسير على ما يفترض ان تسير عليه مثلا: اني لست مقتنع بالمدربين العراقين، فهم (مع احترامي لهم) ذوي امكانيات محدودة، وفرص تطورهم محدودة جدا، كما اني لا المس ذاك الشوق العارم، والروح الوثابة لدى اللاعبين للعب من اجل الفوز، بالحقيقة وجدت العكس، كذلك، راعني حجم الفساد الأداري في الوسط الرياضي، فكيف يمكن ان يعقل بأن لاعبا ما يدفع رشـوة للنزول مع الفريق، انا لم اسمع بأي شئ من هذا.
الشهادة الفخرية من جامعة أوكلاند بولاية مشيغان
قاطعت اللاعب "مناضل داود" بالقول: انت بعيد عن العراق، فكيف لك ان تحكم بمثل هذه الأحكام، فردني بالقول: هذا الكلام مردود، من قال اني بعيد عن العراق، ودونما اية مبالغة اقول، ان العراق يعيش بي مثلما اعيش بالعراق، وللطرفة اقول، لو كان كلام البعض صحيح عن المسافات وبعدها، فهل يحق لرواد الفضاء الأنتساب للأرض!! لكني ازيدك علما ببعض المشاكل التي يأخذ الفساد الأداري طوره بها على سبيل المثال: ان اتحاد الكرة العراقي مؤلف من 72 عضو في الهيئة العامة، وأن 64 عضوا منهم ليسوا رياضين اصلا ولايحملوا اية شهادة رياضية! ماذا تسمي ذلك؟ وشئ آخر، لقد تعودنا على السياقات الرياضية التصاعدية في حياتنا التي كانت تبتدأ ب الأشبال، الناشئين، الشباب، الرديف ثم الفريق الأساسي. اين الوضع الراهن من هذا؟ في زمن المدرب المرحوم عمو بابا كانت الأمور افضل، وحتى مدرسته ساهمت بشكل جيد، لكن المشكلة هي في العقليات المسيطرة والمتحكمة بالقرار. ان الأتحاد الموجود "غير شرعي" لأن ولاء الموظف او اللاعب او الأداري يجب ان يكون للوطن اولا وأخيرا، وليس لأية جهة اخرى.
محطـات
مناضل داود من مواليد محافظة البصرة ، مدينة المعقل في العام 1960، عمل والده موظفا في السكك برتبة "مدير محطة"، فكانت العائلة عرضة للترحال حيثما حل الوالد بوظيفته. انتقلوا بعد ذلك الى بغداد، ودرس مناضل الأبتدائية في مدرسة راهبات التقدمة، ثم في ثانوية عقبة بن نافع بشارع فلسطين وأخيرا في اعدادية النضال بمنطقة السنك. له علاقات حميمية وحضور طيب في الوسط الرياضي العراقي بولاية مشيكان، وقد مارس التدريب لفترة قصيرة لأحدى فرق الأشبال، الا ان ظروف العمل ومتطلبات المعيشة تقف عائقا معظم الوقت.
وقبل ان انهي رحلتي معه في هذا اللقاء مسك بالميدالية الذهبية المعلة في صدره ونظر اليها وأستذكر مقولة مأثورة للاعب نادي شيكاغو للهوكي جانثن تويوز "اعلم ان جميع الناس التي اتت وأظهرت تشجيعها وأعتزازها بأنجازاتك، اعتقد انها تــذّكّرك دوما، بأنك دون هؤلاء الناس لا يمكنك تحقيق حلمك. ان اللعب في دوري الهوكي شـئ، والفوز ب "كأس ستانلي" ومشاركته مع الجمهور، شئ آخر بالمرة".
وفي ختام حديثه يتمنى الموفقية والتألق للكرة العراقية واللاعبين والمدربين وكل الكادر المنغمر بهذا العمل، وهو يكرر اللازمة التي شاعت بين الناس، لا شئ تحت السماء يوحد العراقين مثل الكرة، فأن كان المسؤلين حريصين حقا على وحدة العراق، عليهم الأهتمام بالكرة من الفها الى يائها.
كمـال يلدو
كانون ثان 2014
594 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع