شقيق اللواء ناظم كزار يرد على طاهر العاني ناظم كزار أول الثائرين على انحراف البكر وصدام ومحاولتـهما تـحويل النظام لمصلحة العشيرة والعائلة!
بقلم / الدكتور محمود كزار العيساوي
أخبَرني أحد الحزبيين القدماء السَّيِّد «م. ع. ح. الموسوي«, الَّذي عمل بعد انشقاق الحزب مع الجَناح المُنشق من الحزب: «بأَنَّ ناظم قد أخبره في حديث جرى بينهما في سجن بعقوبة عندما كانا مُعتقلين بعد 18 تشرين ثاني عام 1963م, بأَنَّه لا يتوانى عن خدمة الحزب بكل إخلاص وتفاني... ولكنَّه (ناظم) لو شعر في أي يوم بانحراف القيادة عن نهجها فسيكون أوَّل الثائرين عليها«.
عبدالخالق السامرائي
6. ثم أنَّ كاتب المقال يقع في تناقض وتشوش الرؤية, حيث يذكر: «ولكن يظهر أنَّ المتآمرين اتفقوا على أنْ يتولى السَّامرائي، أمانه سِر الحزب ورئاسة الجمهورية عام 1972م«, وهنا لا أعرف هل هنالك خطأ بالسنة وهو يقصد بها عام 1973م, أم كان الاتفاق بينهم منذ العام 1972م فعلاً؟ ثم أنَّه هنا يَستعمل صِيغة الجَّمع «اتَّفقوا« أي (ناظم ومحمد فاضل وعبد الخالق السَّامرائي), ثم يردف ذلك بقوله «مع أنه لا ذنب له إنْ كان ذلك صحيحاً« ويعني به عبد الخالق السَّامرائي, فكيف يكون السَّامرائي لا ذنب له وهو قد سبق واتَّفق مع ناظم ومحمد فاضل على أنْ يتولى أمانه سِر الحزب ورئاسة الجمهورية؟ حسب ما أورده كاتب المقال في بداية هذه الفقرة. وكيف يستقيم ذلك مع ما أورده في الفقرة السابقة بكون صَدَّام لم يكن المُستهدف, وهل يعقل أنْ يتقبل صَدَّام وهو نائب أمين سِر الحزب ونائب مجلس قيادة الثورة في حالة نجاح المحاولة (في حالة كونها صحيحة) وتم التَّخلص من البَّكر فقط أنْ يتولى عبد الخالق السَّامرائي أمانه سر الحزب ورئاسة الجمهورية؟ وهو أصلاً «السَّامرائي« كان شبه مجمَّد حزبياً وقد انقطع عن حضور اجتماعات القيادة منذ فترة طويلة وكان عمله محصوراً بالمكتب الثقافي فقط, ذكر الدكتور جواد هاشم في كتابه (مُذكرَّات وزير عراقي مع البَّكر وصَدَّام) ص 214:
(أَنَّ عبد الخالق السَّامرائي كان على خِلاف مُستمر مع البَّكر وصَدَّام). كما ذكر الدكتور هاشم في ص 132: (أَخبرني «يعني السَّامرائي« بأنَّه قد قاطع اِجتماعات مجلس قيادة الثَّورة منذ فترة طويلة اِحتجاجاً على تَصرفات بعض الأَعضاء وعدم اِلتزامهم بمبادئ الحزب), وقد أشار كاتب المقال إلى ما يشبه ذلك:
(وتهجَّم «السَّامرائي« بشدَّة على طه الجزراوي مسؤول فرع بغداد ووصفه بأنَّه أميّ لم يقرأ في حياته كتاباً واحداً) وكما هو معروف كان الجزراوي من أشد الموالين لصّدَّام, كما أورد كاتب المقال في مكان آخر (فقد اختلف عبد الخالق السَّامرائي مع الفريق حمَّاد شهاب وزير الدفاع، في اجتماع مجلس قيادة الثَّورة، وكان عبد الخالق قاسياً في ملاحظاته وكلماته، مِمَّا سبَّب استياء البَّكر، وغَضب صَدَّام، الَّذي قال لعبد الخالق لَنْ أنسى لك ذلك).
7. ذكر صاحب المقال: (وفي تلك الفترة حدث تقارب بين عبد الخالق السَّامرائي عضو القيادة القطرية لحزب البَّعث وبين محمد فاضل وناظم كزار، بعد علاقة سيئة ومتوترة، بسبب الاعتقالات الَّتي تقوم بها المُخابرات لكادر الحزب الشيوعي والتَّنظيمات الكُردية، ودفاع واستفسار عبد الخالق المُستمر عن مصيرهم..)
سعدون شاكر
أقول له أنَّ المرحوم ناظم لم تكن له علاقة بالمُخابرات حيث كان المَسؤول عنها سَعدون شاكر, وكان المرحوم عبد الخالق السَّامرائي مسؤول الأمن الوطني وهو لم يكن على خلاف مع المرحوم ناظم بل على العكس كان متَّفقاً معه ومشاركاً له استيائه بانزلاق الحُكم نحو العشائرية والمناطقية, وقد أورد كاتب المقال عن لقاءات ناظم ومحمد فاضل وعبد الخالق السَّامرائي: «وأخذوا يلتقون ليلاً في حديقة بناية المكتب الثقافي، الواقع على نهر دجلة، قرب القصر الجمهوري وكان يدور همس حول هذه اللقاءات، وتجنبهم اللقاء داخل المكتب، خشية وجود جهاز تنَّصت فيه«.
وقد أورد كاتب المقال في مكان آخر بعد إلقاء القبض على ناظم: (وذكر صَدَّام، أنَّه استدعى محمد فاضل وعاتبه، وذكّره بثقته ومحبته ورعايته وحمايته له.. حَتَّى أنَّه قام قبل 17 تموز 1968م بإخفائه لدى والدته في قرية العوجة، خشية أنْ يقتله جبار الكُردي، لقتله أخيه، فبكى محمد فاضل، واعترف له، أنَّه وعبد الخالق السَّامرائي شاركا ناظم في المؤامرة, وبعد اعتقال ناظم، لم يخف محمد فاضل تعاطفه معه، وقال إنَّ مصير ناظم يهمني), وبخصوص ما ذكره كاتب المقال عن اعتقالات كادر الحزب الشيوعي والتَّنظيمات الكُردية أقول:
أنَّه بعد بيان 11 آذار عام 1970م بل وحَتَّى ما قبله حيث كانت المفاوضات جارية ما بين الحكومة والقيادة الكُردية أطلق سراح جميع المُعتقلين السياسيين وحَتَّى غير السياسيين من الأكراد ولم يبقى في المُعتقل أي مواطن كُردي طيلة تلك الفترة وإلى عام 1974م,
وبالنسبة للشيوعيين اللجنة المركزية فكانت هنالك طروحات ولقاءات وعلى أعلى المستويات لقيام جبهة ما بينهم وبين حزب البَّعث ومنذ العام 1969م بل وما قبل 17 تموز عام 1968م وتم إصدار مجلة الفِكر الجديد عام 1969م وتم استيزار وزيرين منهم عام 1972م, وقبل ذلك لم يُعتقل منهم إلاَّ بضعة أشخاص لفترة مَحدودة بعدها جرى إطلاق سراحهم, وكذا الحال مع جماعة عزيز الحاج الَّذين انتهجوا الكفاح المُسلَّح كنهج وطريق عمل لهم ومنذ العام 1967م ورفعوا في البدء شعار إسقاط النظام العارفي, ثم نظام البَّعث بعد 17 تموز عام 1968م فجرى اعتقالهم لفترة محدودة ومن ثم تم إطلاق سراحهم لاحقاً، وكذا الحال مع باقي التَّنظيمات حيث لم يكن يتجاوز عدد المُعتقلين منهم بأجمعهم المائتي شخص جرى إطلاق سراح غالبيتهم في أوقات مُختلفة.
8. يسرد كاتب المقال حرفياً ما صَرَّح به الناطق الرسمي للحكومة آنذاك بل هو ينهل حرفياً من كتاب برزان التكريتي (مُحاولات اغتيال الرئيس صَدَّام حسين) ابتداءً من أخذ الرهائن وتأخر طائرة البكر ومطاردة السمتيات... إلخ, ولم يأتي بأي شيء جديد.
9. إنَّ الَّذي حدث في 30 حزيران لم يكن مُحاولة اغتيال بل كانت انتفاضة ورفض للقيادة السياسية والحزبية القائمة آنذاك, والدَّليل على ذلك هو طلب المرحوم ناظم من خلال جهاز الإرسال عقد مؤتمر في دار عبد الخالق السَّامرائي لبحث كافَّة الأمور الَّتي كان يرفضها كل من ناظم ومحمد فاضل وعبد الخالق السَّامرائي, والَّتي كانوا ينادون بها مِراراً وتكراراً ولم يكن هنالك من مجيب. وهو لم تكن في نيته الاتجاه إلى إيران كما أوحى الناطق الرسمي حينها «للإيحاء بكون ولاءه لإيران« علماً بأنَّه قد درج الكثيرون على إطلاق صِفة العِجمي على كل عراقي شيعي حَتَّى ولو كان ينتمي إلى مِضر وعدنان! إنَّ ناظم كان يريد كسب الوقت ولإفساح المجال للقيادة للاستجابة لطلبه بعقد المؤتمر.
سعدون غيدان
10. كانت القيادة لا تعلم شيئا عن طبيعة القائمين بالتَّمرد حَتَّى انتهاءه يوم 1 تموز فقد كان الاعتقاد السائد لدى القيادة وكانت التَّعليمات الحزبية الَّتي تم تعميمها على الجهاز الحزبي أنَّ القائمين بالتَّمرد هم «ناظم وسَعدون غَيدان وحمَّاد شهاب« وعلى ذلك الأساس تم الإيعاز للسمتيات بإطلاق النَّار على جميع من في الرتل «وليس بسبب كونه كان متجهاً نحو إيران«,
حماد شهاب
وفعلاً قامت تلك الطائرات بقصف الرتل بأجمعه, حيث قُتلالمَرحوم حمَّاد شهابوجُرح سَعدون غَيدان, ولم تتبين حقيقة الأمر إلاَّ بعد انقشاع الغبار عن مكان المعركة حيث تبين أنَّ سَعدون غَيدان وحمَّاد شهاب كانوا رهائن, ذكر الدكتور جواد هاشم في كتابه (مُذكرات وزير عراقي مع البَّكر وصَدَّام) ص/ 215 ما يلي: (وكان طبيعياً بعدما فشلت مُحاولة الاِنقلاب, أَنْ يُتَّهم مُدَّبرها ناظم كزار, الَّذي يَسود الاِعتقاد أَنَّهُ من أَبناء الطَّائفة الشيعية وأنَّهُ كان يَسعى إِلى إِقامة حُكم شيعي في العراق, وقد سمعت هذا الكلام شَخصياً من سَعدون غَيدان عندما زرته في مسكنه للتهنئة بسلامته وقال لي بالحرف الواحد: «ألف مرَّة قلت للرفيق البَّكر والرفيق صَدَّام أَنْ يَحترسا من هذا «العِجمي« مدير الأَمن العَّام, وقد أَثنت زوجته على هذا القَّول وأَضافت: إِنَّ زوجي لا يتآمر على البَّكر وصَدَّام, هذا «العِجمي« هو المُتآمر).
11. بعد أنْ تم التَّحقيق مع بعض الَّذين تم اعتقالهم مع ناظم اعترفوا على محمد فاضل وعلى عبد الخالق السَّامرائي فجرى إلقاء القبض عليهما بعد أربعة أو خمسة أيَّام من بداية الانتفاضة.
12. قد يقول قائل إذا كان ناظم غير موافق على تصرفات صَدَّام وإذا كانت لديه ملاحظات حول مَسيرة الحزب الَّتي باتت تتجه نحو العشائرية ومحاولة اختصار الحزب بشخص صَدَّام الَّذي بدأ ينهج النهج الستاليني, وعبادة الفرد, لماذا لم يُقدِّم استقالته من منصبه ويطلب إعفائه من مسؤولياته الحزبية ويجلس في البيت وكفى الله المؤمنين القتال؟
للإجابة على تلك التساؤلات أقول: بأنَّ ناظم شخص مبدئي آمن بفكر وناضل من أجل تنفيذه وقاسى ما قاسى من أجله أكثر من أي حزبي آخر حَتَّى من البكر وصَدَّام والدّوري... إلخ, إذاً لماذا كانت كل تلك التَّضحيات إذا كانت القضية هي تبديل حُكم بدل حُكم آخر؟ كما كان ناظم كثيراً ما يطرح تلك الأمور على القيادة وضرورة عقد مؤتمر حزبي لمناقشة تلك الأمور إلاَّ أَنَّه لم يكن يجد إذناً صاغية, وكون ناظم يعرف الكثير «المُعلن والمَخفي« عن جميع القياديين البَّعثيين وعن توجهات القيادة المُستقبلية, وهو بحكم فراسته وقراءته للواقع وتحليله لشخصية صَدَّام وكونه ينتهج النهج الستاليني كان يعرف بأنَّ صَدَّام لَنْ يتركه يذهب في حال سبيله خصوصاً وهو يحمل أسرارهم فَصَدَّام لا بد وأنْ يتخلص منه بأي طريقة من الطرق «حادث سيَّارة, انتحار, قتل أثناء السير في الشَّارع ومن ثم الهرب... إلخ« والشواهد على ذلك كثيرة منها التخلص من (عبد الوهاب محمود, نوري حمَّادي, عبد الكريم الشَّيخلي, فليح حسن الجَّاسم, فاضل البرَّاك, أو الاتهام بحبك مؤامرة كما حصل مع جماعة محمد عايش... إلخ), كما ستالين تخلص من الكثير من قيادات الحزب الشيوعي السوفيَّتي.
13. كانت حركة ناظم حركة تصحيحية, بسبب انحراف القيادة نحو المناطقية والعشائرية.
جاء في مجلة الصيَّاد اللُّبنانية العدد 1505 الصَّادر بتأريخ 19 – 26 تموز (يوليو) 1973م (الحوار المثير بين صَدَّام حسين وناظم كزار. غازي العياش يروي تفاصيل الحوار بين نائب رئيس مجلس قيادة الثَّورة ومدير الأَمن العَّام:
سأل صَدَّام حسين: لماذا قمت بالمحاولة؟
فرد كـزار: لأَنَّني أَعترض على القيادة.
صدام حسين: لماذا؟
كـزار: لأَنَّها خاضعة للعشائرية).
14. شُكِّلَت هيئة تحقيقية خاصَّة بِرئاسة سَعدون شاكر وعُضوية كاظم مُسلم, وعبد الصَّمد عبد الحميد, كما شُكلت مَحكمة خاصَّة لمُحاكمة ناظم ورفاقه برئاسة عِزَّة الدُّوري وعُضوية طاهر أَحمد أَمين, وخليل إِبراهيم العزَّاوي (إِنَّ إِلقاء نظرة واحدة على تلك التَّشكيلة سواء الهيئة التَّحقيقية أَو أَعضاء المَحكمة, فعدا عن عِزَّة الدُّوري وهو من الموالين المُطيعين لصَدَّام حَتَّى آخر لحظة ولم يزل كذلك, فإِنَّ الباقين بأَجمعهم هم من عناصر المُخابرات العَّامَّة فَرئيس الهيئة التَّحقيقية هو رئيس جِهاز المُخابرات, والعضو الأَول هو مُعاون مدير المُخابرات, والعضو الثاني ضابط كبير في جِهاز المُخابرات, أَمَّا أَعضاء ما سُمِّيَ بالمَحكمة فَهُما من كِبار مُنتسبي جهاز المُخابرات حيث أَصبحا فيما بعد مُعَاونَين لِرئيس جِهاز المُخابرات, وإِذا ما عَلِمنَا بأنَّ جِهاز المُخابرات كان تابعاً بصورة مباشرة لصَدَّام ومنذ بداية تأسيسه حيث كان يُطلق عليه آنذاك مكتب العلاقات العَّامَّة, فإِنَّ ذلك يُعزز كلامي بأنَّ الَّذي حدث هو اِنشقاق وانتفاضة.
15. حَكمت تلك المَحكمة على المُشاركين بالتَّمَرد بالإِعدام رمياً بالرصاص... وكان يتجاوز عددهم الخمسة والثلاثين شخصاً, وقد نُفِّذَ فيهم الإِعدام فوراً, عدا السَّامرائي والَّذي خُفِّفَ عنه الحُكم إِلى السَّجن المؤَبَّد وبعد ذلك خَضَعَ للإِقامة الإِجبارية حيث تم إِعدامه عام 1979م.
16. ختاماً أقول لكاتب المقال ولغيره «وبغض النظر عن موقف بعض الجهات من المرحوم ناظم« بأنَّ الشَّمس لا يُمكن إخفاؤها بغربال فالمرحوم ناظم فرض الأمن في العراق ووفَّر الأمان للعراقيين في الفترة الَّتي كان فيها مديراً للأمن العام.
المصدر: المشرق
718 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع