ذاكرة الزمن الجميل - ابو نواس والگاردينيا

ذاكرة الزمن الجميل - ابو نواس والگاردينيا

ايقظ الاخ سعد هزاع الذاكره في بواطنها في مقاله الجميل ( ثلاثة عقود طرزّت ماضي بغداد الأنيق ) الذي نشرته الكاردينيا العزيزه في الاسبوع الثاني من نيسان 2015 وفيه ساح الاخ سعد بنا في بغداد في كل جوانبها الامر الذي ذكرني بشارع ابو نواس و كازينو ( الگاردينيا ) بقسميها الشتوي والصيفي وبارها الجميل ومزتها اللذيذه حتى تذكرنا ايام الشباب ومغامراتنا فيها ...

لابد من فكره عن شارع ابو نواس زهرة بغداد وشقيق دجله ومرتع العوائل والاحبه والعشاق والذي كان ملاذا للشباب والشياب بكل اصنافهم وانواعهم الذي يمتد من جسر الجمهوريه غربا الى الجسر المعلق جنوبا و شرقا وعلى جانبيه تنتشر كازينوهات جميله ترتاح فيها النفس وتهدأ..

وفيها من وسائل الراحه والطعام من السمك المسكوف الى الكباب والتكه والمعلاك والكبه وباقلاء قدوري شربت جباروالباجه اللبنانيه وغيرها مع تشكيله جميله من المشروبات الغازيه واللبن والشاي وكثيرا ماتلجأ اليها العوائل ايام العطله الاسبوعيه كما يلجأ اليها الشباب والكبار وخاصة بعد الدور الاول للسينمات الذي ينتهي بالتاسعه مساء ولكل صنف من هؤلاء عزابا اوعوائل اماكن خاصه في هذه الكازينوهات التي لها فروع في الجانب الاخر (الايسر) من الشارع لفصل الشتاء مع تداخل بارات المشروبات الكحوليه الكثيره على الشارع ومنها بيوت قديمه تحولت الى مشارب بصالاتها وغرفها وسراديبها وحدائقها وحتى سطوحها ومن هذه البارات والتي اشتهرت على هذا الشارع الجميل هو بار الگاردينيا الذي كان يحتل ركنا على احد الفروع النازله من ابو نواس باتجاه شارع السعدون ..

ولاننسى فندق بغداد الشهير وفندق السفير ومدرسة العقيده والمركز الثقافي الفرنسي ووكالة الانباء العراقيه ..
البار ( الگاردينيا ) عباره عن بيت قديم تقدر مساحته باكثر من الف متر وبالرغم من وجود العديد من البارات بجواره وبعضها ملاصق له ( الورده البيضاء , الفردوس , الزيتون , الشاطىء الجميل , الجندول وغيرها ) الا انه كان يمتاز بزبا ئنه الذين يتنوعون بين الشباب والرجال والشيوخ ولكل منهم مكانه الخاص فكان يتالف من طابقين وسرداب وسطح صيفا ..

لقد كنا خمسة شباب في ربيع العمر وكنا نخجل ان نظهر امام الناس في بار وامامنا مشروبات كحوليه فهذه اقرب للجنحه والكبيره لايمكن ان تغتفرها العائله وعليها حساب عسير ولذلك كنا نلجأ الى السرداب الذي كان يحتوي على عدد من الغرف ونحتل غرفه لغرض احتساء بطل او بطلين بيره فريده او لاكر ثم دخلت علينا بيرة امستل الهولنديه وصوت الست ام كلثوم يطربنا واحاديثنا تسلينا واستمر الحال هذا كل يوم خميس من كل اسبوع صيفا وشتاءا وكان يدير البار رجل من اخوانا المسيحين اسمه ابو جورج وكان كبير السن وسمين ومرح ويحب النكته ..


كانت اسعار المشروبات في تلك الفتره مناسبه فبطل البيره مع المزمزات والكعده يكلف 350 فلسا ولاتوجد مقبلات اضافيه فكانت المزه بوفيه مفتوح بمجرد ان نجمع للبوي عشرين او ثلاثين فلسا اكراميه ندفعها مقدما حتى يمتلى الميز بكل الانواع مع ادامة مستمره لاتنقطع من اللبلبي والباجلا والليمون والزلاطه والجاجيك ..

البعض منا طور الموضوع من البيره الى العرق ( حليب السباع ) وكان ربع العرك بسعر بطل البيره وكانوا يكنون شرابي البيره بالزعاطيط والمزه الرئيسيه للعرق هو الجاجيك والغريب كان بطل بيره واحد يترك اثرا كبيرا على الشارب وهذا قبل الهدرجه ( التخمير السريع ) اي انها كانت مختمره بشكل صحيح وكان الذي يتناول ربع عرك يعني انه اصبح سكران رسمي بتصرفه ووضعه رحم الله احد اصدقائنا عندما التقينا بعد سنين طوال وسألته عن المشروب وهل لايزال يشرب اجابني قائلا بطلت فقلت له عجبا ليش فرد قائلا ( اسلام مظلت حتى العرك غشوا ) وكانت فترة الحصار حيث تنوعت المشروبات الرديئه في الاسواق والمضره ..
من المشتركات في البار عند الشرب ان الجميع اصدقاء بدون ان يتعارفوا وتجمعهم ام كلثوم في اغانيها وعند صعود مفعول الشراب تبدأ الكوامن تظهر فهذا يتذكر حبيبته التي هجرته وذاك يشتم ابوه واخر يبكي والرابع يضحك وكثيرا ما تحدث مشاجرات ينهيها الشرابون انفسهم ..
من اللطائف التي كانت زمرتنا ( اخوان الصفا ) ان احدنا رحمه الله كان بعد ان يشرب يتذكر موضوع قيل قبل الشرب او تحدث به احد ..

وفي احدى الايام كان احدنا يتحدث عن نستله روسيه نزلت للسوق واستغرب معظمنا ودار نقاش حول الموضوع وانتهينا منه الى مواضيع اخرى وبعد ان قندل صاحبنا نهض وقال اريد نستله روسيه قلنا له منين انجيبلك نستله روسيه بهالليل فبدأ بالصياح فقام احدنا وهدئه وقال له اجلس وارتاح فسوف اجلب لك نستله روسيه وخرج وعاد بعد حين ومعه ورق ملفوف يبدو انه ورق المنيوم للسكائر وبداخله قطعه بنيه اللون واعطاها لصاحبنا وتناولها بسرعه وبعد دقائق سقط على الارض مغشيا عليه حيث تمت عملية اخلائه الى البيت مع رزاله قويه من والده رحمه الله وتبين ان النستله لم تكن سوى قطعة طين من حديقة البار والورق من علبة سكائر فارغه مرميه ..
ظل المسكين يتعالج عند الدكتور كارنيك رحمه الله ( خلف بدالة السنك ) لمدة شهرواتذكر الدكتور قال له انت شنو ماكل او شارب (....) وكنت ارافقه وظل حساس من الشرب لفتره طويله ولكن اصعب مافي ذلك هو زعل الاثنين وثاني شيء هو غسيل المعده في المستشفى ..

بعد ان ننتهي من تناول المشربات نذهب الى كازينو الفردوس التي تطل على نهر دجله الخالد للعشاء وكان فيها الذ كباب مشوي مع الطماطه والبصل المشوي وكلاص لبن دبل وصمون حار ب.. 100 فلس فقط ونعود مشيا على الاقدام الى الكراده لقربها ونحن في احسن حال ..

الشباب كان يغامر ويتصرف ويمتع نفسه بامور قد نجدها الان انها خطأ وانها عيب ولكن الشباب في زماننا كان يتصرف كرجال ويتحملون نتائج تصرفهم وكان الامن والاستقرار يساعد على ذلك ..
الى اللقاء

عبد الكريم الحسيني

 الگاردينيا:هذه المادة وغيرها كان المرحوم عبدالكريم الحسيني قد ارسلها قبل وفاته بأشهر ولم تنشر في حينها ، اليوم وجدنا بعض منها وستنشر تباعا مع دعواتنا ان يسكنه الباري في فسيح جناته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

422 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع