فارس عمر:اياً تكن الحكومة التي ستنبثق عن انتخابات الثلاثين من نيسان وبصرف النظر عمن يرأسها فانها ستباشر عملها في مواجهة تحديات كبيرة. والى جانب الملف الأمني والاستقرار السياسي ورأب الصدع في العلاقات الوطنية فان مشكلة البطالة لا تقل خطورة وجسامة عن هذه التحديات.
وتطلع علينا بين حين وآخر تقارير تتحدث عن هبوط معدلات البطالة باطِّراد. وكان من الطبيعي ان تتسابق الوزارات على محاولة تجيير هذا الهبوط لصالحها على اساس ان مشاريعها وأنشطتها وبرامجها الواسعة وفرت فرص عمل للعاطلين. ولكن دراسة اجرتها العام الماضي شركة بوز اند كومباني Booz & Company العالمية للاستشارات الادارية وجدت ان سبب الانخفاض في ارقام العاطلين هو ليس توفير فرص عمل جديدة بل ان اعدادا كبيرة من العراقيين يئسوا من البحث عن عمل. ويصح هذا على الشباب بصفة خاصة الذين يشكلون في العراق أكبر الفئات السكانية وأسرعها نموا.
ولا يبدو ان الوضع سجل تحسنا منذ دراسة بوز اند كومباني. فان منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة اعلنت في احدث احصائية لها ان نسبة البطالة بين الشباب تزيد في العراق على 34 في المئة أي ان أكثر من ثلث الشباب العراقيين عاطلون عن العمل. وفي احصائية أخرى لا تقل دلالة ان زهاء نصف سكان العراق شباب في سن الخامسة والعشرين أو أقل وان نصفهم تقريبا بلا عمل، بحسب الوكالة الاميركية للتنمية الدولية.
ويحذر علماء اجتماع واقتصاديون وسياسيون من ان البطالة بين الشباب قنبلة موقوتة لا يمكن لحكومة ان تستمر في تجاهلها دون المخاطرة باستنزال اخطار فادحة على نفسها وعلى البلد عموما. وأكبر المخاطر الناجمة عن بقاء مثل هذه النسبة من الشباب بلا عمل هو تحويل هذه الشريحة الواسعة الى مصدر كبير لرفد الجماعات المسلحة بمجندين ينخرطون فيها رغما عنهم بعد ان ضاقت بهم سبل العمل.
اذاعة العراق الحر التقت المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي الذي طعن في ارقام منظمة العمل الدولية قائلا ان نسبة البطالة صحيح أعلى بين الشباب منها بين الفئات العمرية الأخرى حيث تبلغ نحو 21 في المئة بالمقارنة مع 12 في المئة هي المعدل العام وفق آخر مسح اجرته الوزارة في عام 2013 علما بأن معدلات البطالة تتناسب عكسيا مع مستوى التعليم والتحصيل العلمي ولكنها ليست 34.2 في المئة كما قالت منظمة العمل الدولية.
واشار الهنداوي الى ما يُعرف بمصطلح "البطالة الناقصة" التي تكون نسبتها اعلى من البطالة الكاملة موضحا انها تصل الى 23 في المئة وتشمل الذين يعملون أقل من 35 ساعة في الاسبوع أو الذين لا تكفي اجورهم لسد متطلبات الحياة علما بأن بعض الخبراء الاقتصاديين يدمجون معدلات البطالة الكاملة والبطالة الناقصة للخروج برقم موحد ولكن هذا ليس ما تفعله منظمة العمل الدولية ، بحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط.
عضو لجنة العمل النيابية كاظم الشمري اورد رقما لنسبة البطالة يزيد على نسبة الـ 12 في المئة التي ذكرها المتحدث باسم وزارة التخطيط وقال الشمري ان معدل البطالة العام كان 38 في المئة حين بدأ تنفيذ برنامج مكافحة الفقر عام 2011 ولكن الاحصاءات الأخيرة لوزارة التخطيط تبين انها هبطت الى 18 في المئة بحسب ارقام الوزارة لعام 2013 واصفا هو ايضا ارقام منظمة العمل الدولية بالمبالغة.
وقال الشمري ان كثيرا من العراقيين يزاولون اعمالا بهذا الشكل أو ذاك ، ومنهم الشباب ، لكنهم لا يفصحون عن عملهم وبالتالي يُدرجون في عداد العاطلين بموجب معايير منظمة العمل الدولية داعيا المنظمات الدولية الى اعتماد الأرقام الرسمية التي تقدمها وزارة التخطيط في هذا المجال لأنها الجهة العراقية الرسمية صاحبة الاختصاص.
الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان لاحظ التفاوت بين الارقام التي تعطيها الجهات المختلفة عن معدلات البطالة وأورد كمثال على ذلك ان وزير العمل أعلن مؤخرا ان نسبة البطالة تصل الى 46 في المئة من العراقيين على ما في هذا الرقم من مبالغة ، كما اشار انطوان.
ولفت انطوان الى شكل آخر من البطالة هو البطالة المقنعة متمثلة بمئات آلاف الموظفين الذين ينوء بهم جهاز الدولة الاداري المتضخم اصلا دون ان يقدموا "سوى 17 دقيقة من العمل" بحسب تعبير الخبير انطوان وبالتالي فليس كل تشغيل يسهم في زيادة اجمالي الناتج المحلي بل قد يكون عبئا على الاقتصاد كما في حالة موظفي الدولة مخمنا ان يُسهم هؤلاء في زيادة نسبة البطالة الى 20 في المئة لا سيما بعد عدم اقرار الموازنة.
ونبه الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان الى المفارقة المتمثلة في تأخر اقرار الموازنة بتعطيل قسمها الاستثماري الذي تعتمد عليه ملايين الأيدي العاملة في القطاع الخاص من جهة واستمرار القسم التشغيلي الذي يعني صرف الرواتب لموظفين لا ينتجون من الجهة الأخرى محذرا من ان مثل هذا الوضع يزيد نسبة البطالة وبالتالي يرفع نسبة الفقر الى زهاء 20 في المئة.
المحلل الاقتصادي حسين الجاف تناول اتجاهات في سوق العمل العراقية لا تساعد في التخفيف من مشكلة البطالة منها تطلع الخريجين الى وظيفة في جهاز الدولة لعدم وجود قطاع خاص يستقبلهم وتشغيل اعداد كبيرة في مجالات مثل قوات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية وتقصير الحكومة في تشجيع رأس المال الأهلي رغم الفرص الكبيرة التي يمكن ان يوفرها بتشغيل اعداد غفيرة من الأيدي العاملة وخاصة من الشباب والخريجين الذين تتكرر المشكلة مع كل وجبة منهم.
ودعا الجاف الى اصدار قوانين لاطلاق نشاط القطاع الخاص الذي يمكن ان يُسهم بدور كبير في حل مشكلة البطالة إذا أُريد معالجتها جذريا.
وفي اطار الجهود التي تُبذل لمكافحة البطالة تنظم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية دورات ترفع مؤهلات المواطن الذي يريد ان يكون عضوا نافعا في المجتمع بتعليمه مهارات مهنية تحسِّن فرص عثوره على عمل. وفي هذا الشأن قال مدير عام التدريب المهني في وزارة العمل عزيز ابراهيم ان هذه الدورات التدريبية متاحة للعاطلين المسجلين في القاعدة البيانية بوصفهم باحثين عن عمل وللعمال الذين يرغبون في رفع مستوى كفاءاتهم منوها بدفع 5000 دينار يوميا للمشارك في هذه الدورات.
وشدد ابراهيم على ان اعداد العاطلين المتوفرة لدائرته هم المسجلون في القاعدة البيانية فقط وهذه لا تعكس نسبة العاطلين الاجمالية مشيرا الى ان عدد المسجلين في هذه القاعدة يبلغ الف عاطل.
مدير دائرة القروض والتشغيل في وزارة العمل مخلص رولاند قال ان دائرته تنفذ برنامجين للاقراض احدهما يندرج ضمن الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر والآخر دعم المشاريع المدرة للدخل حيث يقدم المواطنون طلباتهم على الانترنت لمنحهم قروضا ميسرة لانشاء مشاريع تحقق لهم دخلا وبدأت الدائرة بالفعل منح القروض في حين ان برنامج التخفيف من الفقر بدأ في سبع محافظات تعاني بصفة خاصة من هذه الآفة.
وأكد مدير القروض والتشغيل اهمية اعتماد استراتيجية وطنية شاملة لمعالجة البطالة لا سيما وان دائرته لا تستطيع النهوض لوحدها بمثل هذه المهمة إزاء تعطل معامل وتوقف مصالح ورفد سوق العمل كل عام بأعداد متزايدة من الخريجين في اختصاصات مختلفة.
تقول الوكالة الاميركية للتنمية الدولية ان زهاء 400 الف عراقي يدخلون سوق العمل سنويا ولكن الغالبية العظمى من هؤلاء الأفراد يبقون بلا عمل محذرة من تفاقم هذه المشكلة ما لم تتدخل الحكومة ببرامج وخطط فاعلة لمعالجتها.
869 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع