انتشر عدد هائل من ملصقات الدعاية الانتخابية على الجدران العراقية، تتشابه إلى حد كبير، مع بعض التمايز في زوجات يروجن لأزواجهن، ومرشحين يتردون العباءة العشائرية، وآخرون يصرون في ملصقاتهم أنهم مستقلون لا ينتمون لأي حزب.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: مع بدء العد التنازلي لانتخابات مجالس المحافظات المحلية المقرر إجراؤها في العشرين من نيسان (أبريل) المقبل في العراق، ينتشر عدد هائل من الملصقات الدعائية المتشابهة إلى حد كبير، وتعيد انتاج وجوه قديمة بشعارات مكررة وأخرى جديدة وغريبة في محاولة لمواكبة التطورات السياسية والاجتماعية.
ويسعى مرشحون عراقيون عبر استعراض صورهم وشعاراتهم السياسية إلى كسب التأييد الجماهيري وتعبئة الانصار، لكن سلمان الحلفي، الاكاديمي في العلوم السياسية، يرى أن دعاية المرشحين الانتخابية تظهر نقصًا كبيرًا في ثقافتهم السياسية، مثلما تعكس سلوكيات سياسية تشير إلى قلة التجربة على صعيد الدعاية للأجندة.
تشابه اساليب الدعاية
يشير الحلفي إلى ظاهرة مثيرة للانتباه، وهو تشابه اساليب الدعاية الانتخابية للمرشحين إلى حد كبير. فالجميع يخط اسمه بشكل بارز إلى جانب صورته البارزة، مع اسم الكتلة والتجمع أو الحزب الذي يمثله.
وفي ذات الوقت، تتشابه السلوكيات على ارض الواقع، والمتمثلة في الزيارات المنزلية لوجهاء المجتمع ورؤساء العشائر، وزيارة الدواوين، والتجول في الاماكن المكتظة بصحبة عدد من الشخصيات المعروفة في المجتمع والتحدث مع الناس عن طموحاتهم ومشاكلهم.
وبحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وصل عدد المرشحين إلى 8100 مرشح، يتنافسون على مقاعد في 14 محافظة، ما عدا محافظات إقليم كردستان الثلاث، أربيل ودهوك والسليمانية، فضلا عن محافظة كركوك.
أزواج وزوجات
تميزت الحملة الانتخابية للعام الحالي بظاهرة ترويج الأزواج لزوجاتهن وبالعكس، حيث لوحظت ملصقات انتخابية للنائبة عن القائمة العراقية عتاب الدوري تدعو فيه لانتخاب زوجها المرشح لانتخابات مجالس المحافظات، بينما ظهرت ملصقات أخرى لمرشحة ثانية وهي تدعو لانتخابها بوصفها زوجة (فلان الفلاني) مكتفية بصورته من دون صورتها، التي ظهرت باهتة في خلفية الملصق من دون تبيان ملامحها واضحة.
كما لوحظ استخدام بعض المؤسسات الحكومية للدعاية لمرشحين بعينهم، هم في حقيقتهم مسؤولو هذه الادارات مستغلين مناصبهم للترويج لانفسهم وحث الموظفين والمراجعين على انتخابهم في ممارسة يحظرها قانون المفوضية العليا للانتخابات العراقية ويفرض عليها عقوبات مالية وادارية.
اصدقاء واقارب المرشحين
في محاولة لإثارة الانتباه والاهتمام، يلجأ المرشح إلى اعطاء الوعود للعشرات من المواطنين بتوظيفهم، و يسجل قوائم لأسماء عاطلين عن العمل فتراهم يهتفون باسمه ويرفعون لافتات الدعاية له.
في الغالب، يقود أقرباء وأصدقاء وأفراد أسرة المرشح فعاليات الدعاية الانتخابية بصورة ارتجالية، عبر القيام بزيارات منزلية خاطفة لا يتحدث فيه هؤلاء عن البرنامج الانتخابي للمرشح، قدر الحوار والنقاش حول الامور العامة والاخوانيات والصلات العشائرية التي تربط هذا المرشح او ذاك بتلك الاسرة. وفي الوقت نفسه، يوظف المرشحون فعاليات الاحسان والبر والصدقات في خدمة اجندتهم.
مبالغ نقدية
يقول المواطن سعد حسن إنه مكلف من قبل أحد المرشحين لتوزيع مبالغ نقدية بسيطة إلى جانب منشورات دعائية ترفق مع المبالغ، مع التأكيد للمستفيدين من المحتاجين أن الامر وليس رشوة انتخابية، ولا يتعدى اهداف البر.
يتابع: "من وجهة نظري فان هذه المبالغ المالية لا غبار عليها، لأنها تقدّم للمحتاجين وليس فيها شرط التصويت للمرشح مانح هذه الهبات".
وفي هذا الصدد، يرى الكاتب زيرفان سليمان أن الدعاية الانتخابية في العراق تعبر عن ضعف الثقافة السياسية في هذا البلد، وتعبر عن حالة الأزمة بين النخب السياسية والمواطن البسيط.
غير أن الباحثة الاجتماعية سناء المعتصم تقول إن هذه الاساليب الدعائية تخترق الانظمة والقوانين الانتخابية وهي محاولة لإغراء المواطن بالمكاسب المادية.
وإلى جانب الشعارات السياسية التي تحث على الخدمات ومكافحة الفساد، وأخرى تدعو إلى مكافحة الفقر، اختار المرشحون لأسماء كتلهم وتجمعاتهم السياسية كلمات مؤثرة لها وقعها على المواطن كما يتصورون. واستخدم اخرون الآيات القرآنية التي تتوافق مع الاهداف والشعارات.
العشيرة في الانتخابات
بسبب تعاظم نفوذ العشيرة في العراق، يحرص المرشحون على زيارة كبار القوم وشيوخ العشائر. يقول على مجبل، وهو ابن عشيرة في محافظة بابل، إن عشيرته تستقل يوميًا عشرات المرشحين الذين يطمعون في تأييد أبناء عشيرتهم.
يضيف: "غالبًا ما يكون رئيس العشيرة او كبير العائلة، هو صاحب الكلمة، الذي يقرر لمن تمنح اصوات العائلة او العشيرة. ويتابع: "لهذا السبب يتسابق المرشحون على زيارة الدواوين لأنها لا تضمن لهم اصوات فردية فحسب، بل حزمة أصوات تمثل عائلة او عشيرة بأكملها مما يساهم في رفع رصيدهم الانتخابي".
ويشير على جاسم، الذي ترشح في الانتخابات الماضية لكنه لم يفز، إلى أن هذا يفسر حصول الكثير من المرشحين المنحدرين من أصول عشائرية أو ريفية على أعلى الاصوات قياسًا إلى مرشحي المدن، إذ أن التحشيد القبلي والعائلي يتيح للمرشح الحصول على أعلى الاصوات.
تقنية الدعاية
يرى كريم الخباز، المصمم والخبير في تقنيات الدعاية والنشر، أن الدعاية الانتخابية في العراق أحادية تقتصر في أغلبها على الملصق، وهي وسيلة بدائية في عالم الاشهار، حيث يندر استخدام الدعاية الفيلمية والدعاية الرقمية والشاشات الكبيرة وأشرطة الكاسيت.
لكن هذا العام شهد دخول تقنية الملصقات البلاستيكية التي يسهل ازالتها في ما بعد بسهولة، لكن هذه التقنية ما زالت محدودة.
ويتابع: "الدعاية الانتخابية في العراق ارتجالية وفوضوية ومضرة للبيئة في مجملها، إذ يستخدم المرشحون الاماكن العامة والجدران والساحات لعرض دعايتهم الانتخابية التي تشوه شكل المدن، كما يصعب ازالتها بعد انتهاء فترة الدعاية لتشوه منظر المدن لفترات طويلة".
تراجع المضامين الدينية
ويتسائل الخباز أيضًا عن السبب في غياب أسلوب المناظرات عبر الاذاعات والتلفزيونات ومنابر الخطابة المحلية. يقول: "في هذه الدورة الجديدة من الانتخابات، استخدم البعض سيارات الأجرة والباصات العامة للدعاية ايضًا، اضافة إلى تقاطعات الشوارع والجسور العامة وجسور المشاة التي اختفت وراء الاعداد الهائلة لصور المرشحين المعلقة على اسيجتها".
غير أن الباحث الاجتماعي لطيف السعدون يلمح إلى انحسار استخدام الرموز المقدسة في الدعاية الانتخابية، وتضاؤل الدعاية الانتخابية التي تحمل مضامين دينية، أو مشيرة إلى أحزاب معينة، كما حرص الكثير من المرشحين على ابراز كلمة (مستقل) أو عبارة (لا أنتمي لأي حزب) داخل الإعلان، في اشارة إلى أن المرشح يسعى إلى افهام المواطن انه ليس جزءا من الفشل الحكومي الحالي، كما انه ليس جزءًا من آلة الفساد التي تدور في البلاد.
690 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع