بغداد/ايلاف/ وسيم باسم: يعتبر متحف النجف للشمع معلم فريد في مدينة مُحافِظة ، ينحسر فيها الاهتمام بالفن ، فان السائح سيختاره بكل تأكيد ضمن المعالم السياحة والدينية الكثيرة المنتشرة في هذه البقعة التاريخية من أرض العراق منها مرقد الامام علي بن ابي طالب ابن عم الرسول الكريم ، ومن أصحابه ، وكذلك بيته ومسجد الكوفة التاريخي ، إضافة الى الكثير من الآثار التي تعود الى عصور مختلفة .
تجسيد التاريخ
يقع المتحف في وسط المدينة ، والوصول اليه سهل عبر التجوال نحو المركز ، حيث تنتشر الكثير من المتاجر والمراقد المقدسة والمساجد. وقبل ذلك فان الوصول الى مدينة النجف التي تقع على مسافة 160 كم جنوبي العاصمة بغداد سهلاً ، بفضل مطارها الجديد ، كما يمكن قطع الطريق الى المدينة من العاصمة العراقية بغداد بالسيارة ، حيث تتوفر وسائل النقل بصورة مستمرة الى هذه المدينة .
وعبر بوابة صُمّمت بشكل أنيق ، يجتاز الزائر فناء المتحف ، لتقع عيناه على تماثيل من الشمع نُصبِت لتبدو طبيعية في حركتها وتمثل ابرز شخصيات هذه المدينة طوال زمن تأريخي يمتد الى عشرات السنين .
ويقف الزائر من لبنان حسين فاضل امام تمثال للمرجع الديني اللبناني محمد حسين فضل الله ، الذي درس وعاش في المدينة قائلا : انه يشبهه تماما ، فقد رأيت السيد فضل الله وهو حي ، وهذا التمثال يجسده حتى في حركته " . وكان المتحف حصل ايضا على العمامة الاصلية لعالم الدين فضل الله حيث وُضعت على رأس تمثاله الشمعي .
معلم غريب
ويقول علي الياسري من اهالي المدينة ان هذا المتحف بعد معلما غريبا على المدينة وعلى رغم الجدل حوله فانه سيزيد من (الاهمية ) السياحية للمدينة بكل تأكيد. ويؤكد الياسري ان بعض الجهات المتشددة تنتقد هذا العمل وتعتبره مخالفا للشرع الاسلامي ، لكن لم يصدر من هذه الجهات بحسب الياسري أي رد فعل علني. وبحسب رجل الدين عمار عبد الله الذي زار معنا المتحف فانه من الناحية الشرعية، لا إشكالية في هذه التماثيل المجسّدة لشخصيات تدعو الى الله الواحد وتحارب الشرك ولهذا فان تجسيدها على هذا النحو اعلاء لوحدانية الله وليس العكس كما يتصور البعض .
علماء الدين
وتشتهر مدينة النجف بصورة خاصة بكثرة علماء الدين الذين ولدوا ونشئوا فيها بينهم عراقيون واجانب ممن درسوا ودرّسوا في حوزتها العالمية المشهورة التي تدرس المذهب الجعفري بصورة خاصة اضافة الى المذاهب الاخرى والعلوم المختلفة . وفي قاعة واسعة بعض الشيء يتحلّق زائرون حول التماثيل الشمعية ، حرص القائمون على شؤون المتحف على تهوية المكان بصورة جيدة ، وان تناسب درجة الحرارة المواد التي صُنعت منها التماثيل لاسيما وان البيئة العراقية تمتاز بدرجات الحرارة العالية. وبحسب فرقان علي ميرزا مدير مركز النجف للتأليف والتوثيق فان بيئة المتحف حساسة جدا للظروف الجوية نظرا لان المواد التي صنعت منها التماثيل تتعرض الى التلف بسهولة اذا ما اهملت الظروف البيئية التي تحيط بها .
ويبلغ عدد التماثيل الى الآن 59 ، من اصل 300 شخصية، اعدت ضمن خطة مشروع (النجف عاصمة الثقافة الإسلامية) ، لكن نقص الميزانية التي تبلغ نحو خمسمائة ألف دولار ، حال دون اتمام تصميم جميع قوالب الشخصيات ، وأهمها الشيخ الطوسي ، والمرجع الديني اللبناني محمد حسين فضل الله ، والعالم الديني الراحل محمد صادق الصدر ، و محمد باقر الصدر ، و أبو القاسم الخوئي ، و الخطيب الشيخ احمد الوائلي ، والشاعر العراقي احمد الصافي ، واللبناني عبدالرزاق محيي الدين الذي نزح مع عائلته من جنوب لبنان الى النجف.
وصُمّم المتحف بحيث تضم كل ردهة من ردهاته مؤلفات وأعمال ووثائق وسيرة ذاتية تعرّف بالشخصية .
الملابس الحقيقية
ويقول علي حسين احد المهتمين بتراث وفولكلور النجف أن بعض التماثيل ارتدت الملابس الحقيقية للشخصية بعدما تبرعت عائلات الشخصيات المجسمة بالمقتنيات الاصلية للشخصية التي تحتفظ بها لإهدائها الى المتحف ، كما تبرّع مواطنون بمنح المتحف مايقتنونه من اشياء تعود الى تلك الشخصيات .
من جانبه تصف امينة علي ، وهي سائحة من لبنان قصدت زيارة العتبات المقدسة في العراق لاسيما مدينتي كرباء والنجف ـ انها سمعت بالصدفة عن هذا المتحف فسارعت في زيارته حث اعجبها ، المهارة الفائقة في صنع التماثيل ، ودقة الملامح .
وتتابع : زرت مثل هذه المتاحف في ايران وتركيا ولندن قبل سنوات وأعجبني جدا ان تضم النجف هذه الباقة من تماثيل الشخصيات الدينية والأدبية المعروفة. وعلى صعيد المتاحف في النجف ايضا فان الزائر سيستمتع بزيارة متحف الخزانة ، اذ ان زيارة هذا المتحف لن تكلفه جهدا و لا مالا لأنه يقع ضمن ( الصحن) الحيدري والذي يضم قبر علي بن ابي طالب. ويحتوي متحف الخزانة على العديد من المصاحف المخطوطة بينها مصحف تنسب كتابته للامام علي ، اضافة الى آلاف المخطوطات التي يعود جزء كبير منها الى العام الاول للهجرة.
كما تحتوي الخزينة على أموال وأحجار كريمة وسجاد فاخر ومصوغات وحاجات خاصة لرؤساء ووزراء وكبار المسؤولين في عدد من دول العالم. ويشير كريم الحلي الى ابتهاجه وهو يرى احد مقتنيات الضريح الحيدر ي وهو عبارة عن صندوق يحتوي على حبة أرز كتب عليها سورة الإخلاص إضافة إلى الكثير من نفائس المجوهرات والأحجار الكريمة.
في الوقت الذي تشتهر فيه مدينة النجف في العراق بمعالمها الدينية وآثارها التاريخية ، فان معلما سياحياً جديداً شرّع أبوابه أمام الزوار ، وهو متحف لمشاهير المدينة لاسيما العلماء منهم والذين تجسّدهم تماثيل من الشمع وزعت في مواقع متناسقة داخل المتحف.
1068 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع