المستشفيات الحكومية تفتقر الى الأجهزة والطاقات الكفوءة

            

                    

بغداد/عصام القدسي:الطب من المهن التي لها مكانتها المرموقة لما لها من تأثير كبير في حياة الإنسان و يمثل الخط الفاصل بين الحياة والموت في بعض حالات المرض، سابقا كان الطب في بلدنا يمتاز بسمعة طيبة وكان المجتمع ينظر للطبيب نظرة إعجاب وإكبار،لدرجة إن البعض لمجرد زيارة عيادة الطبيب يشعر بالتحسن أو يتماثل للشفاء .

لكن بعد أحداث 2003 حدثت تغيرات كبيرة مثل باقي المهن حيث أصابت هذه المهنة انتكاسة كبيرة بسبب القتل الطائفي والتهجير الذي طال أكثر من   2000طبيب ومن العاملين بالمهن الطبية .
اختفاء العباقرة
واليوم للأسف تبدل واقع الطب عما كان عليه بالأمس، وتغيرت النظرة إلى هذه المهنة بسبب اختفاء الكثير من الخبرات العبقرية التي كانت أسماء معروفة في عالم الطب يعرفها القاصي والداني ويعرف اختصاصاتها ويقصدها سكان بغداد والمحافظات لشهرتها .وانحسرت الثقة فيها لظهور أطباء يفتقرون إلى المهارة، إلى جانب قلة الكوادر الجيدة حتى بات المريض يبحث طويلا قبل أن يقصد عيادة طبيب وكثيرا ما لجأ إلى السفر للعلاج خارج القطر إلى دول الجوار والى الهند والصين وغيرها وظهرت مكاتب متخصصة تتكفل بإيصال التقارير الطبية إليها وتسهل سفر المريض إلى مستشفياتها . وفي هذا التحقيق نطلع على رأي المواطن بمهنة الطب في العراق وكيف كانت عليه وما آلت إليه في الوقت الحاضر.


الخبرات القديمة لن تتكرر
وعلق منصور يبلغ من العمر العقد السادس قائلاً:كان لدينا في السابق أسماء أطباء مشهورين في اختصاصات مهمة ، يضطر المريض الحجز لديهم قبل شهور عدة ويتحمل أعباء السفر والمجيء إليهم من أماكن بعيدة لإيمانه بقدراتهم وخبرتهم العالية .أما اليوم فالمريض غالبا، يضطر إلى مراجعة عدة أطباء لتشخيص مرضه فيجد عند كل طبيب تشخيصا قد يناقض الذي سبقه وكل طبيب يكتب له دواء جديدا .وهناك أطباء ينطبق عليهم المثل القائل (يتعلم الحجامة برؤوس اليتامى )،فهو يتخذ من المريض حقل تجارب . أما (أجرة الفحص) فقد شهدت ارتفاعا هائلا إذ كان الطبيب فيما مضى يكتفي باجرة متواضعة يستطيع أن يتحملها المريض، أجرة فحص واحدة يراجع بها الطبيب أكثر من مرة حتى يكتسب الشفاء التام . ومعظمهم يخصص يوما من أيام الأسبوع لمعالجة المرضى الفقراء مجانا وإعطائهم الدواء من صيدلية العيادة وهذه المبادرة الإنسانية لا أظن إننا نجدها في الوقت الحاضر.


سباق محموم
أطباء اليوم في سباق محموم للحصول على أعلى  أجرة فحص وكلما ذهبت لزيارته تدفع له  فنحن نرى (سكرتير الطبيب) يتصدر مدخل العيادة خلف مكتبه بالمرصاد لكل مريض يأخذ منه الأجرة مقدما وفي كل مرة تقصد العيادة وأحيانا يأخذ رشوة ليقدمك على الآخرين والطبيب يؤكد عليك أن تشتري الدواء الذي يكتبه لك من الصيدلية المجاورة ويطلب منك ان تريه الدواء كي لا تزوغ .لأنه متفق مع صاحب الصيدلية وله نسبة من المبيعات أو ان الصيدلية ملكه .


معاناة المستشفيات الحكومية
وعن واقع مستشفياتنا الحكومية ومستوى الخدمات التي تقدمها . أكد محمد سلمان57 سنة كاسب يقول : مازالت مستشفياتنا كما ألفناها فبناياتها قديمة وأدواتها مستهلكة وكثيرة العطلات ،تفاجئ المريض وتسبب له الشعور بالإحباط وتدفعه إلى أن يقصد المختبرات أو عيادات الأشعة والسونار الخاصة المرتفعة الأسعار . كما ما زالت مستشفياتنا تعاني عجزا في الخدمات فحين تزور أي مستشفى تجد أمام غرفة الطبيب يتجمهر أكثر من خمسين مريضا والغرفة فيها طبيب أو اثنين مما يضطر الطبيب فقط طرح الأسئلة والفحص السريع ان" فحص " المريض فحصا عابرا ولا ندري أين يذهب خريجو كليات الطب ولم لا تكون أكثر من غرفة تضم أكثر من طبيب أما الدواء فمستشفياتنا تعاني نقصا حادا بالأدوية فالطبيب يكتب لك دواء وحين تذهب لصيدلية المستشفى يقول لك غير موجود اشتريه من خارج المستشفى. ولا ندري من الحكمة في أن يكتب الطبيب دواء غير متوفر وما الذي يفعله من لا يملك المال اللازم  لشرائه من الصيدليات سوى أن يضطر لتركه فليس كل واحد لديه الإمكانية المادية خاصة إن الأدوية أصبحت أسعارها غالية وبعضها بأثمان خيالية تصل إلى مئات آلاف الدنانير .لذا على الحكومة التكفل ببناء المستشفيات الحديثة وتزويدها بالأجهزة المتطورة وتوفير الكوادر الطبية وذوي المهن الطبية واستيراد الأدوية الكافية .أما العيادات الخاصة فيجب خضوعها إلى الرقابة من ناحية كفاءة أطبائها وتحديد ثمن الفحص والتحقق مما يشاع عن النسبة التي يحصل عليها الطبيب من الصيدلية والتي تضطر الصيدلي لإضافتها إلى ثمن الدواء الذي يشتريه المريض .


الجراحة في المستشفى
سعد إبراهيم 32 سنة موظف سبق ان أجرى عملية استخراج (حصوة) في إحدى كليتيه يقول: مستشفياتنا تضم أقساما للجراحة وكل قسم تكون الخدمات فيه على شكلين فهناك جناح عام ويمتاز بقلة نظافته وبأفرشته المستهلة وأسرته القديمة وطعامه المتواضع وفي هذا القسم تجرى العمليات مجانا أما في الجناح الخاص فالوضع مختلف تماما من ناحية رقي الأروقة ونظافة الغرف والافرشة الممتازة والخدمة الجيدة والأدوية التي تصرف للمريض حيث تشعر كما لو انك تنزل في فندق خمس نجوم ويستطرد المواطن سعد قائلا أجريت لي عملية حصاة في الكلى في الجناح العام بإحدى مستشفياتنا المعروفة وحالما فقت من البنج زارني الطبيب وفحصني وهمس في أذني استعد لعملية زرع قسطرة فقد تبين إن حالب الكلية الذي أجريت فيه العملية متضيق وانه لم يكلف نفسه بتوسيعه أثناء إجرائه العملية .ولم يكذب خبرا فبعد يومين زرع لي القسطرة ولكنها لم تفتح التضييق فجاءني الطبيب بعد أيام ليبلغني أن استعد لعملية أخرى في نفس موضع العملية ليوسع لي الحالب المتضيق لكنني هربت من المستشفى وأخذت أراجع طبيبا خارجيا ،كلفتني مراجعاته أكثر من مليوني دينار بين أجرة فحص وثمن الأدوية وفحوص السونار والدم والإدرار والأشعة الملونة  .وأتساءل لم يقم بتوسيع الحالب المتضيق وهو يجري لي العملية  .ثم استشفيت إن الطبيب نفذ شيئا من الانتقام بحقي لأنني لم اجر العملية في الجناح الخاص وفوت عليه الحصول على نسبة جيدة مما يدفع للعملية في الجناح الخاص للمستشفى ، التي قيمتها هناك أكثر من مليون ونصف .وبذا (طلعت البطانة أغلى من الوجه ) كما يقول المثل.


واقع المستشفيات الأهلية
بعد 2003 انتشر بناء المستشفيات الأهلية . وللأمانة نقول، هناك منها تؤدي رسالة المهنة على أكمل وجه فهي تحرص على سمعتها .وهناك من اقام مستشفاه بغرض الاستثمار ويصادف إن البعض بعيد عن هذا الاختصاص ولكن قام بالمشروع مستعينا بالخبرات الطبية ويكون الغرض من إنشائه الربح والمتاجرة.وفي كل الأحوال، يلجأ غالبا للعلاج في هذه المستشفيات الأهلية، ذات الإمكانيات المادية العالية لارتفاع كلفة العلاج فيها . وقد تباينت الآراء حول مدى كفاءة هذه المستشفيات من ناحية الكوادر الطبية التي تعمل فيها فاتهمها البعض بان معظمها الغرض منها التجارة والربح . المواطنة نور عاصم تقول كنت أراجع طبيبة في عيادتها أثناء فترة حملي الأول وعندما حان موعد ولادتي قصدتها في المستشفى الأهلي الذي تعمل به وقد تمت ولادتي بنجاح ولقيت الرعاية والاهتمام اللائقين  ولم أجد ما يؤاخذ على المستشفى سوى ارتفاع الأجور فقد كلفتني ولادتي مليوني دينار ورغم ذلك فللمستشفيات الخاصة أهميتها. ويبقى على الحكومة أن تستمر بمراقبة هذه المستشفيات وتتدخل في تحديد أجورها المبالغ فيها كي لا تتحول مهنة الطب إلى تجارة يكون المواطن الخاسر الوحيد فيها .


الرقابة على المستشفيات الأهلية
متحدث في وزارة الصحة يقول إن المستشفيات الأهلية تشكل جزءا مهما من منظومة الجهاز الصحي ،ليس في العراق فحسب بل تجد ذلك في كل أنحاء العالم ولا يمكن الاستهانة بفاعليتها ولكنها بالوقت نفسه غير بعيدة عن عين الرقابة لوزارة الصحة وخاضعة للتفتيش المفاجئ ففرقنا التفتيشية قامت بغلق 13 مستشفى خلال أربعة أشهر لمخالفتها الجوانب الصحية والمهنية .أما من ناحية مستوى الخدمة فان تفاوتها لا يقاس لدى كوادر هذه المستشفيات فقط فما نجده من تفاوت الخبرات في مجال الطب لا يختلف لدى باقي أصحاب المهن الأخرى .


العلاج خارج القطر
ظاهرة السفر للعلاج في مستشفيات دول الجوار والهند والصين وغيرها من الدول أصبحت مألوفة ، ودون شك سببها افتقارنا إلى بعض التخصصات الكفوءة ، يلجأ إليه المريض حين يفشل في الحصول على الشفاء داخل القطر. فمما نلاحظه انتشار المكاتب التي تمثل حلقة الوصل بين المريض، والمستشفى في هذا البلد أو ذاك . حيث يستلم المكتب التقارير الطبية للمريض ويرسلها إلى المستشفى المعنية وبعد الفحص الأولي تحدد أجور العلاج ويسهل المكتب عملية السفر .والسفر والعلاج يكلف دائما ، مبلغا كبيرا وقد تنجح المعالجة أحيانا وربما عاد المريض بنفس المرض وكأنه لم يسافر .المواطن محمد عويد 56 سنة يقول عانيت من آلام مبرحة في ظهري راجعت أكثر من طبيب فلم اشف، لجأت إلى الطب الشعبي فساءت حالتي أكثر مما كانت عليه. أشار علي البعض للعلاج في الهند أرسلت تقاريري الطبية عن طريق إحدى المكاتب التابعة لمستشفى في الهند وبعد فترة طلب مني السفر وهناك عولجت وشعرت ببعض التحسن ولكن بعد فترة قصيرة عادت  إلي آلامي كالسابق ولم استفد من السفر علما إن العلاج والسفر كلفاني خمسة ملايين دينار.


رأي بعض الأطباء
يقول الطبيب الذي فضل اختصار اسمه بالحرف الأول (ف .الحسن) يقول: الخدمات الطبية في مستشفياتنا نسبيا متفوقة على بقية الخدمات، خصوصا الكهرباء والماء والبلديات، ونحن نطمح إلى تقديم الأفضل كون خدماتنا تتعلق بحياة البشر والحفاظ عليها واشتكى من الخدمات الفندقية في المستشفيات العراقية، من سوء نظافة أسرّة وتمريض يقول: هذه مشكلة أزلية في المستشفيات العراقية، فالخدمات الطبية متفوقة على الفندقية ولا ندري كيف يتم معالجة ذلك.
كما نعاني من قلة وغياب الأجهزة الطبية الحديثة، وأدوية الأمراض المزمنة، خصوصا أمراض السرطان المستشرية في العراق بسبب الإشعاعات والانفجارات.
اما الصيدلي  ستار أحمد ماجستير صيدلة من جامعة بغداد فعلق قائلا: نحن نعاني في المستشفيات الحكومية من غياب غالبية الأدوية وخاصة أدوية الأمراض المزمنة ومنها أمراض القلب وقرحة المعدة، وعلى الرغم من أن أسعار الأدوية في مستشفياتنا العراقية رخيصة للغاية، فإن غياب بعضها يكلف المواطن الكثير من المعاناة والأموال لشرائها من الصيدليات الأهلية .ويضيف: في موضوع تكاليف العلاج والعمليات الجراحية في العيادات والمستشفيات الخاصتين، فإن تكلفة زيارة الطبيب الاختصاصي، تبلغ في المعدل 20 دولارا، وتكاليف العمليات الجراحية تتراوح ما بين ألف إلى أربعة آلاف دولار، وإذا أضفنا إليها أجور التحاليل الطبية والصور الشعاعية فإننا سنتأكد أنه يصعب على الموظف العراقي صاحب الدخل المحدود زيارة العيادات الخاصة أو إجراء عمليات في مستشفيات خاصة، ولم يتبق أمامه سوى التوجه إلى المستشفيات الحكومية التي تعاني من زحام مستمر وشح في الأطباء والكوادر التمريضية والخدمية.وهناك مشكلة أكبر  ،يعاني منها قطاع الخدمات الصحية أو الطبية هي افتقار الطبيب إلى الخبرات والمعارف الحديثة في علوم الطب، إذ لا تبذل وزارة الصحة العراقية أي جهود في إرسال الأطباء للدراسة أو المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية في أوروبا أو الولايات المتحدة، فكل يوم هناك الجديد في تقنيات الجراحة وظهور عقاقير جديدة، واكتشافات متطورة، هذا ما مشيرا إلى أن هناك بعض الأطباء يعتمدون على جهودهم الخاصة بمتابعة ما هو جديد ومتطور في الطب سواء عبر الانترنت أو مراسلة الجامعات ومراكز الطب العالمية والتواصل مع الندوات والمؤتمرات العلمية عبر العالم ، وهو يلقي باللوم في ذلك على وزارة الصحة التي لا تتواصل مع الأطباء العراقيين، بل إن هناك فجوة بينها وبين ما يحدث في علوم الطب في العالم بسبب سيطرة بعض الأطباء غير الناجحين في حياتهم العلمية على أمور الطب في وزارة الصحة والتحكم بها عن غير دراية .
أما الدكتورة سندس الطبيبة في احدى المستشفيات الحكومية في بغداد، فتؤكد: مشكلتنا حقيقية في أقسام الطوارئ، وخاصة في حالات حدوث الانفجارات إذ يتدفق الجرحى بأعداد كبيرة، بينما هناك نقص في أعداد الأطباء والممرضين والأجهزة الطبية والإسعافات السريعة، فمن المعروف أن هناك وسائل إسعاف متطورة في العالم لكننا ما زلنا نستخدم أساليب متخلفة تجاوزها الزمن.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

617 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع