طارق الهاشمي يطل على مضيق البوسفور في إسطنبول حيث يقيم
الهاشمي : السعودية حاولت أن تقدم الخير للعراق لكنها اصطدمت بحكومة تنفذ أجندة إيرانية
نائب الرئيس العراقي يعلن في حديث لـ «الشرق الأوسط» أن استمرار الظلم سيقود إلى ثورة جماهيرية لا يستطيع المالكي أو غيره وقفها
الشرق الأوسط/إسطنبول: معد فياض
من مقهى في إسطنبول، يطل على البوسفور مباشرة، يتطلع طارق الهاشمي إلى بعيد.. إلى العراق والعراقيين، ويتساءل «لماذا كتب على بلدي وأبناء شعبي أن يعيشوا في حقب من الظلم والاستبداد مع أنهم يتمتعون بالثروات البشرية والطبيعية الفائقة؟».
نائب رئيس جمهورية العراق المحكوم عليه بالإعدام غيابيا بتهم وجهها له نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية، تتعلق بالإرهاب، تحدث من مدينة القباب والمساجد والطبيعة الساحرة، في حوار طويل مع «الشرق الأوسط»، وبصراحة، حول وضعه وأوضاع العراق، مشخصا أن «العراق اليوم في مفترق طرق وقد ينزلق إلى الفوضى».
وقال الهاشمي إن «المكون السني العربي في العراق يتعرض لجرائم ترقى إلى حد التطهير العرقي»، بسبب «سياسات المالكي الطائفية»، مشيرا إلى أن «بغداد تنفذ في عدائها لدول مجلس التعاون الخليجي أجندة إيرانية بحتة». كما حذر من أن «العراق تحول إلى خطر ضد دول الخليج العربي، حيث توجد معسكرات إيرانية داخل الأراضي العراقية لتدريب شباب شيعة من دول مجلس التعاون الخليجي».
وفي ما يلي نص الحوار:
*هل أنت بعيد عن العراق اليوم؟
- أنا لست بعيدا عن العراق، بل أنا اليوم أقرب من الأوضاع مما كنت عليه كنائب لرئيس الجمهورية، أمارس مهام منصبي كما كنت ببغداد، وأكرس جهودي وعلاقاتي لخدمة قضايا شعبي، لذلك أنا في صلب ما يحدث في بلدي اليوم.
*كيف تنظر إلى الأحداث في بغداد اليوم؟
- العراق اليوم في مفترق طرق، وبالتالي فإن التغيير قادم في كل الأحوال، تراكمات السنوات الماضية بقضها وقضيضها أوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم.. بلد مقسم، تعطلت فيه العملية السياسية، ولم تحقق كل الإجراءات التي يفترض بها أنها ديمقراطية من كتابة الدستور وإجراء الانتخابات لوضع البلد في المسار الذي يحقق الأحلام التي وعدنا بها شعبنا بعد التغيير في 2003، وما حصل ويحصل اليوم هو انحراف كامل وممنهج للعملية السياسية وبناء لنظام استبدادي.
*من أوصل الأمور إلى هذا الحد؟
- مجموعة عوامل وتراكمات تعود لعشرات السنين أضرت ضررا كبيرا بوعي ووحدة الشعب العراقي وقدرته على إدارة أموره بنفسه في الاتجاه الذي يعوضه عن سنوات الحرمان والألم، والمضي نحو مستقبل واعد. هذا في ما يتعلق بالتراكمات التاريخية، أما بعد 2003 فإن الغزو الأميركي للعراق سبب تداعيات كارثية على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وأسهمت تراكمات من الأخطاء التي تسببت فيها سياسة الإدارة الأميركية، سواء كان عن قصد أو غير قصد، في تفاقم الإرث المحزن للشعب العراقي، وما زاد من الكارثة هو التدخل غير المشروع من جانب إيران التي فاقمت من مآسي الشعب العراقي ثم أصبحت بعد خروج القوات الأميركية عام 2011 اللاعب الرئيس في المشهد السياسي والأمني والاقتصادي والثقافي العراقي، وفي نهاية المطاف كل هذه العناصر أوصلت العراق إلى ما هو عليه اليوم. بالتأكيد كان الأمل معقودا على إخواننا الخليجيين في أن يلعبوا دورا مهما ومؤثرا، وألا يتركوا قدر العراق يمضي كما أرادته الإدارة الأميركية، وألا يسمحوا لهذا التغلغل الإيراني في البلد، وما كان على العرب أو قسم منهم أن يتعاملوا مع الاحتلال الأميركي لبلد عربي مهم مثل العراق بالتقاعس والغفلة أو بالانصياع للأجندة الأميركية بتجنب التدخل في الشأن العراقي، وهو ما جعل الأمور في العراق تتفاقم إلى هذا المشهد المؤلم. وباختصار أقول إن بلدي اليوم منقسم، والعملية السياسية معطلة ووصلت إلى طريق مسدود، والحلول غير واضحة حتى هذه اللحظة، وبالتالي فإن العراق في مفترق طرق حقيقي.
*تحدثتم عن الأخطاء والتراكمات التي قادت الأوضاع إلى هذا الحد، ترى هل أسهمتم كزعيم سياسي وكنائب لرئيس الجمهورية في هذه الأخطاء؟
- أنا لا أحمل نفسي شيئا مما حصل، ولكن عندما كنت في صلب العملية السياسية فإن الكثير من القرارات التي اتخذت، والكثير من إجراءات الإدارة الأميركية، كانت لدي ملاحظات ومداخلات واعتراضات عليها، واجتهدت في وقتها لأن أقدم النصائح والحلول، وفي ما يتعلق باختصاصي وصلاحياتي كنائب لرئيس الجمهورية اتخذت مواقف ربما هي في حقيقة الأمر تاريخية، وتتلخص في الاعتراض على مشاريع قوانين كثيرة، واستخدمت حقي في الاعتراض (الفيتو) بإيقاف أو تأخير هذه المشاريع من أجل إصلاحها.. هذا ما حصل في قانون الانتخابات، وقانون الخدمة والتقاعد العسكري على سبيل المثال، وكذلك في الاتفاقية الأمنية مع الإدارة الأميركية، حيث يفترض أن التاريخ سوف يكتب مساهمتي في تعديلها، وعلى عكس من اعتقد أن هذه الاتفاقية هي تكريس للاحتلال الأميركي فأنا وجدتها عبارة عن جدولة لانسحاب قواتهم، لهذا تحمست لها وشجعت الأميركيين على المضي فيها ولكن بشرط أن تعرض للاستفتاء الشعبي، وكان الذي أيدني في ذلك هو السيد علي السيستاني (المرجع الشيعي الأعلى)، إضافة إلى الضغط على نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية، لإصدار ورقة الإصلاح التي طرحناها أنا وزميلي الدكتور عادل عبد المهدي، النائب السابق لرئيس الجمهورية، ولو اعتمد رئيس الوزراء والإدارة الأميركية هذه الورقة لوصل العراق إلى وضع آخر أفضل بكثير مما هو عليه اليوم.
*لو كان طارق الهاشمي اليوم في بغداد وداخل العملية السياسية، هل كان سيستطيع أن يغير في طبيعة الأوضاع؟
- أنا أعتقد أن ما يحصل في بغداد اليوم يجعل مهمة أي سياسي من أجل التغيير صعبة، فالإشكالات أصبحت معقدة اليوم بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، ومن الصعب إجراء تغييرات في ظل ما فعلته الحكومة من ممارسات طائفية عملت على شق المجتمع العراقي طائفيا ومذهبيا. المشكلة التي نواجهها في العراق اليوم لم تعد سياسية في حقيقة الأمر، بل تتعلق بنظام الحكم والدين والثقافة والاقتصاد والأمن، وأرى أنه من الممكن بذل الجهود لإحداث التغيير بشرط أن توقف إيران، دولة ولاية الفقيه، تدخلها في الشأن العراقي، أما إذا بقيت إيران تتدخل في الشأن الداخلي العراقي فليس هناك من أمل للوصول إلى برنامج وطني واعد لإنقاذ الشعب العراقي، لأنه حتى لو صار هناك اتفاق مبدئي بين الأطراف السياسية فإن دولة ولاية الفقيه ستضغط على هذا الطرف أو ذاك لتغيير مواقفهم، وهذا ما حصل عندما اتفق ائتلاف العراقية والتيار الصدري والتحالف الكردستاني على سحب الثقة من الحكومة، إذ وجدنا إيران تتدخل وتضغط على أكثر من طرف لتقوض عملا سياسيا ديمقراطيا بناء.
*ألا تعتقدون أن من اصطلح على تسميتهم «العرب السنة»، وهي تقسيمات ومسميات مرفوضة، هم أضعف الحلقات سياسيا ومشتتون وليس لديهم موقف موحد وقوي مؤثر في العملية السياسية؟
- هذا صحيح. وقبل أن نتكلم عن الظاهرة علينا أن نتحدث عن الأسباب التي أوصلت العرب السنة إلى الأمر الذي وصفته أنت، وأنا أؤيد هذا الوصف ولكن أعيد إلى الأذهان الاستهداف المنهجي الذي انطلق منذ عام 2003 عندما اعتبر العرب السنة جزءا من النظام السابق وجرى تحميلهم مسؤولية أخطاء ومظالم ذلك النظام، لذلك تم استهدافهم (العرب السنة) منذ زمن الحاكم الأميركي بول بريمر. زد على ذلك المنحى الطائفي الذي تراكم ما بين 2005 و2007 بسبب تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، وأخيرا فضح الجنرال الأميركي كيسي بأن إيران كانت وراء هذه التفجيرات من أجل إحداث فتنة طائفية في ظل انعدام توازن القوى المجتمعي، لهذا وقع الضرر على العرب السنة، سواء في مساجدهم أو في أمتهم ورموزهم الدينية والسياسية وغير السياسية. ولو تحدثنا باللغة المجتمعية المتداولة الآن البعيدة عن روح المواطنة، لغة المكونات، فإن الأكراد حظوا بدعم دولي من أجل تكريس إقليم كردستان، والشيعة حصلوا على دعم من قبل الإدارة الأميركية خلال الاحتلال ومن الجارة إيران التي نشطت بوعي وإدراك مخطط للتدخل في شؤون البلد قبل وبعد الانسحاب الأميركي من العراق وحتى اليوم بحجة أنها حامية للمذهب الشيعي مع أن شيعة العراق هم عرب أقحاح وعراقيون أصلاء. فعموم الشعب العراقي لا يقبل أن يكون تابعا لأي دولة مهما كانت، فالكبرياء والروح الوطنية العراقية تجعلان الشيعة والسنة وغير المسلمين والأكراد والتركمان يرفضون التبعية لأحد وهذا ما عرفناه عبر التاريخ وفي الحاضر، بل إن الشيعة العراقيين هم أكثر إصرارا على عروبتهم وعراقيتهم من سواهم، وثورة العشرين تشهد بذلك، لكن إيران تقحم نفسها في الشأن العراقي بهذه الطريقة. فإذا كان هذا ما حصل للأكراد والشيعة في العراق فإن العرب السنة لا بواكي لهم.
*هل تعنون أن العرب السنة في العراق هم أيتام؟
- لا بواكي لهم.. لا راعي لهم.. الإدارة الأميركية استهدفتهم، وإيران ما زالت تستهدفهم، والعرب لم يقدموا أي دعم لهم وبالتالي تركوا كالأيتام.
*لكنكم أسهمتم في تشكيل ائتلاف العراقية، ودعمكم الناخبون، وحصلتم على قوة شرعية، وفزتم في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لكن بأيديكم شتتم هذا الفوز وفرقتم الائتلاف بأنفسكم. لا أعني الهاشمي، بل قيادات «العراقية» باستثناء الدكتور إياد علاوي، زعيم الائتلاف..
- ما هي الخيارات التي كانت مطروحة أمامنا؟ بعد فوزنا في الانتخابات بقينا لأشهر نبذل الجهود لتشكيل الحكومة، لكن استهدافنا كان على أشده، حيث اتخذت الإدارة الأميركية، سواء بتنسيق أو من دون تنسيق مع دولة ولاية الفقيه (إيران)، قرارا بتجديد الولاية لنوري المالكي، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية كان لها دور مؤثر في المفاوضات، والسفير الإيراني في بغداد كان أيضا ناشطا في موضوع إبقاء المالكي، ولا أخفي أن السفير التركي أيضا كان ناشطا خلال هذه الأشهر، وأدركنا أن «العراقية» بدأت تضعف إلى الحد الذي أبلغنا معه بقرار الإدارة الأميركية وإيران بأن المصلحة تقتضي التجديد لولاية المالكي، فوجدنا بعد ماراثون من المفاوضات المضنية أنه لا خيار أمامنا سوى المشاركة في حكومة يشكلها المالكي أو أن نذهب إلى المعارضة، ومن خلال استفتاءات للرأي داخل قيادات «العراقية» ووسط جمهورها وجدنا أنه من المصلحة الوطنية المشاركة في الحكومة ولكن بشروط اتفقنا عليها نحن والتحالف الكردستاني والتحالف الوطني في بغداد وأربيل. وكان لهذه الشروط أن تعمق الشراكة الوطنية في حكومة كان عليها أن تستفيد من أخطاء السنوات الماضية، لكن ما حصل أن هذا الرجل، المالكي، من الصعب أن يلتزم بوعد يقطعه وأن يفي بالتزامات يقدمها لهذا الطرف أو ذاك، وبالتالي حصل الذي حصل.
*هل تعتقد أنك ما زلت قياديا في ائتلاف العراقية.. إذا كان هذا الائتلاف ما زال قائما؟
- حركة تجديد التي أترأسها ما زالت نشطة ضمن الائتلاف ولها نشاطات داخل العراق، وأنا أعتبر نفسي أحد قيادات «العراقية». لكن كما تعلم لم تعد «العراقية» مثلما كانت عليه عام 2010، والائتلاف لا يزال قائما ولم يصدر أي قرار بحله ومكوناته تعمل بنشاط، وأعتقد أن خيار أن تعود مكونات الائتلاف العراقية وقياداتها للعمل مثلما كانت هو أحد أهم الخيارات التي ما زالت موجودة حتى هذه اللحظة.
*هل لديك عتاب أو لوم أكثر من هذا لقيادات «العراقية»؟
- والله عتاب قوي في حقيقة الأمر، فما حصل للهاشمي من ظلم كان يجب أن تتصدى له «العراقية» بحزم وبشجاعة وبمسؤولية وبقدر عال من المروءة، لكن ذلك لم يحصل للأسف. بالتأكيد عتبي شديد على جميع قيادات «العراقية» وما حصل معي هو درس لهم أتمنى أن يستفيدوا منه في المستقبل وألا يسمحوا بالتضحية بأحد القيادات التي نذرت نفسها لتحقيق برنامج «العراقية» الوطني، ومن ثم يترك الباب مفتوحا أمام المالكي ليقترف كل هذا الأذى والاعتداءات، ولا تقدم «العراقية» أكثر من بيان أو تصريح يقرأه شخص ما على استحياء، وحتى هذه اللحظة تتواصل أحكام الإعدام ضد فريق موظفي مكتبي وحمايتي و«العراقية» لا تردع رئيس الوزراء بالشكل المطلوب، و«العراقية» تشكل قوة سياسية، وثالث كتلة برلمانية، وكان عليها أن تمارس ضغوطها لردع حكومة المالكي وتقف ضد الظلم الذي تمارسه ضد الشعب العراقي ككل وضدنا باعتبارنا جزءا مهما من هذا الائتلاف، لكن كل هذا لم يحصل للأسف الشديد. وقد وردتني أحاديث، أتمنى ألا تكون حقيقية، تفيد بأن بعض قيادات «العراقية» سعداء بما جرى لي، وإقصائي من المشهد السياسي للتخلص مني، وردود فعل بعض قيادات «العراقية» تعكس هذا الشعور للأسف وهذا ما يجعلني أصدق ما ورد من هذه الأحاديث.
*لكن بعض قيادات «العراقية»، مثل إياد علاوي وأسامة النجيفي ورافع العيساوي وحتى صالح المطلك، كانوا في حوارات سابقة لـ«الشرق الأوسط» داعمين لكم، وبعضهم أبدى ندمه لأنه لم يتخذ موقفا أكثر حزما؟
- هذا تحصيل حاصل، وأنا نبهت وقتها بأن الموقف من الهاشمي من قبل قيادات «العراقية» يجب ألا يكون معزولا عن سياسات المالكي التي استهدفت الهاشمي، ليس لشخصه، وإنما استهداف لمشروع «العراقية» الوطني العابر للطوائف، فالمالكي يعمل على تقسيم العراق طائفيا، لهذا عمل على تقسيم المجتمع العراقي، وشن حربا ضروسا ضد المشروع الوطني في العراق.
*الاتهامات بالإرهاب بدأت بكم وأنتم نائب لرئيس الجمهورية، ثم جرى تهميش صالح المطلك وهو نائب لرئيس الوزراء، بعدها جرى اتهام رافع العيساوي وزير المالية، وكلكم قيادات في ائتلاف واحد هو «العراقية».. هل تعتقدون أن الأمر مفبرك؟
- القضية واضحة جدا، عندما كنا نجلس نحن قادة «العراقية» كنا نتحدث عن استهداف «العراقية» وقادتها الذي بدأ منذ ما قبل الانتخابات عندما جرى استخدام قانون المساءلة والعدالة لإقصاء قادة «العراقية» وأنصارها وجمهورها.
*أين تجدون أنفسكم اليوم؟
- اليوم أشعر بأنني أكثر حرية في الحركة والتصريح وإجراء الحوارات والاتصالات واللقاء بالسياسيين العراقيين وغير العراقيين والمسؤولين العرب وغير العرب. كنت موجودا في أربيل في ضيافة الأخ مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، وشعبنا الكردي والقيادات الكردستانية، وغمروني بكرمهم المعهود، لكنني كنت أحس بأنني أسبب لهم الحرج بوجودي هناك، فكنت أمام خيار أن أقدر هذا الكرم وأتصرف كضيف وأتفادى إحراجهم بأنشطتي السياسية والإعلامية، أو أن أترك إقليم كردستان لأمضي في مشروعي السياسي وأدافع عن نفسي ضد الظلم الذي وقع علي من خلال حملتي الإعلامية ونشاطي السياسي.
*أنت كنت في العراق، وإقليم كردستان جزء من بلدك، فهل كنت تعتبر نفسك ضيفا على العراق وأنت نائب لرئيس الجمهورية؟
- هذا صحيح، لكن تبقى لإقليم كردستان خصوصيته، وقيادة الإقليم ممثلة بالأخ بارزاني ورئيس الحكومة السيد نيجيرفان بارزاني والأخ برهم صالح، نائب رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، لم يقصروا في فتح أبوابهم أمامي وكذلك فتح الآفاق لتوصيل صوتي في الداخل والخارج للدفاع عن نفسي كمظلوم، لكني اليوم أجد أمامي متسعا من الحرية للتحرك من دون شعور بحرج أو بإحراج هذا الطرف أو ذاك، وأجد نفسي اليوم قد تحررت من الضغوطات النفسية التي حاول المالكي أن يخلقها لي بسبب الموقف غير المبرر الذي وضعني فيه، وأتحرك من أجل قضية شعبي وليس قضيتي بعدما أدرك العراقيون براءتي وزيف الاتهامات التي طالتني وطالت موظفي مكتبي وفريق حمايتي، أنا اليوم أدافع عن مظلومية العراقيين.
*هل حصلت على الموافقات الرسمية للخروج من العراق باعتبارك نائبا لرئيس الجمهورية.. وهل بالفعل قال لك رئيس الجمهورية جلال طالباني إن خروجك من العراق سوف يفرح «أبو إسراء» (المالكي)؟
- نعم.. هذا الحوار دار عندما أبلغت الرئيس رسميا بدعوة وصلتني من الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، عندما كان أميرا لقطر، وسألني (الرئيس طالباني): «هل ستعود؟»، قلت له: بالتأكيد سوف أعود بعد زيارتي لقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا، وسألته: هل تشك في عودتي إلى العراق؟ فأجاب قائلا: «لا أشك أبدا، ولو كنت أشك في عودتك لكنت وافقت على منحك الإجازة للسفر خارج العراق كما اقترح علي المالكي». وهذا الكلام للرئيس طالباني، جرى في الأسابيع الأولى من أزمة اتهامي بالإرهاب، حيث كنت وقتذاك ضيفا على طالباني في قلة جولان قرب السليمانية، وأخبرني بأن المالكي عرض عليه منحي إجازة للسفر خارج العراق، وسألته: لو كنت في مكاني هل تقبل بهذه الإجازة؟ فأجاب الرئيس قائلا: «بالتأكيد لا أقبل». فقلت: إذن أرجوك أبلغه (المالكي) بأن الهاشمي لا ينوي ترك العراق. ثم إنني لم أغادر العراق إلا بموافقة رسمية من الرئيس طالباني، الذي أدعو له بالشفاء العاجل والعودة إلى بلده، وتأكيدا لذلك كتبت له رسالة خاصة أشرت فيها إلى المحادثة الشفوية التي جرت بيننا والحصول على موافقته بالسفر، كما كتبت رسالة أخرى للأخ مسعود بارزاني أستأذنه السفر باعتباري ضيفا عليه، وأشرت فيها إلى موافقة الرئيس طالباني، وحددت فيها موعد سفري.
* لكنك سافرت على أمل أن تعود إلى العراق؟
- نعم.. بالتأكيد.
*لكنك لم تعد؟
- أنا جاهز للعودة إلى العراق في أي وقت، فمكاني الطبيعي في بلدي وبين أبناء شعبي، لكنني لن أعود إلا إذا كانت هذه العودة مدعاة لمسرة وفرح العراقيين، من دون أن تكون هذه العودة عبئا عليهم، أي في الوقت الذي أشعر فيه بأن عودتي طبيعية، مرحب بها، وأن وجودي في الإقليم أو أي محافظة لا يشكل حرجا أو عبئا على أحد. آنذاك سأعود في اليوم التالي.
*لو أصدر رئيس الوزراء نوري المالكي عفوا عنك، فهل ستعود إلى العراق؟
- لا، القضية اليوم تتجاوز هذا. أولا أنا لست متهما ليعفو عني المالكي، فأنا لم أرتكب أي جريمة أو مخالفة قانونية ضد بلدي أو أبناء شعبي، لذلك أنا لا أنتظر أي عفو، سواء من المالكي أو من القضاء العراقي أو من وزارة المصالحة الوطنية، ومبادرة من هذا النوع إذا صدرت فلا تشكل بالنسبة لي قيمة. أنا بريء، وأريد أن أمثل أمام قضاء عراقي عادل ونزيه وغير مسيس وفي أي مكان بالعراق، بشرط أن يرفع المالكي يده عن هذا القضاء. إن مثل هذا القضاء غير متوافر في العراق حاليا باعتراف المنظمات الدولية التي أجمعت على أن التقاضي العادل في العراق مغيب. أنا قلت إنني مستعد للمثول أمام المحكمة في إقليم كردستان أو محافظة كركوك ولم أحصل حتى الآن على هذا الحق.
*عدد كبير من موظفي مكتبك وحمايتك هم اليوم رهن الاعتقال في بغداد وصدرت بحقهم أحكام بالإعدام، ماذا سيكون موقفكم لو جرى تنفيذ هذه الأحكام بحقهم وأنتم خارج العراق؟
- أنا وضعت في ذهني كل الاحتمالات، وأرجو ألا يرتكب المالكي حماقة من هذا القبيل. أنا أؤكد أن موظفي مكتبي وعناصر حمايتي أبرياء ولم يمنحوا فرصة التقاضي العادل، وهذا نداء أوجهه من خلال «الشرق الأوسط» للعالم كله للتدخل لحماية آلاف الأبرياء المعتقلين في العراق وليس فقط عناصر حمايتي، الذين اعتقلوا بسبب تقارير المخبر السري، وانتزعت الاعترافات منهم بالإكراه والتعذيب، وتصدر بحقهم أحكام الإعدام وتنفذ هذه الأحكام، وهذا ما حصل في فضيحة الدجيل، حيث أصدر القضاء العراقي قرارات بإعدام أناس أبرياء لم يرتكبوا أي جريمة، وتم تنفيذ الإعدام بحقهم، وسيأتي يوم يجري فيه كشف كل هذه الحقائق.
*باعتقادك ما هو سبب سكوت العراقيين على ما يحصل لهم، خاصة بعد مذبحة المتظاهرين في الفلوجة ومن ثم مجزرة الحويجة التي راح ضحيتها أكثر من ستين متظاهرا، خاصة أن هذه الممارسات تطال العرب السنة؟
- يقول الشاعر «معظم النار من مستصغر الشرر»، الشرارة موجودة، ولن تنطفئ، وأنا أحذر من تداعيات استمرار الظلم، وستكون هناك ثورة جماهيرية لا يستطيع المالكي أو غيره الوقوف في وجهها. التضييق على العراقيين من السنة والشيعة وغيرهم، بهذه الطريقة، وغياب الحلول، سيقودان إلى الانفجار في مختلف المحافظات. وأنا أخاطب اليوم التحالف الوطني الشيعي لكي يتدارك الأوضاع ويجد حلولا للمشكلات قبل أن ينزلق العراق نحو الفوضى، فالمالكي ليس فيه أي أمل لإدارة أي أزمة، بل هو من يشعل الأزمات تلو الأخرى، اليوم هناك مشكلة شعور مكون يشعر بأن ظلما يقع عليه يصل حد التطهير، فما الحل؟ وكما تدخل المجتمع الدولي لإنصاف شعوب ومكونات فإن عليه اليوم أن يتحرك لإنصاف العرب السنة في العراق.
*ألا تجدون أن هناك مشكلة في غياب الرئيس طالباني وخلو هذا المنصب، وبالتالي فإن رئاسة الوزراء اليوم ورئاسة الجمهورية بيد تحالف ومكون واحد؟
- أنا اليوم أفكر في أن جزءا مهما مما حصل لي كان مخططا له لمعرفة المالكي أن الرئيس طالباني ربما لن يستطيع مواصلة عمله بسبب المرض، وبالتالي فإن الهاشمي وباعتباره النائب الأقدم لرئيس الجمهورية سوف يتسلم مهام الرئيس حتى نهاية الولاية الانتخابية، لهذا لا بد من إبعادي، وهذا المشهد اليوم يخدم المالكي وإيران، فنجد أن رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء بيد حزب واحد، حزب الدعوة، وبدلا من أن تكون رئاسة الجمهورية جهة رقابية على رئاسة الوزراء أصبحت جزءا من السلطة التنفيذية وتوقع على المراسم والقرارات التي يصدرها المالكي وأهمها قرارات الإعدام.
*يشن العراق حربا إعلامية مباشرة وغير مباشرة ضد دول الخليج العربي.. حملات إعلامية ومظاهرات من قبل تنظيمات مقربة من التحالف الوطني ضد البحرين وقطر.. ما سبب ذلك في اعتقادكم؟
- هذه الحملات تأتي تنفيذا للأجندة الإيرانية المعادية لدول مجلس التعاون الخليجي. المواطن العراقي ليست لديه مصلحة لأن يعادي أشقاءه العرب، بل إن العراقي معروف بروحه القومية العربية ويهمه أن يرتبط بعلاقات حميمة مع أشقائه، خصوصا الإخوة الخليجيين باعتبارهم الأقرب للعراق، وخصوصا مع دول الخليج العربي التي حاولت أن تقدم ما تستطيع من خير للعراق والعراقيين، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، لكنها اصطدمت بحكومة يترأسها المالكي وأجندتها الإيرانية التي استفزت الأشقاء العرب (...) العراق اليوم يشكل مصدر خطر أمني على دول الخليج العربي، فأنا حصلت على وثائق تؤكد وجود معسكرات داخل العراق لتدريب شباب من دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصا السعودية والبحرين والكويت، بإشراف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إذ يجري تدريب الشباب الشيعي في هذه الدول على صنع المتفجرات وعمليات الاغتيال وخلق حالات من القلق والفوضى بدولهم.
*هل حصلتم بالفعل على وثائق من هذا النوع؟
- نعم، وسوف نظهرها في الوقت المناسب، فهؤلاء الشباب يصلون إلى العراق عن طريق مطار النجف باعتبارهم زوارا للمراقد الشيعية وهناك يجري إلحاقهم بهذه المعسكرات، علما بأن هذه الأخيرة كانت موجودة في سوريا ولبنان، لكن طبيعة الأوضاع السياسية اليوم في هذين البلدين دفعت باتجاه نقل هذه المعسكرات إلى الأراضي العراقية.
1228 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع