هل تسعى بغداد لتعزيز قبضتها على إقليم كردستان؟


فرانس برس , الحرة - واشنطن:بعد عقود من صراعات مدمرة، تستغل السلطات الاتحادية في بغداد فترة من الاستقرار النسبي في البلاد لتعزيز قبضتها على كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي، وإعادة بلورة علاقاتها مع الإقليم، وفق خبراء ومسؤولين سياسيين.

وتشهد العلاقة بين الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان توترا متصاعدا على خلفية قرارات قضائية صدرت مؤخرا نددت بها أربيل التي طالما حظيت بدعم من واشنطن ودول غربية أخرى، معتبرة أن هدفها "تقويض صلاحياتها".

ويعود التوتر الأخير بشكل رئيسي لقضايا تتعلق بصادرات النفط من الإقليم، ودفع رواتب موظفي مؤسساته الرسمية، فضلا عن الانتخابات التشريعية المحلية. علما أنها ملفات تسمّم العلاقة بين بغداد وأربيل منذ عقود.

وقال رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني الشهر الماضي "هناك مخططات عديدة تهدف لتقويض كيان إقليم كردستان بشتى الوسائل"، مشددا أن "إنشاء كردستان لم يكن هدية أو معروفاُ، بل كان ثمرة كفاح طويل".

وينتمي بارزاني إلى أكبر أحزاب إقليم كردستان، الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتمتع بالغالبية في البرلمان المحلّي، وكانت له صراعات تاريخية مع الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أحزاب شمال العراق.

وبينما كانت المناطق العراقية الأخرى خلال عقود تشهد نزاعات وأزمات متتالية، قدّم إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ العام 1991، نفسه على أنه واحة للاستقرار والازدهار الاقتصادي.

لكن كل المناطق العراقية تعاني من مشاكل متشابهة مثل الفساد المستشري والانقسامات السياسية والنخب الحاكمة التي تمسك بزمام السلطة منذ عقود.

تصفية أخطاء الماضي
وبرغم تحسن الوضع بين بغداد وأربيل بعد وصول رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى السلطة في أواخر عام 2022، عادت العلاقة لتتعقد، إذ يبدو أن بعض الأحزاب السياسية الداعمة للحكومة الحالية بدأت بمراجعة مواقفها منها.

والحكومة الاتحادية الحالية مدعومة أساسا من "الإطار التنسيقي"، وهو تحالف أحزاب شيعية يتمتع بالغالبية في البرلمان العراقي.

وقال مسؤول سياسي في بغداد رفض الكشف عن اسمه لحساسية القضية، إن الوقت حان لـ"تصحيح أخطاء" سابقة.

وأوضح لوكالة فرانس برس أن "الحكومات المتعاقبة كانت مشغولة بمشاكل وظروف صعبة منها هجوم داعش والتظاهرات (ضد السلطة في 2019) والأزمة الاقتصادية، ما أبعدها عن التحرك ضد الأخطاء التي يمارسها الإقليم".

وبين الأخطاء، على حد قوله، "الاتفاقيات النفطية التي عقدها الإقليم وتصديره للنفط ونظامه المالي والكثير من القرارات غير القانونية". وأضاف "حان الوقت لتصفية هذه الأخطاء".

في فبراير الماضي، ألزمت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى هيئة قضائية في العراق، بغداد بدفع رواتب الموظفين الحكوميين في الإقليم بشكل مباشر بدلا من المرور عبر السلطات المحلية التي طالما تأخرت في صرفها.

في اليوم ذاته، أصدرت قرارا بتخفيض عدد مقاعد برلمان كردستان من 111 إلى 100 لتحذف بذلك فعليا المقاعد المخصصة للأقليات.

وكان نواب من الاتحاد الوطني الكردستاني ومحامون في السليمانية، معقل الحزب ذاته، تقدموا بالشكوى في هذا الإطار أمام المحكمة الاتحادية.

ودفعت هذه القرارات بالحزب الديموقراطي الكردستاني إلى إعلان مقاطعة الانتخابات التشريعية المحلية المزمع عقدها في 10 يونيو، في خطوة تثير الخشية من تأجيل التصويت مرة جديدة بعدما كان يفترض عقد الانتخابات في 2022.

وزادت القرارات القضائية من حدة توتر قائم أساسا بين أربيل وبغداد على خلفية تصدير النفط من الإقليم.

وكانت لإقليم كردستان مصادر تمويل مستقلة عن بغداد لسنوات متأتية من صادراته النفطية عبر تركيا، والتي كان يقوم بها دون موافقة الحكومة المركزية.

لكن منذ مارس 2023، توقفت تلك الصادرات جراء قرار لهيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بهذا الشأن.

ووافقت أربيل لاحقا على أن تمر مبيعات نفط الإقليم عبر بغداد، مقابل الحصول على نسبة من الموازنة الاتحادية. لكن الاتفاق لم ينفذ بعد.

تقويض كيان كردستان
ويرى الباحث ومدير مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري أن "هناك إرادة لدى بعض الأطراف السياسية الشيعية لتقويض الكيان الدستوري لإقليم كردستان، فضلا عن حالة من الثأر السياسي".

ويوضح الشمري أن "القضايا التي رفعت ضد الإقليم ذات طابع سياسي، لكن القرارات (القضائية) التي صدرت ضده دستورية"، لافتا إلى أنه "في الماضي، كان العديد من القضايا المسكوت عنها يعتمد على مبدأ الصفقات في تشكيل الحكومات، لكن الآن اختلف الموضوع".

ويرى أن "تعدد الشكاوى يقوض الثقل السياسي في إقليم كردستان وبالتحديد (ثقل) الحزب الديموقراطي الكردستاني".

ولطالما رسمت المنافسة بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي تجمعه علاقة أكثر ودية مع بغداد، معالم السياسة في الإقليم.

وخلال لقاء جمعه بنواب عن الاتحاد الوطني الكردستاني، شدد السوداني الشهر الماضي على ضرورة "المباشرة بتمويل الإقليم وفق قرار المحكمة الاتحادية". كما تم التأكيد خلال اللقاء على "مواصلة الحوارات" بين بغداد وأربيل "إزاء الملفات المشتركة، وأن تكون المعالجات على وفق ما نص عليه الدستور".

لكن عضو مجلس النواب العراقي عن الحزب الديموقراطي الكردستاني صباح صبحي اعتبر أن ما يجري "التفاف حول بنود الدستور من جانب قوى سياسية تحاول تغيير الواقع السياسي والديموقراطي المرتكز على الفدرالية واللامركزية الإدارية الى المركزية الإدارية والسلطوية".

وأعرب لفرانس برس عن أسفه للخلافات التي تعصف بـ"البيت الكردي"، كون الاتحاد الوطني الكردستاني دعم قرارات المحكمة.

واستنكر رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني في بيان "التشهير بالمحكمة الاتحادية"، مشددا أنها "محكمة مستقلة مهنية ساهمت في حماية النظام السياسي في العراق".

توافقات سياسية
ولا يرى الأكاديمي والباحث السياسي العراقي أياد العنبر أي تحرك في الأفق يمكن أن يؤدي لحل أو إيجاد تسوية للمشاكل العالقة بين بغداد وأربيل.

ويقول العنبر لموقع "الحرة" أن "قضية رواتب الموظفين وإجراء الانتخابات وباقي المشاكل تعقدت نتيجة قرارات المحكمة الاتحادية".

مع ذلك يعتقد العنبر أن "حكومة السوداني لا ترغب في استمرار الخلافات وتبحث عن إيجاد الحلول، التي بدورها تواجه عقبات، لإنها ستكون عبارة عن تسويات سياسية وليست دستورية".

يرجح العنبر أن يكون هناك نوع من غض للطرف عن قرارات المحكمة الاتحادية من قبل حكومة السوداني.

ويعزو العنبر أصل الأزمة إلى أن "الدستور لم يعالج الكثير من القضايا بشكل نهائي وتركها مرهونة بإقرار قوانين لمعالجتها".

"إذا لم ينظم قانون النفط والغاز وتكون هناك رؤية حقيقية وفلسفة فيدرالية لإدارة الموارد وتقاسمها بين المركز والإقليم، فالتحركات لن تكن سوى عبارة عن محاولات لتدوير الأزمة مرة أخرى"، وفقا للعنبر.

ويتابع العنبر أن "المشكلة الأكبر تتمثل في إقرار قانون النفط والغاز والثانية التي بدأت تثار مؤخرا هي المحكمة الاتحادية، وحتى لا يتكرر الاعتراض على قراراتها فيجب أن يشرع قانونها أيضا".

ويقلل العنبر من تأثير الخلافات داخل الإقليم على العلاقة بين بغداد وأربيل، "على الرغم من أن هناك أطراف داخل الإطار التنسيقي تحاول أن تستثمرها لصالحها".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

914 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع