الانسحاب من سوريا أكثر احتمالا من الانسحاب من العراق
مع تصاعد الهجمات على القوات الأميركية في سوريا والعراق منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، أعيد التساؤل حول جدوى بقاء القوات في المنطقة وإذا ما كانت مخاطر الحفاظ على هذا التواجد تفوق فوائده المتبقية. ويرى محللون أن الانسحاب الأميركي من سوريا والعراق قد يكون على شاكلة السيناريو الأفغاني ما لم يتم الترتيب له بعناية.
العرب/واشنطن - لا يزال التفكير جديا في واشنطن حول سحب القوات الأميركية من سوريا والعراق رغم التوترات المتنامية في الشرق الأوسط التي تغذيها حرب غزة، إذ يثير تعرض القوات الأميركية للهجمات جدلا وأدى إلى تعالي الأصوات التي تطالب بسحبها، سواء كانت تلك الأصوات داخل الولايات المتحدة أو في البلدان التي توجد فيها قواعد للجنود الأميركيين.
وترجح مديرة معهد نيو لاينز للدراسات الإستراتيجية والسياسية، كارولين روز في لقاء مع عرب دايجست أن احتمال مغادرة الولايات المتحدة سوريا أكبر من احتمال مغادرتها العراق.
وتقول لاينز إن الانسحاب الفجئي والسريع من أفغانستان يستوجب مناقشة صريحة ومفتوحة حول شكل الانسحاب من العراق وسوريا، والتدقيق في الحقائق الأمنية، والبيئة العملياتية، ومناقشة الآثار الأمنية التي سيخلفها أي انسحاب جزئي أو كامل.
وأضر الانسحاب الفوضوي في أفغانستان بمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ما ولّد قناعات بأن الولايات المتحدة شريك إستراتيجي غير موثوق ولا يمكن الاعتماد عليه. وتطمح الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى التركيز على المحيط الهادئ وعلى مواجهة الصين وتريد مواجهة روسيا التي تشن حربا في أوكرانيا.
ولكن الانسحاب من أفغانستان قدم درسا مفاده أن الولايات المتحدة قد تضع خطط طوارئ وإجلاء، ولكن ليس خطة للتخفيف من تداعيات الفراغ الجديد في السلطة وآثاره الأمنية. وينظر الكثيرون في الشرق الأوسط إلى تداعيات الانسحاب الأميركي من سوريا والعراق ويتوقعون أن النتائج ستكون مشابهة للسيناريو الأفغاني. ويتوقع هؤلاء أن سوريا ستشهد تقاربا في القوى، أي الجهات الفاعلة الخارجية أو اللاعبون الرئيسيون، كالنظام السوري.
ديناميكية معقدة
تتواجد أيضا تركيا وروسيا وإيران والميليشيات المتحالفة مع إيران التي ستسعى إلى إنشاء مناطق نفوذ مختلفة ومواجهة قوات سوريا الديمقراطية (ذات الأغلبية الكردية) التي كانت شريكة رئيسية للولايات المتحدة في شمال شرق سوريا.
وهناك ديناميكية مشابهة في العراق إذ ستعمق الميليشيات المتحالفة مع إيران موطئ قدمها ونفوذها السياسي. كما تريد تركيا أن تضاعف حملتها الجوية ضد متمردي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وخاصة في جبال قنديل. وستحاول قوى أخرى مثل روسيا والصين أن ترى كيفية خلق منطقة نفوذ ومحاولة ملء الفراغ الذي ستخلفه الولايات المتحدة.
وترى لاينز أنه يجب لذلك التعامل مع هذه الديناميكيات الأمنية بعد الانسحاب خاصة وأننا نقترب الآن من ديناميكية في الشرق الأوسط أصبح فيها التصعيد مرتفعا جدا. ولم تشهد المنطقة هذا المستوى من التصعيد بين إسرائيل وإيران في السابق. ويمكن أن تكلف ضربة واحدة ضد منشأة أميركية أو خطأ واحد حياة الأفراد الأميركيين. ويمكن أن يؤدي الضغط السياسي الخانق الناتج عن ذلك إلى انسحاب سريع لم تخطط له وزارة الدفاع الأميركية ( البنتاغون). وسيبدو الأمر حينها أشبه بعملية إجلاء بدلا من عملية انسحاب بطيئة وتدريجية.
ولدى الولايات المتحدة 900 فرد متمركز في سوريا ولا يشمل هذا المقاولين، لكن عددهم صغير، ويوجد في العراق 2500 دون احتساب المقاولين، وهم قلائل أيضا. وخفضت الولايات المتحدة عدد أفرادها في العراق إلى النصف تقريبا في2020. وتراجع الموقع الأمامي للولايات المتحدة في شمال شرق سوريا أيضا بعد الانسحاب المؤقت لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وتشمل مهمة القوات الأميركية في تقديم المشورة والمساعدة مع اتخاذ وضعية دفاعية حين تشن الميليشيات المتحالفة مع إيران هجماتها. وتبقى القوات الأميركية موجودة في المقام الأول لمساعدة الشركاء على الأرض على شن غارات ضد داعش والمساعدة في بناء القدرات بين هؤلاء الشركاء في جميع أنحاء سوريا والعراق.
وفي سؤالها بشأن تقييمها للقوات الأميركية المتواجدة حاليا والآثار المترتبة على انسحاب هذه القوات، تقول لاينز إنه عندما تنظر إلى التقارير التي يصدرها مكتب المفتش العام كل ثلاثة أشهر للكونغرس عن كيفية أداء قواتنا، فسترى أن تنظيم داعش لا يزال نقطة رئيسية. وتبرز هذه التقارير أن الدولة الإسلامية لم تعد في الوضع الذي كانت عليه في منتصف 2010. لكننا شهدنا سلسلة من الهجمات منخفضة المستوى وأقل تطورا، لكنها تبقى متسقة ضد المدنيين وكذلك شركاء الولايات المتحدة العاملين في المنطقة.
وينتشر في شمال شرق سوريا قلق كبير بشأن عمليات الهروب المحتملة من مراكز الاحتجاز التابعة لداعش، بالإضافة إلى التجنيد واسع النطاق في مخيمات مثل الهول لأن المرافق لا تخضع للحراسة المناسبة. ويتشتت الانتباه كلما شُنّ هجوم تركي في شمال شرق سوريا. وهذا ما يخلق العاصفة المثالية لعودة داعش، وخاصة استعادة الزخم في جميع أنحاء شمال شرق سوريا، والتجنيد الجماعي، ومحاولة إجراء عمليات هروب من السجن، ثم شن هجمات أقوى على قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأميركية.
وتشمل جهود داعش الهادفة لاستعادة مساحات من الأراضي هجمات على المجتمعات والمدنيين أيضا. وحقق التنظيم مكاسب في شمال شرق سوريا خاصة في البادية السورية. وينتشر قلق من لحظة لم نبلغها بعد، حيث سيحاول مقاتلو داعش الاتصال بمحافظة إدلب حيث سيمكنهم التنسيق مع المنظمات التابعة لتنظيم القاعدة العاملة في شمال غرب سوريا. وسيحاولون، بعد ذلك ، تحقيق مكاسب في العراق أيضا حيث تتواجد خلايا الدولة الاسلامية الناشطة التي تشن هجمات.
وفي شمال العراق، تبلّغ قوات الأمن الكردية عن مهام أكثر فعالية لمكافحة داعش. ولا يحرز داعش أحيانا تقدما كبيرا. لكن أجزاء من جنوب العراق، أو حتى على طول الحدود السورية – العراقية، تحتاج إلى مهام متسقة لمكافحة داعش. ويكون هذا أولا مع قوات الأمن العراقية وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي. لكن حين نتحدث عمّا إذا كان العراق يريد انسحابا كاملا من الولايات المتحدة، فمن المهم أن نتذكر أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يبقى في وضع صعب.
وانتُخب السوداني بمساعدة إطار وائتلاف مرتبط بإيران ومتحالف معها. وتتمتع إيران لذلك أيضا بنفوذ أمني كبير من خلال قوات الحشد الشعبي التي تحظى بميزانية متزايدة بالإضافة إلى قدرتها على تجنيد المزيد من الأعضاء.
موقف السوداني
تلقت مجموعة من العقود الحكومية، وهذا مهم لتوسيع بصمتها. وبينما يتمتع السوداني بدعم عدد من الجهات الفاعلة الأخرى العاملة في هذا المجال السياسي، إلا أنه يعلم أن الضغط الذي تمارسه الجهات الفاعلة المتحالفة مع إيران سيزداد إذا لم يحاول الحث على انسحاب عسكري أميركي. لكن واشنطن تقدم الملايين من المساعدات الأمنية وكذلك المساعدات الإنسانية، ولها تأثير كبير في البنية التحتية الأمنية في العراق وكذلك في هيكلها الحكومي. ولا يريد السوداني أن يخسر ذلك.
وإذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب، فسيواجه ظروفا أصعب بكثير، حيث يسعى لحشد الموافقة السياسية والدعم من مختلف التحالفات داخل المجتمع السني وكذلك المجتمع الكردي اللذين يعدّان مفتاح تجنب الأزمات السياسية والشلل داخل المشهد السياسي العراقي الذي عهدناه خلال السنوات الماضية.
ولكن السوداني أصبح في موقف صعب. ولا يريد أن تغادر الولايات المتحدة لكنه يريد تحقيق نوع من النصر السياسي السريع الذي يبقي الكتل الرئيسية في مأزق. وقد نشهد لهذا تحولا في طبيعة المهمة قد يرضي عددا من هذه التحالفات السياسية المختلفة، ولكنه قد يؤدي أيضا إلى انسحاب جزئي.
وتقول لاينز إنها لا ترى بالضرورة العراق يدفع لانسحاب سريع واسع النطاق ما لم تكن هذه الميليشيات الشيعية قادرة على ممارسة المزيد من النفوذ. ولا تعتقد لاينز أن للولايات المتحدة إستراتيجية متماسكة في الشرق الأوسط قائلة إنها اشبه بوضع الطيار الآلي منذ إدارة ترامب، أي أنها تعمل على صفقات التطبيع، وتحاول تنويع علاقاتنا خارج المجال الأمني والعمل على فك الارتباط عن المنطقة في النهاية.
وكان العام الماضي اختبارا مهما للواقع بالنسبة إلى الولايات المتحدة وشركائها الراغبين في فك الارتباط. ويبرز هذا أنه لا يمكنك حقا أن تتمتع بالأجزاء الجيدة دون أن تتعامل مع الأجزاء السيئة. ولا يمكنك أن ترغب في أن تكون لاعبا مؤثرا في الفضاء الدبلوماسي وأن تعقد اتفاقا لوقف إطلاق النار بينما تتحدث باستمرار عن الطريقة التي ترغب في فك الارتباط بها من المنطقة. وتؤكد لاينز على ضرورة أن تبقى الولايات المتحدة منخرطة في الشرق الأوسط وجهة فاعلة استباقية ونشطة مهما كان شكلها الأمني.
1109 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع