أ.د. سلمان الجبوري*
التعداد السكاني في العراق حق يراد به باطل
تعتبر الإحصاءات السكانية أساسا للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي والبنية التحتية، لذا الزمت اللجنة الإحصائية الدولية التابعة للأمم المتحدة الدول باجراء تعدادات سكانية كل عشر سنوات . وعليه ينبغي أن يصـمم
نظام إحصاءات السكان بحيث يوفر بيانات آنية حـول حجـم السـكان، والبنيـة السـكانية، والثروة والتغيـرات التـي تطـرأ عليهما.
تنبع أهمية التعداد بكونه يعطي صورة متكاملة عن المجتمع خلال لحظة زمنية محددة، في إطار المتغيرات الكثيرة والمتعددة والمستمرة، والتي لا يمكن تحديدها بطرق جمع البيانات الأخرى
ومن المتعارف عليه ان التخطيط السليم يتوقف على دقة الرقم الاحصائي لذا اولت الأمم المتحدة في توصياتها للدول إعطاء أهمية خاصة للتعدادات السكانية كونها تحتل مركز أساسي في التخطيط الاقتصادي انطلاقا من ان الانسان هو أداة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وغايتها .وهنا يجب ان لانغفل الشروط الواجب توفرها لاجراء تلك التعدادات وهي:
اولاً: الاستقرار الحياتي المرتبط بالاستقرار السياسي للمجتمع المستهدف في التعداد أي ان تكون سنة التعداد سنة مستقرة. و
ثانيا: توفر الإرادة الوطنية الحريصة على حياة افراد المجتمع وطريقة عيشهم وامنهم وسعادتهم .
وبألقائنا نطرة خاطفة على تأريخ التعدادات السكانية في العراق يتضح لنا ان العراق قد التزم اجرائها وفق توصيات الأمم المتحدة لغاية 1997 والتي كان اغلبها محدودا أي غير عاما بمعنى لم يشمل كل مناطق البلد بسبب الظروف التي كان يمر بها العراق.
وبالعودة الى التعداد العام للسكان الذي يجري اليوم في العراق والذي هو موضوع مقالنا هذا فأنه يشوبه عوار كبير اذا ما تفحصناه في مرأة الشرطين انفي الذكر. فمن جهة الاستقرار السياسي والمجتمعي فإن العراق لايعتبر مستقرا منذ عام 2003 بسبب الاحتلال وتعاقب الحكومات التي كان همها الوحيد هو خدمة ايران والاغتناء غير المشروع والقمع والتهجير وعدم إيلاء التنمية الاقتصادية والاجتماعية اية أهمية.
اما الامر الاخر الذي يخل بمصداقية التعداد فهو عدم توفر النظام الوطني الذي يتصف بالحنكة والمصداقية والأمانة في قيادة الدولة، اذ لم يولي جميع الذين حكموا العراق منذ الاحتلال ولغاية الان أي أهمية للتخطيط او للبناء او ان كان شأن المواطن وحياته وظروف معيشته تهمهم بشئ. ان ادعاء البعض بأن الهدف من التعداد هو إعادة توزيع الثروة ! فعن أي ثروة يتحدثون هل تلك الثروة الوطنية التي لم يصيب الفرد العراقي منها فلساً احمرا ام عن تلك الثروة التي ذهبت الى ايران والى جيوب الأحزاب والميليشيات وبقي المواطن العراقي يعاني شضف العيش، فمنهم من هو بلا مأوى واخرون يعيشون على ما يلتقطونه من المزابل لبيعه ليسد رمق اطفاله! ام من اخرج أبنائه من على مقاعد الدراسة وزج بهم الى سوق العمل المهين! ام الخريجون العاطلون ؟ ان من اهمل كل هؤلاء وتمتع بخيرات العراق لن يؤتمن على إعادة توزيع الثروة مما دعى العديد من المواطنين الى الاستغراب من سؤالهم عن عدد الثلاجات والتلفزيونات والمكيفات وغيرها التي بحوزتهم لانهم ما عادوا يثقون بهكذا نظام.
من جانب اخر لو كان النظام على قدر بسيط من الموثوقية لقلنا لهم اضيفوا أسئلة عن الديانة والطائفة والقومية لكي تفضح اكاذيبهم في تزوير اعداد المنتمين الى طائفة معينة صدعوا رؤوسنا في ترديد نغمة المظلومية والتفوق العددي او سيتضح اثر التهجير الذي تعرضت له بعض المكونات كالمسيحيين والذين بات عددهم ضئيلا بعدما كانوا هم ملح ارض الرافدين ولإتضح أيضا اثار التغيير الديمغرافي لصالح قومية او طائفة معينة. ولو لم يكن النظام الحالي طائفيا لقلنا ان السؤال عن الدين او الطائفة يعمق الطائفية كما كانت عليه الحال في التعدادات السابقة
من الأمور الأخرى والتي كان المفروض ان تؤخذ بعين الاعتبار هو إيلاء خصوصية العراقي المقيم خارج الوطن أهمية استثنائية انطلاقا من كون حالة تواجده خارج الوطن يكتسب صفة الحالة الخاصة او الاستثنائية كونهم لم يغادروا الوطن لرغبة في انفسهم وانما بسبب الاوضاع التي رافقت الاحتلال وانفلات الوضع الامني وترديه، يضاف الى ذلك صدور قوانين الاجتثات والمسائلة والعدالة و4 ارهاب والمخبر السري وحرمان العديد من موظفي الدولة من وظائفهم، وبالتالي فلا يجوز اغفالهم في اي تعداد سكاني وبالخصوص من لم يكن لديهم عوائل داخل العراق.
وختاما فأنني اجزم بأن تعدادا سكانيا يقوم به نظام كالذي يرزح تحته شعبنا العراقي تحت بهدف التخطيط لتوزيع الموارد والثروة وهو الذي غفل طيلة الاحدى وعشرون سنة من عمر الاحتلال وتسلطهم على رقاب الشعب لن يكون حريصا على حياته ومستقبله ولايرتجى من تعداد سكاني يقوم به خيرا ان لم تسخر نتائج التعداد لتحقيق اغراضهم الخبيثة . ان ما حصل عند تنفيذ التعداد يدعم ما ذهبت اليه والذي تأكد لي من خلال ما استطلعته من اراء لعراقيي الداخل في مناطق مختلفة في بغداد وكركوك ووقفت على الكم الهائل من الخروقات والتي بان منها الطائفية المقيتة والنوايا السيئة. اضافة الى عدم وجود اي اثر لما ادعي على اساس انه احصاء للثروة وعدالة التوزيع هذا اضافة الى انني تابعت الكثير من الاراء والتحليلات على صفحات وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي ولم اسمع احدااستحسنه وانما اكدوا فشله وانه كان بوابة لهدر المال العام.
وبالتالي فإن هذا التعداد لايعدو عن كونه حقٍ أريد به باطلا.
*اكاديمي احصائي عراقي
369 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع