بغداد (المسلة) - مازال العراق يسعى الى استرداد أمواله المسروقة الموجودة في بلدان أخرى، مطالبا المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته القانونية والأخلاقية في ذلك.
ومع اعتبار سرقة الأموال وتهريبها إلى خارج البلدان جريمة دولية عابرة للحدود وتهدد بآثارها السلبية الخطيرة خطط وبرامج التنمية الوطنية والشاملة فان العراق ينتظر من المجتمع الدولي التعاون في هذا المجال، لاسيما وان الاموال المنهوبة يمكن لها ان تكون ممولا للرهاب مثلما تسهم في انهيار المنظومة الاقتصادية الدولية عبر عمليات غسيل الأموال.
وبحسب القاضي علاء جواد حميد رئيس هيئة النزاهة العراقية في كلمة له أمام المنتدى العربي لاسترداد الأموال المنعقد في لندن "ان ثروات الشعب العراقي تعرضت على مدى نحو أربعة عقود إلى استنزاف وسرقات ممنهجة، كلفت الميزانية العامة مئات المليارات من الدولار وحرمت أبناء البلاد من فرص نمو وتطور ونهوض كبيرة وتسببت ببروز ظواهر الفقر والبطالة والفساد".
والخطوة الايجابية في مساعي العراق لاسترداد امواله المنهوبة، حصوله على تأكيدات مطمئنة من الكويت وبريطانيا والولايات المتحدة على التعاون في تنفيذ (59) ملفاً لاسترداد أموال ضخمة نهبها فاسدون وفروا بها إلى الخارج واستقر بعضهم في تلك البلدان.
وقال رئيس هيئة النزاهة القاضي علاء جواد حميد الذي قاد وفد العراق إلى اجتماعات الجلسة الثالثة للمنتدى العربي لاسترداد الأموال "عرضنا امام المجتمعين في لندن من ممثلي الحكومات العربية والشرق الأوسط وشمال افريقيا والدول الثمان ومنظمات المجتمع المدني تفاصيل تلك الملفات التي استكملت جميع إجراءاتها القانونية واكتسبت احكامها الدرجة القطعية".
وأعرب القاضي حميد عن "تفاؤله بان تستجيب بلدان أخرى لمطالبات العراق باسترداد أمواله المعنية بتلك الملفات والتي يخص بعضها وزراء ومسؤولين كبار سابقين او الملفات التي سيتم انجازها لاحقاً من قبل دائرة الاسترداد في الهيئة بالتعاون مع دوائرها الأخرى والوزارات والدوائر العراقية المعنية بهذا الشأن والجهات الدولية ذات العلاقة كالشرطة الدولية (الانتربول)".
وأكد بأن "59 ملفاً تمثل رقماً ضئيلاً قياساً بمئات جرائم الاستحواذ على المال العام التي ارتكبها مفسدون عبر استغلال صلاحيات مناصبهم الوظيفية لكنه عد هذا الرقم كبيراً قياساً بعمر قسم الاسترداد في الهيئة الذي باشر مهماته منذ اشهر فقط اثر تشكيله بموجب قانون الهيئة النافذ رقم (30) الصادر نهاية عام 2011 ملفتاً الى ان قسم الاسترداد الذي الغته الادارة السابقة للهيئة لأسباب مجهولة لم ينجز اي ملف استرداد رغم صدور احكام عدة في الاعوام 2005 و 2007 بحق مدانين كبار مثل وزير الكهرباء الاسبق ايهم السامرائي ووزير الدفاع الاسبق حازم الشعلان ووزير التجارة الاسبق فلاح السوداني وغيرهم".
واتهم الوزير السابق حازم الشعلان حين شغل منصب وزير الدفاع في الحكومة العراقية المؤقتة بعمليات اختلاس في ميزانية الوزارة لضلوعه في صفقة شراء اسلحة فاسدة، واصدرت لجنة مكافحة الفساد في الحكومة العراقية الانتقالية مذكرة اعتقال بحقه الا انه كان خارج العراق في ذلك الفترة وفي أيار/ مايو من عام 2007 وصدر بحقه حكم غيابي بالسجن 7 سنوات فيما يخص نفس القضية.
وحُكم على وزير الكهرباء الاسبق ايهم السامرائي بالسجن عامين لتبديد المال العار، لكنه فر من العراق قبل تنفيذ الحكم.
وفي العام 2012، أعلنت لجنة النزاهة في مجلس النواب، أن السلطة القضائية أصدرت حكم غيابيا على وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني بالسجن سبع سنوات لادنته بقضايا فساد.
الى ذلك أوضح رئيس هيئة النزاهة، ان هناك "تنسيق كبير يجري حالياً بخصوص استرداد الأموال العراقية المنهوبة مع الأردن ولبنان".
وقال ان "بلداناً عدة طرحت أسماؤها خلال اجتماعات لندن كدول مستقطبة للأموال المنهوبة بينها الإمارات العربية المتحدة التي تتاح فيها مجالات واسعة لتشغيل مثل هذه الاموال".
واشار الى ان "وفد العراق اقترح على اعضاء المنتدى العربي لاسترداد الأموال والبلدان والمنظمات الممثلة في ملتقى لندن بان تقوم منظمة الشفافية الدولية بإعداد جرد وإحصائية مماثلة لتقاريرها عن مستويات الفساد في بلدان العالم تكشف فيها اسماء البلدان الحاضنة للأموال المنهوبة والتي تتيح للسراق استثمار وتشغيل تلك الاموال داخل اراضيها".
وذكر رئيس هيئة النزاهة ان "الطروحات والمداخلات كشفت ان كثيراً من البلدان المستقطبة للأموال المنهوبة تعلم بمصادرها ولكنها تتجاهل مسألة عدم شرعيتها وتدافع دفاعاً مستميتاً لتبرير استثمارها على اراضيها كونها مصدراً للأرباح وللضرائب المتأتية عن حركتها التجارية".
واستشهد بهذا الصدد في اخفاق كل من تونس وليبيا باسترداد اي شيء من اموالهما المنهوبة رغم جهودهما الكبيرة في هذا المجال ملفتاً الى ان "مصر قطعت اشواطاً ناجحة عبر المدعي العام للقيام باجراء قضائي تتمكن من خلاله الاطلاع على حسابات رئيس النظام الاسبق واتباعه في بنوك سويسرا التي رفضت سلطاتها التجاوب مع ذلك الجهد بذريعة ان المدعي العام في مصر لم يعين وفق الضوابط الأصولية".
وأشار إلى ان "من بين العقبات التي تضعها بعض البلدان الحاضنة للأموال المنهوبة هي مسالة أثبات العلاقة بين المال الذي يشار اليه في ملف الاسترداد والمال المودع في مصارفها".
الا ان رئيس وفد العراق اعرب عن "ارتياح كبير للأجواء التي سادت اجتماعات لندن حيث تضافرت مواقف جميع الدول مع دعوات العراق لبناء منظومة رصينة لفضح وكشف الدول المستقبلة للاموال المسروقة وللأشخاص المدانين في بلدانهم بأحكام تخص جرائم فساد".
وشدد على ان "هذا الجهد رغم كونه معنوياً في مراحله الاولى الا انه شكل احراجاً للبلدان المتطفلة على الاموال المنهوبة وللسراق المدانين"، مؤكدا ان "عملية الفضح ستفضي لاحقا الى جعل كثير من البلدان تعيد النظر في استقبالها للأموال المسروقة حفاظا على سمعتها بين الدول وتحسبا للعقوبات وتجعل المفسدين متخوفين من عدم استعداد اي طرف خارجي يؤويهم مما يؤدي الى محاصرة جرائم الفساد في حدود الأراضي الوطنية ويسهل إجراءات تعقبها ومقاضاتها بموجب القوانين المحلية".
وخلص القاضي علاء جواد حميد الى القول، ان "موضوعة الاموال المنهوبة وقضية استردادها لم تعد مسالة وطنية بل واقعة دولية لا تنحصر ساحة التحرك حيالها في اطار هيئة النزاهة وانما يجب طرحها بقوة ضمن جدول اعمال أية اجتماعات رسمية تعقد على المستوى الرئاسي او الحكومي او النيابي او الوزاري مع نظرائهم في البلدان التي يستقر في اراضيها مدانون بجرائم فساد او تستثمر فيها اموال منهوبة واعتبارها حالة تؤثر في طبيعة علاقات البلدين".
996 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع