بعيدا عن التكنولوجيا
تؤثر الأجهزة التكنولوجية على الأطفال الذين سرعان ما يدمنونها وتبعدهم عن عالمهم الحقيقي، عالم الألعاب اليدوية الذي يعلمهم تشكيل ذواتهم، لذلك بادرت الفنانة التشكيلية العراقية سمية البغدادي إلى بعث نادٍ تُعلم فيه الأطفال تشكيل الطين إلى أشكال يحبونها أكثر من الهواتف.
العرب/البصرة (العراق) - تدير سُمية البغدادي، وهي أستاذة جامعية وفنانة سابقة في البصرة، ورشة لصناعة الفخار مخصصة للأطفال بهدف إبعادهم عن الهواتف المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي.
تقول سُمية البغدادي إن إشراك الأطفال في فن صناعة الفخار والسماح لهم بالإبداع يساعدانهم على إطلاق بعض الطاقة المكبوتة في داخلهم.
وأضافت “حين تكون للطفل طاقة سلبية يأتي عندنا في مشغل الفخار الذي يمكّنه من إفراغ هذه الطاقة للسلبية، ومن خلال تجربتنا وتعاملنا مع الأطفال نُعَرّفهم على الطين وكيف يشتغلون به لنساعدهم في تغيير أسلوب حياتهم بحب وحنية”.
سمية البغدادي فنانة تشكيلية عراقية عشقت الرسم وهي طفلة من خلال مشاركاتها في العديد من المعارض المدرسية، وعند التحاقها بمعهد الفنون الجميلة تعرّفت على فن الفخار والخزف، فأحبته ووجدته قريبا إلى نفسها، ومن هناك مارسته واحترفته، بل باتت تدرّسه للأطفال.
ورحب أحد أهالي الأطفال الذين يحضرون الورشة بهذا النشاط معتبرا أنه بمثابة استراحة لأطفاله بعيدا عن الشاشات. وقال أحدهم “الأطفال في البيت يضيعون أكثر وقتهم منهمكين في ألعاب إلكترونية، البلاي ستيشن، الآيبادات وخاصة في العطل”. وأضاف “الشيء الذي يشتغله الطفل يكون عفويا أحسن، يظل يتذكره… يتعلم إتقان الأشياء بالصبر. في المشغل صار اللعب بالطين حلوا وهم يستمتعون به”.
وسلطت المشرفة التربوية بوزارة التعليم جميلة سالم الضوء على بعض المخاطر المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي داعية الحكومة إلى بذل المزيد من الجهد للمساعدة في معالجة بعض تلك القضايا.
وقالت “نلاحظ أن 80 في المئة من الأطفال مصابون بالإدمان على السوشيال ميديا. والأهالي محتارون كيف ينقذون أطفالهم… بعد أن صارت عندهم نزعات عدوانية… يؤذون أنفسهم. أحيانا تصير عندهم حالة من عدم الرضا عن أنفسهم، عن حياتهم التي يعيشونها معنا ويقارنون أنفسهم بحياة الناس الموجودين بالسوشيال ميديا”. وأضافت جميلة “على الدولة أن تتلافى هذه الأمور وتكثف من البرامج التي تنقذ بها الأطفال. خاصة أن في العراق الاستخدام غير صحيح وغير مرغوب فيه”.
وتعلّم الخبيرة العراقية سمية في فنون الفخار طلبتها تراث العراق وثقافته القديمة عن طريق صناعة الأواني والمزهريات الملونة.
وأوضحت البغدادي أن “هذه الدورات مفيدة جدا بالنسبة إلى الأطفال، وفي الآن ذاته تساعدنا على إحياء تراث الفخار الذي يعاني من شبه اندثار في العراق، فنحن نعمل على إعادة إحيائه من جذوره عن طريق تعليم الأطفال الذين أحاول أن أبثّ فيهم حب هذا الفن حتى يكملوا مستقبلا هذه الرسالة”.
وتحرص البغدادي على نقل مهاراتها إلى الأطفال الذين تعلّموا من خلال دوراتها المتعدّدة كيفية صنع الكؤوس وكتابة أسمائهم باللغة المسمارية على ألواح طينية، وهي من أقدم أساليب الكتابة في بلاد ما بين النهرين القديمة.
ووجدت هذه الورش صدى طيبا لدى عدد من الأطفال، ومن بينهم دانا سعد (14 عاما) التي تؤكّد أنها اكتسبت من مشاركتها مهارات جديدة وأصبحت تجد في الفخار أمرا مسليا، وفي الوقت نفسه تعلمت أن هذا الفن يشكل جزءا من التراث العراقي ويسلط الضوء على حياة العراقيين القديمة بكل التفاصيل التي عاشها الأسلاف، بالإضافة إلى أنها تعرّفت على أصدقاء جدد.
أما المشارِكةُ الأخرى الطفلة بلقيس سالم (14 عاما) فتعتبر أن صناعة الفخار بالنسبة إليها تتجاوز بعدها الثقافي إلى مشروع استثماري بدأت فكرته تدور في ذهنها، وقد وجدت في الأمر فرصة لتمضية أوقات فراغها في تعلّم أشياء مفيدة، ترى أنها ستفيدها كثيرا في المستقبل.
وتعمل البغدادي على استغلال فرصة العطلة الصيفية في محاولة إفادة الأطفال في مجتمعها، تنظم دورارت فنية لهم بهدف إبعادهم قدر المستطاع عن هواتفهم الذكية.
وتقول عن هذه المبادرة التي ترسّخت بمرور الوقت “للأسف أغلب الألعاب المتوفرة في أجهزة الهواتف تحتوي على مواد ضارة، فهي قائمة على القتل والعنف، بالإضافة إلى أنها تضمّ ألفاظا ومفردات غير دقيقة، كما أنها منافية للأخلاق، وكل هذه الأمور من السهل جدا أن تساهم في تعليم الأطفال سلوكيات مشينة. في المقابل نحن نسعى لحملهم على المشاركة في هذه الدورات الزاخرة بمواد متنوعة (تثقيفية، تعليمية، ترفيهية…) ومراعية لأعمارهم ومستوياتهم العلمية”.
وهي لا تكتفي بتعليم الأطفال فن الفخار والخزف، بل شملت ورشها التدريبية جميع الأعمار من الجنسين، وخاصة النساء.
702 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع