شفق نيوز/ ذكرت مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية أن هناك فرصة أمام إدارة ترامب لإخراج إيران من العراق، لا من خلال العمل العسكري، وإنما من عبر "الدبلوماسية الحازمة والتهديد بالعقوبات والعمليات الاستخباراتية"، بما يمنح الأمريكيين نفوذاً أفضل على طاولة التفاوض مع الإيرانيين.
وبعدما أشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى نجاح الإستراتيجية الإيرانية منذ العام 1979 بإقامة شبكة من "الوكلاء والأصدقاء" في أنحاء الشرق الأوسط كافة، ما منح طهران النفوذ في العراق ولبنان وسوريا، قال التقرير إن أحداث العام الماضي أطاحت بهذا النظام الإقليمي رأساً على عقب، بتدمير إسرائيل لحزب الله في لبنان، وسيطرة قوات سنية مدعومة من تركيا على سوريا.
وأضاف أن إيران "تشعر بالرعب من احتمال سقوط حجر دومينو آخر"، حيث أن العراق يعتبر المكان الأكثر ترجيحاً لحدوث ذلك حيث يشعر حلفاء طهران في بغداد، بالتوتر.
تنازلات السوداني
وبحسب التقرير، فإن سياسيي العراق يبدون أكثر حرصاً مما هو معتاد على استرضاء الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن فريق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قدم ثلاثة تنازلات للمسؤولين الأمريكيين أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، وهي: إلغاء مذكرة اعتقال بحق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأمره بقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، بغارة جوية في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2020 قرب مطار بغداد الدولي خلال ولايته الرئاسية الأولى.
وأشار إلى أن التنازل الثاني هو الموافقة على العمل لإطلاق سراح الباحثة الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف؛ وكذلك إقرار تعديل مهم في الموازنة لطالما سعى إليه الكورد، الذين وصفهم التقرير بأنهم "الشريحة الأوثق صلة بترامب في المجتمع العراقي".
وفي حين رأى التقرير أن هذه التنازلات تشير إلى أن حلفاء إيران في العراق يشعرون بـ"الضعف"، لفت إلى أنه يتحتم على واشنطن استغلال هذه اللحظة للحد من النفوذ الإيراني في العراق بشكل دائم، مضيفاً أن ذلك لا يجب أن يتم من خلال عمل عسكري واسع، وإنما من خلال دبلوماسية حازمة، والتهديد بفرض عقوبات، ومن خلال العمليات الاستخباراتية.
واعتبر التقرير أن مثل هذه الإجراءات تحرم إيران من مصدر تمويل حيوي، وتمنح الولايات المتحدة نفوذاً في أي مفاوضات مع القادة الإيرانيين، وأن الأكثر أهمية من ذلك أنها ستقود إلى حكم أفضل للعراقيين ممن عانوا من وطأة إيران.
"البقرة الحلوب"
وتحدث التقرير عن "بقرة حلوب" وعن أن إيران ووكلائها يتغذون على الاقتصاد العراقي، ولهذا تتمسك طهران بقوة ببغداد، مثلما فعلت شركة "الهند" الشرقية التي نهبت ثروات الهند لتمويل الإمبراطورية البريطانية طوال قرون.
وتناول التقرير بعض ما يفعله الحرس الثوري الإيراني في هذا السياق في العراق، من خلال مثلاً نقل النفط الإيراني إلى المياه العراقية ليتم تصنيفه زوراً على أنه عراقي وتصديره إلى الأسواق العالمية، بينما تقوم الميليشيات المدعومة من إيران، مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، بـ"سرقة" النفط العراقي مباشرة من الآبار أو من خلال إنشاء "شركات وهمية" تتلقى وقوداً مدعوماً من الحكومة بشكل غير عادل.
كما تطرق التقرير إلى وضع الحشد الشعبي أسمياً تحت سيطرة الحكومة العراقية ليتلقى نحو ثلاثة مليارات دولار من التمويل الحكومي، وإلى شركة "المهندس" العامة التي تتعاون مع شركات صينية وأخرى يديرها الحرس الثوري لتلقي عقود النفط والبناء من الحكومة العراقية، مشيراً إلى أن الحكومة الإيرانية واقعة تحت ضغوط مالية هائلة، والعملة الوطنية تنهار، وأسعار السلع ترتفع يومياً حيث بلغ متوسط التضخم 32%.
خسارة لبنان وسوريا
وتابع التقرير أن الاحتفاظ بالسيطرة على العراق، يشكل أمراً حيوياً بالنسبة إلى النظام الإيراني بعد خسارته دولتين عربيتين، حيث أن هذا يظهره مهتزاً ويعزز معنويات معارضي النظام، مضيفاً أن خسارة النفوذ في دولة عربية أخرى، أي العراق، وهي دولة أقرب جغرافياً واجتماعياً إليها، سيكون مدمراً وقد يخلق آثاراً سلبية في الداخل، حيث أن النظام في طهران يخشى من أنه إذا فقد السيطرة على جاره، فسيكون من المرجح أن يفقد السيطرة على شعبه.
لكن التقرير قال إن "طرد إيران من العراق ليس أمراً سهلاً" بالنظر إلى النفوذ الكبير الذي تتمتع به داخل الحكومة العراقية بما يتخطى بكثير نفوذ الولايات المتحدة، إلا أنه على واشنطن اتخاذ خطوات لضمان عدم رضوخ القادة العراقيين للمطالب الإيرانية، من خلال وضع خطوط حمراء واضحة يفهمها القادة العراقيون.
وأوضح التقرير أنه ينبغي على واشنطن عقد اجتماعات حصرية مع العراقيين الذين يخدمون المصالح الوطنية العراقية، واتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه النخب العراقية التي تلحق الضرر بمصالح بلادها من خلال تحالفها مع إيران، وفرض عقوبات على أصولهم، وتهميشهم دبلوماسياً، والتهديد باستخدام القوة ضد "الإرهابيين" المدعومين من إيران ومموليهم في العراق.
ولفت التقرير في هذا السياق إلى "خطوتين في الاتجاه الصحيح" اتخذتها إدارة ترامب، هي المذكرة التي تدعو وزارة الخزانة إلى "فرض عقوبات فورية أو اتخاذ إجراءات إنفاذ مناسبة" على أي شخص ينتهك العقوبات المفروضة على إيران، وامتناع واشنطن في 7 آذار/ مارس الجاري، عن تجديد الإعفاء من العقوبات والذي يتيح للعراق شراء الكهرباء من إيران.
وبرغم إقرار التقرير بأن مثل هذه الخطوات قد لا تثني كل قادة العراق عن التنسيق مع إيران لأن هناك فئة صغيرة من النخب التي تحتقر الولايات المتحدة، إلا أنه قال إن الغالبية الأكبر من العراقيين لا يدينون بالولاء لطهران ولا إلى واشنطن، وإنما يتفاعلون ببساطة مع الحوافز، وهي ما كانت إيران بارعة في تقديمها حتى الآن.
عقوبات دبلوماسية صارمة
ولهذا، يرى التقرير أن العقوبات والدبلوماسية الصارمة قد تساهم بشكل أكبر في مساعدة واشنطن على تعزيز موقفها مع العراق، وقد تساعدها أيضاً على تحقيق التفوق على إيران خلال المحادثات النووية.
وأضاف قائلاً إن إيران تخشى خسارة نفوذها في بغداد، ولهذا فإنه بمقدور إدارة ترامب استخدام هذا الخوف كورقة ضغط في المفاوضات.
وتابع التقرير أن ترامب قد يتواصل مع طهران مع تضييق الخناق على شبكاتها داخل العراق، وهو ما سيحفز إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بدلاً من المراوغة أو إطالة أمد المفاوضات.
وختم التقرير بالقول إنه من خلال "إخراج إيران من العراق، ستتاح لواشنطن فرصةٌ للحد من نفوذ طهران العالمي، وتعزيز فرص التوصل إلى اتفاق يوقف برنامجها النووي في الوقت نفسه، ويتحتم على إدارة ترامب اغتنام هذه الفرصة".
645 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع