شفق نيوز/ تواجه إيران تراجعاً في نفوذها الإقليمي بعد فقدان السيطرة على بيروت ودمشق، مما يجعل العراق ساحة المعركة المقبلة للحفاظ على نفوذها، وذلك بحسب تقرير نشره موقع الإندبندنت البريطاني بنسخته العربية، مشددا على ضرورة تعزيز العقوبات الاقتصادية على القوى المرتبطة بطهران في العراق، لاجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات.
وجاء في التقرير، أن "طهران تعتمد على استغلال الاقتصاد العراقي كمصدر تمويل أساسي عبر الحرس الثوري وميليشياته، لكن تغيرات سياسية وعقوبات أميركية صارمة قد تهدد هذا النفوذ"، مبينا ان "واشنطن أمام فرصة تاريخية لتقويض سيطرة إيران في العراق عبر ضغوط دبلوماسية واقتصادية دون اللجوء إلى تدخل عسكري واسع، مما يعزز موقفها في أي مفاوضات نووية مستقبلية".
واشار الى ان "الأحداث التي شهدها العام الماضي قلبت المشهد الإقليمي رأساً على عقب، فاليوم فقدت إيران السيطرة إلى حد كبير على اثنتين من تلك العواصم العربية الأربع، فقد دمرت الحرب الإسرائيلية في لبنان "حزب الله"، وفي ديسمبر (كانون الأول)، تمكنت القوات المدعومة من تركيا من انتزاع دمشق من نظام بشار الأسد، الحليف الإيراني الذي حكم سوريا لمدة نصف قرن، والآن تخشى إيران من سقوط حجر دومينو آخر".
ووفقا للتقرير، فإن "العراق هو المكان الأكثر ترجيحاً لحدوث ذلك، فالقوات الأمنية في اليمن وإيران نفسها تبدو قوية ووحشية بما يكفي للحفاظ على قبضة محكمة على شعوبها، لكن أتباع طهران في العراق يشعرون بالقلق، فالميليشيات العراقية المدعومة من إيران كانت شنت هجمات منتظمة على القوات الأميركية والأهداف الإسرائيلية طوال عام 2024، وهو ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين في ضربة بطائرة مسيرة في مارس (آذار) من ذلك العام، لكن يبدو أن هذه الميليشيات غيرت مسارها، فهي لم تنفذ أي هجوم منذ أوائل ديسمبر في إشارة إلى أنها باتت أكثر خوفاً من لفت انتباه واشنطن".
وبين ان "السياسيين العراقيين أكثر ميلاً من المعتاد لاسترضاء الولايات المتحدة، حيث قدمت الحكومة العراقية ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني و"الإطار التنسيقي"، وهو ثلاثة تنازلات للمسؤولين الأميركيين، بينها إلغاء مذكرة اعتقال بحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والموافقة على إطلاق سراح الباحثة في جامعة برينستون إليزابيث تسوركوف، التي كانت تحتجزها كتائب "حزب الله"، وإقرار تعديل حيوي في الموازنة كثيراً ما سعى إليه الأكراد العراقيون، وهم الشريحة الأقرب إلى ترمب داخل المجتمع العراقي"، وفقا للتقرير.
واوضح، انه "يتعين على واشنطن أن تستغل هذه اللحظة لتقليص مستوى النفوذ الإيراني في العراق بصورة دائمة، ولكن ينبغي ألا تفعل ذلك من خلال عمل عسكري واسع النطاق، بل عن طريق استخدام دبلوماسية صارمة، والتهديد بفرض عقوبات، والعمليات الاستخبارية، وهو ما سيفضي إلى حرمان إيران من مصدر تمويل حيوي، وستمنح الولايات المتحدة نفوذاً في أية مفاوضات مع قادة النظام الإيراني، والأهم من ذلك، ستؤدي هذه الخطوات إلى حكم أفضل للعراقيين، الذين عانوا لفترة طويلة تحت هيمنة إيران".
"بقرة حلوب"
وبحسب التقرير، فإن "طهران تسعى بصورة يائسة إلى الاحتفاظ بسيطرتها على العراق، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن البلاد تمثل بالنسبة إليها بقرة حلوب ومصدراً مدراً للأموال"، موضحا ان "إيران تتجنب العقوبات عن طريق نقل نفطها إلى المياه العراقية، لكي يصنف زوراً على أنه نفط عراقي، ويصدر إلى الأسواق العالمية، إضافة إلى ذلك، فإن الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، ، تسرق النفط العراقي إما عن طريق الاستيلاء عليه مباشرة من الآبار أو من خلال إنشاء شركات وهمية تحصل بصورة غير عادلة على الوقود المدعوم حكوميا".
وذكر، ان "الحشد الشعبي يتلقى الآن أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً من تمويل الحكومة العراقية، معظمها على صورة رواتب لمقاتليه البالغ عددهم 250 ألفاً، وكثير من هؤلاء المقاتلين يرفضون اتباع أوامر رئيس الوزراء، وبدلاً من ذلك يطلقون الصواريخ على القواعد الأميركية ويقاتلون في سوريا بناء على طلب إيران، وبعضهم لا يحضر إلى العمل إلا في أيام تسلم الرواتب، إذ يحصلون على أجور من دون القيام بأي عمل فعلي".
ولفت الى ان "حكومة السوداني سمحت أيضاً للحشد الشعبي بإنشاء تكتله الاقتصادي الخاص، "شركة المهندس العامة"، التي سميت على اسم "أبو مهدي المهندس"، وتتعاون هذه الشركة مع شركات صينية وأخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني من أجل الحصول على عقود نفط وبناء من الحكومة العراقية".
وبين ان "إيران تحتاج إلى العراق الآن أكثر من أي وقت مضى، فالحكومة الإيرانية تواجه ضغوطاً مالية هائلة، وتشهد العملة الوطنية انهياراً سريعاً، ويعد الحفاظ على السيطرة في العراق أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى النظام الإيراني لأسباب رمزية أيضاً، إذ أدى فشل وكلاء إيران وحلفائها في بلدين عربيين إلى جعل طهران تبدو ضعيفة ومتزعزعة، وعزز معنويات معارضي النظام".
"ومن وجهة نظر إيران، فإن خسارة النفوذ في بلد عربي آخر، خصوصاً في بلد قريب جغرافياً واجتماعياً منها، سيكون مدمراً وقد يؤدي إلى تداعيات ارتدادية خطرة داخل البلاد نفسها، فالإيرانيون يسافرون بانتظام إلى العراق لأغراض دينية وتجارية، وما يحدث في العراق غالباً ما تكون له انعكاسات مباشرة في الداخل الإيراني، ويخشى النظام في طهران أنه إذا فقد السيطرة على جاره العراق، فمن المرجح أن يفقد السيطرة على الشعب الإيراني"، بحسب التقرير.
"جار سيء"
ونوه التقرير الى ان "إخراج إيران من العراق لن يكون بالأمر السهل، فطهران تتمتع بنفوذ داخل الحكومة العراقية يفوق بكثير نفوذ الولايات المتحدة، وقد لا تتدخل إيران في إدارة جميع جوانب الحكم في العراق، لكنها تسيطر على بغداد في اللحظات الحاسمة، مثل اختيار رئيس وزراء، أو عندما يريد أحد أفرع الحرس الثوري الإيراني العبور عبر العراق، أو عندما ترغب إيران في إطلاق طائرة مسيرة على مستشارين عسكريين أميركيين من داخل الأراضي العراقية، وفي مثل هذه اللحظات، يمكن لإيران التدخل في شؤون جارتها والإفلات من دون عواقب تذكر".
ولفت الى ان "إيران خبيرة في اختيار الفائزين في الانتخابات العراقية، ففي عام 2018، كانت العقل المدبر لوصول عادل عبد المهدي إلى رئاسة الوزراء، آنذاك، أجرى قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، اختبار ولاء لعبد المهدي، وبمجرد أن اجتازه، أمر سليماني الفصائل الموالية لإيران بدعم ترشيحه، كما نجحت طهران في التأثير في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق، في عام 2021، على رغم خسارة الفصائل المرتبطة بإيران بفارق كبير، وبينما حاول المسؤولون المستقلون تشكيل حكومة، شجع الحرس الثوري الإيراني الميليشيات المدعومة من إيران على تغيير قواعد تشكيل الحكومة لصالحهم، والاحتجاج على نتائج الانتخابات، ومهاجمة المنافسين السياسيين جسدياً، ونتيجة لذلك، تمكن السوداني و"الإطار التنسيقي" الموالي لإيران من تولي السلطة على رغم امتلاكهم أقلية من المقاعد"، وفقا للتقرير.
وتابع ان "الحكومة الأميركية اعتادت دعم رؤساء الوزراء العراقيين، بمن فيهم عبدالمهدي والسوداني، حتى لو كانوا مجرد دمى في يد إيران، كان صناع القرار الأميركيون يخشون من انهيار العراق في حرب أهلية أو سقوطه في يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لذلك كان من الضروري الحفاظ على علاقات وثيقة مع الحكومة العراقية مهما كان الثمن"، داعيا واشنطن الى أن "تتخلى عن هذا النهج، إذ لم يعد مقاتلو داعش يطرقون أبواب بغداد، كما أن النفوذ الإيراني قد تراجع في مختلف أنحاء المنطقة، والعراق أصبح مندمجاً بالكامل في محيطه العربي".
ووفق التقرير، انه "ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، يتعين على واشنطن أن توضح أنها لا تملك أية مصلحة في بقاء السوداني رئيساً للوزراء، وألا تدعوه إلى البيت الأبيض هذا العام، مما يرسل إشارة واضحة بأنه لا يحظى بدعم أميركي، ويجب على السفارة الأميركية في بغداد مراقبة كل مرحلة من مراحل العملية الانتخابية عن كثب، وإدانة أولئك الذين يقوضون الديمقراطية ومعاقبتهم بصورة علنية، كما ينبغي أن تكون انتخابات 2025 وعملية تشكيل الحكومة التي ستليها حرة ونزيهة، وألا تتأثر إلا بإرادة العراقيين أنفسهم".
"إنهاء المهمة"
ونبّه التقرير، الى انه "يجب على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات إضافية لضمان عدم خضوع القادة العراقيين للمطالب الإيرانية، ومن أجل تحقيق ذلك، عليها أن تضع خطوطاً حمراء واضحة يفهمها المسؤولون العراقيون، كما يتعين على واشنطن عقد اجتماعات علنية حصرياً مع العراقيين الذين يخدمون المصالح الوطنية للعراق".
وذكرت الاندبندنت في تقريرها أنه "وعلى النقيض من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه مجموعة من النخب العراقية التي تضر بمصالح بلادها من خلال التحالف مع إيران، وعلى الحكومة الأميركية أن تفرض عقوبات على أصول هؤلاء الأشخاص، وتتجاهلهم دبلوماسياً، وتهدد باستخدام القوة ضد الإرهابيين المدعومين من إيران ومموليهم داخل العراق".
وشدد على "اهمية العقوبات والدبلوماسية الصارمة في أن تحقق نتائج تتجاوز مجرد تحسين موقف واشنطن في العراق، إذ يمكن أن تساعد أيضاً في منح الولايات المتحدة اليد العليا في المحادثات النووية مع إيران، فالجمهورية الإسلامية تخشى فقدان نفوذها في بغداد، ويمكن لإدارة ترمب استخدام هذا الخوف كورقة ضغط في المفاوضات".
وذكّر التقرير بـ"انسحاب ترمب من الاتفاق النووي الذي تفاوض عليه سلفه، وشن حملة "الضغط الأقصى" على إيران على أمل التوصل إلى اتفاق أفضل، وهذه المرة، يمكن لترمب أن يتواصل مع طهران بينما يشدد الخناق على شبكاتها في العراق".
وخلص التقرير، إلى انه "على مدار العقد الماضي، تجاهلت الإدارات الأميركية المتعاقبة الأنشطة الإقليمية لإيران أثناء المفاوضات النووية، لأن محاولة تفكيك شبكة وكلائها الإقليمية الواسعة كانت عملية معقدة ومرهقة، ولكن بعد سقوط الأسد وإضعاف "حزب الله"، قد يتمكن المسؤولون الأميركيون من تحقيق الهدفين معاً إجراء المفاوضات وتفكيك شبكة الوكلاء"، منوها الى انه "من خلال إخراج إيران من العراق، تتاح لواشنطن فرصة لتقليص نفوذ طهران عالمياً وتحسين فرص التوصل إلى اتفاق يوقف برنامجها النووي، ويجب على إدارة ترمب أن تغتنم هذه الفرصة".
900 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع