الصيدلاني الذي لوّن الأنبار.. نايف الآلوسي يحوّل فنه إلى مشروع وهوية (صور)

شفق نيوز/ من صيدلية الحياة إلى صالة الفن، ومن تشريح الجسد إلى رسم ملامح الجمال، ينسج الفنان نايف الآلوسي مسيرة فريدة تمزج بين الدقة العلمية والحس الإبداعي، فهو صيدلاني بالاختصاص، لكنه بالفن اختار أن يروي حكاية مختلفة؛ حكاية بدأت بموهبة صغيرة في جدران المدارس، وتحوّلت لاحقاً إلى هوية بصرية تلوّن وجه الأنبار.

في لوحاته، كما في حياته، مزج الآلوسي بين العلم والخيال، بين التشريح والظل، بين اللون والرمز، لم يكن الفن بالنسبة له مجرد هواية، بل مشروعاً متكاملاً يعكس روحه وبيئته، ويقدّم للأنبار وجهاً جميلاً يستحق أن يُرى ويُحتفى به.

البداية من جدران المدرسة

يروي نايف الآلوسي لوكالة شفق نيوز، رحلته مع الفن التي قال إنها بدأت في المرحلة الابتدائية، حين لاحظ معلموه موهبته وحرصوا على عرض أعماله على جدران المدرسة لسنوات، هذا التقدير المبكر منح الطفل دافعاً للتميز، ليزرع في داخله الثقة بمسار اختاره بقلبه.

ورغم أنه درس الصيدلة لاحقاً، فإن تلك الدراسة أهدته معرفة دقيقة بتفاصيل الجسد، عبر مادة التشريح التي أثرت إدراكه لتوزيع الضوء والظل، أما التأثير الفني الأعمق، فقد كان فطرياً وخارج قاعات الجامعة.

فن الديكور

في سبعينيات القرن الماضي، وفي ظل انفتاح نسبي على العالم، قرر نايف خوض تجربة جديدة، مشيراً إلى افتتاح أول مكتب ديكور وتجميل مبانٍ في الأنبار، وفي ذلك الوقت، كانت ثقافة الجمال في المباني تقتصر على "الصبغ"، لكن وجود عمالة عربية أدخلت فنون الجبس وغيرها من التفاصيل الجديدة، مما ألهمه بدمج الديكور والرسم في مشروعه الريادي.

ورغم ضعف الإقبال في البداية وصعوبة إقناع الزبائن، استمر الألوسي، مقتحماً سوقاً غير مهيّأ، حتى بدأ المجتمع الأنباري في التسعينيات يستوعب فكرة أن الجمال يمكن أن يكون جزءاً من تفاصيل المكان، لا رفاهية زائدة.

يرى نايف أن النقابات في العراق، خاصة في المحافظات، لم تقدّم دعماً حقيقياً للفنانين، بل كانت عبئاً إضافياً، فالموهبة بالنسبة له، أصدق وأعمق من الشهادات، ومن هنا، طوّر مهاراته بالرسم والجبس والديكور من خلال المطالعة الذاتية، دراسة كتب الفن وتاريخه، وتمارين لا تتوقف، ولعلّ أبرز دافع له، كان تحويل الفن إلى عمل تجاري مجزٍ دون أن يفقد روحه الإبداعية.

هوية بصرية انبارية

يرى الألوسي أن الفنان الفطري أصدق من الأكاديمي لأنه لا يتقيد بإطار، بل يعبر عن رؤيته بحرية، وهو نفسه يجد في البيئة الأنبارية بصحرائها ونواعيرها وخيولها وفراتها، عناصر غنية للإلهام والرسم، هذه الصور لم تكن مجرد مشاهد جميلة، بل انعكاس لهويته الشخصية والجمعية.

وفي أعماله، يوظف الآلوسي، كل المواد حتى التراب لخلق تشكيلات فنية، مؤمناً بأن لكل لون مكانه وزمانه، أما الرموز الأنبارية، فتتكرر في لوحاته كأثر من جذور لا تنفصل عن روحه.

ورغم قلة المعارض وعدم وجود صالات عرض أو بيع فني في الأنبار، لم يرَ الألوسي في ذلك عائقاً بقدر ما هو تحدٍّ، وهو يرى أن الذائقة الفنية تطوّرت نسبياً، خاصة في المناطق الغربية ذات الجذور التاريخية العميقة مثل هيت وحديثة، مقارنة بمراكز المدن الحديثة كالرمادي والفلوجة.

من القصور الرئاسية إلى سينما الرمادي

على صعيد المشاريع، نفّذ نايف أعمال ديكور وفن في قصور رئاسية، وفلل، وسينما الرمادي، ومطاعم معروفة في بغداد، وهي تجارب يرى أنها تركت بصمة فنية وجمالية، رغم أن الشهرة لم تكن هدفه الأول.

وعن المعارض، يستعد الألوسي قريباً لإطلاق معرضين فنيين، سيكونان بمثابة تتويج لمسيرة فنية امتدت لعقود، ونمت خارج أسوار المؤسسات التقليدية.

نصيحة من قلب التجربة

للجيل الجديد، يوصي نايف الألوسي بالرسم، لا فقط كفن، بل كعلاج نفسي ومجال للتركيز والانضباط والابتعاد عن مظاهر التشتت والانحراف. يؤمن أن الجيل اليوم أكثر وعياً بفعل الانفتاح التكنولوجي، لكنه يحتاج إلى توجيه نحو الجمال.

في يومه، لا يسير الألوسي وفق جدول صارم؛ هو فوضوي باعترافه، يعيش بين أسرته وألوانه، بين الدهانات واللوحات، وبين شغف دائم بالسفر والصيد والتصوير، هكذا هو نايف الألوسي: فنان فطري بنَفَس علمي، صيدلاني بفرشاة، حوّل الفن إلى حكاية أنبارية تستحق أن تُروى.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

593 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع