أنبوب على خط النار .. أردوغان يكتب نهاية "كركوك-جيهان"

شفق نيوز- كركوك/ بغداد:في خطوة اعتبرت تحولاً استراتيجياً في ملف الطاقة بين بغداد وأنقرة بعد أكثر من خمسة عقود من السريان، جاء إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسمياً إنهاء الاتفاق النفطي الموقع مع العراق منذ عام 1973، الخاص بخط أنابيب تصدير النفط الخام من حقول كركوك إلى ميناء جيهان.

وبينما يُعلن عن نهاية اتفاق تاريخي بين البلدين تبقى الذاكرة مرتبطة بعقبات وتحديات واجهها هذا الخط، خصوصاً من حيث الخسائر الاقتصادية التي تكبدها العراق بفعل الهجمات وأعمال التخريب، والتي تسببت بفقدان ملايين البراميل من صادراته بين 2004 و2015.

ويُتوقع أن تكون المرحلة المقبلة مفتوحة أمام مفاوضات جديدة، ترسم شكل التعاون بين بغداد وأنقرة في ملفات الطاقة، وسط حديث متزايد عن تحولات كبرى في طرق تصدير النفط ومشاريع الموانئ والممرات الاستراتيجية.

على خط النار

منذ إعادة تشغيله في مطلع الألفية، عانى خط كركوك - جيهان من سلسلة هجمات مسلحة استهدفت بنيته التحتية بشكل متكرر بين عامي 2004 و2015. وتُظهر التقارير أن الخط تعرض خلال تلك الفترة إلى أكثر من 20 هجوماً، تركزت غالبيتها في مناطق شمال العراق بمحافظتي نينوى وكركوك، ما تسبب بتوقفه مراراً وتعطيله عن تصدير النفط لفترات امتدت في بعض الأحيان إلى أسابيع.

بلغت ذروة هذه الهجمات مع صعود تنظيم داعش في 2014، حيث عمد التنظيم إلى تفجير أجزاء من الخط ومحطات الضخ، مما أدى إلى توقفه بالكامل من الجانب العراقي لفترة طويلة، قبل أن تعتمد بغداد على خطوط بديلة عبر إقليم كوردستان.

شهد خط أنابيب كركوك - جيهان توقفاً متكرراً لتصدير نفط كركوك نتيجة الهجمات التي استهدفت البنية التحتية، وكان أبرز توقف طويل في منتصف عام 2014 مع صعود تنظيم داعش، حيث توقفت صادرات النفط من حقول كركوك رسمياً منذ تموز 2014 واستمرت التوقفات الأمنية حتى عام 2016، حين بدأت جهود إعادة تشغيل الخط بشكل جزئي.

أما إقليم كوردستان، فقد بدأ تصدير نفطه عبر خط جيهان بشكل أكبر بعد توقف خط كركوك الرسمي، واستمر الاعتماد عليه بشكل رئيسي من عام 2014 حتى 2017، حيث بدأت أربيل في تطوير خطوط أنابيب بديلة لتقليل الاعتماد على خط كركوك - جيهان بسبب التوترات السياسية والأمنية.

هذا التداخل في توقيتات التوقف والاستخدام يعكس حالة عدم الاستقرار في قطاع النفط العراقي، والضغوط التي فرضتها التحديات الأمنية والسياسية على تدفق النفط من شمال العراق إلى الأسواق الدولية عبر تركيا.

ويعتمد الخط على عدة محطات رئيسية لضخ النفط وتأمين ضغطه الفني عبر المسافات الطويلة، أبرزها: IT-1، IT-2، عين الجحش، فيشخابور. وغالباً ما شكّلت هذه المحطات نقاط ضعف رئيسية في مواجهة الهجمات المسلحة التي سعت لتعطيل تدفق النفط العراقي إلى الأسواق الخارجية.

وبعد توقف خط كركوك - جيهان لفترات متكررة بين 2014 و2015 جراء الهجمات الإرهابية التي استهدفت البنية التحتية للخط، اضطر إقليم كوردستان إلى الاعتماد عليه لتصدير نفطه الخام إلى الأسواق التركية، رغم تعقيدات مرور الخط عبر مناطق متنازع عليها بين الإقليم والحكومة الاتحادية.

وأكدت تقارير رسمية ودراسات نفطية أن الإقليم دفع ما يقارب 50 إلى 70 مليون دولار سنوياً كرسوم نقل لاستخدام الخط، تم توجيهها إلى شركات تركية مسؤولة عن إدارة وتشغيل خط الأنابيب.

إلى جانب هذا العبء المالي المباشر، تكبد الإقليم خسائر ضخمة بسبب توقفات متكررة ناجمة عن الهجمات الإرهابية التي استهدفت محطات الضخ والأنابيب، مما أدى إلى فقدان ملايين البراميل من النفط الخام، وتقدّر قيمة هذه الخسائر بما يزيد عن 300 مليون دولار خلال عامي 2014 و2015 فقط.

على الصعيد السياسي، أضاف اعتماد الإقليم على هذا الخط مزيداً من التوتر في علاقاته مع بغداد، التي كانت ترفض تصدير النفط خارج القنوات الرسمية، مما دفع الإقليم إلى البحث عن خطوط بديلة خاصة به في المستقبل، وهو ما يوضح حجم التحديات التي رافقت استخدام خط كركوك - جيهان خلال تلك الفترة.

الخط جاهز

في مقابل ذلك، أكد مصدر في شركة نفط الشمال لوكالة شفق نيوز أن خط أنابيب كركوك - جيهان أصبح اليوم جاهزاً للعمل بعد إكمال عمليات إصلاح شاملة للبنية التحتية، حيث أجرت الشركة اختبارات ضخ متكررة بلغت ثلاث مرات للتأكد من كفاءته وسلامته الفنية.

هذه الخطوة تأتي في إطار جهود إعادة تفعيل الخط بعد سنوات من التوقفات والهجمات التي أصابته، مع التركيز على تعزيز جاهزيته الفنية لتقليل المخاطر الأمنية والفنية التي أثرت على استمرارية تصدير النفط عبره في السابق.

ورقة ضغط

من جانبه، اعتبر الخبير في العلاقات الاقتصادية، حسن يوسف، خطوة تركيا بإنهاء الاتفاق النفطي مع العراق تحركاً مدروساً يعكس رغبة أنقرة في تعزيز موقعها التفاوضي واستغلال ملف الطاقة كورقة ضغط استراتيجية في علاقاتها مع بغداد وأربيل.

وذكر يوسف في تصريح للوكالة، أن تركيا، من خلال إنهاء هذا الاتفاق الذي يعود إلى حقبة زمنية مختلفة، تسعى إلى إعادة بناء علاقاتها الاقتصادية على أسس جديدة، تتيح لها التنوع في مصادر الطاقة وتحسين شروط التبادل التجاري مع العراق، خصوصاً في ظل التغيرات السياسية والإقليمية التي جعلت من الاتفاق القديم عبئاً على المصالح التركية."

ورأى يوسف، أن هذا القرار ليس مجرد مسألة فنية أو أمنية، بل يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية عميقة، فتركيا تريد أن تضع العراق أمام خيارات جديدة، تدفعه إلى المفاوضة بشكل أكثر جدية، وربما تضطر بغداد إلى تقديم تنازلات أو إشراك شركات تركية في مشاريع نفطية وبنية تحتية أكبر، مما يعزز الاقتصاد التركي ويحقق أهداف أنقرة في توسيع نفوذها الاقتصادي."

وأشار الخبير، إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، بما في ذلك زيادة التعاون في مجالات الطاقة، النقل، والبنى التحتية، لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن التوترات السياسية قد تعيق التفاهمات السريعة، ما يتطلب حواراً استراتيجياً مستمراً لتفادي التأثيرات السلبية على قطاع النفط العراقي.

اتفاقية جديدة

وفي تعليقه على القرار التركي، قال الخبير النفطي علي عبد الله لوكالة شفق نيوز، إن إنهاء الاتفاق يعكس رغبة أنقرة في إعادة رسم العلاقة مع العراق في ملف الطاقة على أسس جديدة، بعيداً عن التفاهمات القديمة التي لم تعد تلبي مصالحها في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.

وأضاف أن "تركيا تسعى إلى إنهاء التزاماتها التاريخية التي تُقيد حركتها التفاوضية مع بغداد، خصوصاً بعد الخلاف القضائي حول هذا الخط في محكمة التحكيم الدولية، ما يجعلها تهيئ الأرضية لتفاهمات جديدة في المستقبل القريب تشمل النفط وربما مشاريع الطاقة والبنية التحتية بشكل أشمل".

وأشار عبد الله إلى أن "إنهاء الاتفاق لا يعني بالضرورة توقف الصادرات عبر جيهان مستقبلاً، لكنه يفرض إعادة التفاوض وفق أسس جديدة، بما يتماشى مع مشاريع العراق الاستراتيجية مثل خط التنمية وسعي تركيا لتعزيز مكانتها كممر إقليمي رئيسي للطاقة".

أما الخبير النفطي حمزة الجواهري، فرأى أن التصدير عبر جيهان التركي غير مربح للحكومة الاتحادية لان التصدير من جيهان معناه دفع رسوم اكثر من 6 دولارات عن البرميل الواحد او اكثر تذهب كاجور نقل".

واشار الجواهري، خلال حديثه للوكالة، الى ان "العراق يقوم بالتصدير من الجنوب وهو يكلف الحكومة 60 سنتا للبرميل فقط ولديه فائضا بمقدار مليون برميل وذلك لانه ملتزم باتفاقية اوبك".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

605 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع