تصريحات رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الداعمة لميليشيا الحشد الشعبي أثارت جدلا في العراق حيث بدت متساهلة معها رغم الهجمات الأخيرة على المصالح الأميركية. وينظر الأميركيون إلى هذا الموقف على أنه تغطية غير مباشرة على الجماعة ما يثير غضب واشنطن.
العرب/بغداد - أكد رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في اتصال مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أن الحشد الشعبي مؤسسة عسكرية عراقية رسمية تعمل في ظل صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، في رد غير مباشر على مطالبة واشنطن بحل الحشد الشعبي ونزع سلاحه واستيعابه في مؤسسات الدولة.
وتقول أوساط سياسية عراقية مطلعة إن السوداني هدف من وراء حديثه إلى الوزير الأميركي إلى طمأنة الأحزاب الموالية لإيران التي تسيطر على حكومته، بدلا من تأكيد أن العراق ملتزم ببناء علاقات ثقة مع الولايات المتحدة وكسر حالة البرود مع إدارة الرئيس دونالد ترامب بسبب التباس موقف بغداد التي تريد أن تسترضي إيران وأذرعها في العراق على حساب مصالح البلد الخارجية.
وتمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على حكومة السوداني لاتخاذ إجراءات حاسمة بشأن الحشد الشعبي، وتشمل هذه الضغوط مطالب بحلّه أو دمجه في المؤسسات الأمنية العراقية الرسمية بهدف تقليص النفوذ الإيراني في العراق.
وترى واشنطن أن الحشد الشعبي، الذي يعمل تحت مظلة القوات الحكومية ولكنه يضم فصائل موالية لإيران، يشكل تهديدًا لمصالحها الإستراتيجية، وتعمل على تفكيك نفوذه لإضعاف إيران خاصة بعد هزيمة حزب الله في لبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا.
وطبقا لبيان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، نشره على صفحته بموقع فيسبوك، تطرق الاتصال إلى قانون الحشد الشعبي، حيث أشار السوداني إلى أن “طرح هذا القانون أمام مجلس النواب يأتي ضمن مسار الإصلاح الأمني الذي انتهجته الحكومة، وهو جزء من البرنامج الحكومي المعتمد من مجلس النواب، وقد شمل هذا المسار إقرار قوانين مماثلة لأجهزة أخرى ضمن قواتنا المسلحة، مثل جهازي المخابرات والأمن الوطني.”
ويعتبر الأميركيون أن تأجيل عملية تفكيك جهاز الحشد هو رفض واضح لما طلبته واشنطن، وأنه ستتم معاملة بغداد وفق هذا المعطى بقطع النظر عن محتوى التصريحات والالتباس الذي يحف بها للإيحاء بأن السوداني مع الحشد ومع أميركا، وهو ما يفسر تعليق زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى واشنطن.
وحمل كلام السوداني كذلك تبرئة للحشد الشعبي من استهداف آبار النفط في إقليم كردستان مع أن التحليل المنطقي يشير إلى أن الجهة الوحيدة التي من مصلحتها عرقلة إنتاج النفط والمضي في اتفاقية الإقليم مع الشركات الأميركية هي جهة عراقية مرتبطة بإيران، وهو ما يعني أن المنفذين ينتمون إلى أحد فصائل الحشد الشعبي.
وأشار رئيس الوزراء العراقي إلى الاعتداءات الأخيرة التي تعرضت لها منشآت حيوية ونفطية في إقليم كردستان العراق وفي محافظتي صلاح الدين وكركوك، ووصفها بأنها تستهدف الاقتصاد الوطني العراقي، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية تتابع مصادر الهجمات مع التحالف الدولي لمحاربة داعش.
وأعرب السوداني عن استغرابه من تزامن هذه الهجمات مع اتفاق المبادئ بين وزارة النفط والشركات الأميركية المستثمرة العاملة في الإقليم، لاستثمار عدد من الحقول النفطية في كركوك وصلاح الدين.
وتعتبر الميليشيات أن الاتفاق النفطي بين إقليم كردستان والشركات الأميركية قد أفشل خطط حكومة الإطار التنسيقي في وضع نفط إقليم كردستان تحت تصرفها ضمن معادلة تقوم على النفط مقابل الرواتب، وأن وجود الولايات المتحدة في صف أربيل يعني إعطاء الإقليم قوة دفع للاستمرار في خيار الحكم الذاتي والدفاع عن مصالحه.
ويمثّل اللجوء إلى المسيّرات لعرقلة عمل حقول النفط بشكل مؤقت رسالة إلى الولايات المتحدة بدرجة أولى تفيد بأن الأحزاب المسيطرة على الحكم في بغداد لن تسمح بفرض أمر واقع في صالح الأكراد وعلى حسابها. لكن هذا الاستهداف سيزيد من غضب إدارة الرئيس دونالد ترامب على الميليشيات وقد تلجأ إلى تنفيذ ضربات قوية ضدها، كما سيزيد من توسعة الهوة بين أربيل وحكومة السوداني التي دأبت على إرسال إشارات متناقضة بشأن تصدير نفط الإقليم.
وقبل أسبوعين تحدث متابعون للشأن العراقي عن وقوف إدارة ترامب وراء التضييقات بشأن صرف رواتب الحشد الشعبي، وأنها مارست ضغوطا على البنك المركزي العراقي والمصارف العراقية في رسالة واضحة تفيد بأنها لن تسمح باستمرار حصول الميليشيات على الامتيازات المالية التي تقوي نفوذها.
وتسعى الولايات المتحدة إلى استثمار حرب الـ12 يوما ضد إيران لتطويق نفوذها في الإقليم، وخاصة في العراق من خلال الضغط على حكومة محمد شياع السوداني ودفعها إلى تغيير أسلوبها في رعاية ودعم ميليشيات الحشد الشعبي والسعي إلى كسب ودها.
وإذا كانت الحكومات العراقية السابقة تحرص في الظاهر على إبداء التفاعل مع مطالب الأميركيين وعرقلتها في الواقع، فإن الوضع يختلف حاليا، ذلك أن إدارة ترامب تتابع كل شيء بدقة ولا تتوانى عن اتهام الحكومة العراقية بأنها “تابعة لإيران” أو مرتهنة بأجندتها في المجال السياسي والأمني والاقتصادي، وأي تلكؤ في محاصرة الحشد الشعبي قد يوتّر علاقة السوداني مع واشنطن ويعيق محاولات إذابة الجليد معها وتأمين زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى أميركا ولقاء ترامب، وهي زيارة معلقة رغم أهميتها بالنسبة إلى السوداني.
795 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع